ستصدر في الايام القادمة مذكرات الأستاذ الكاتب الصحفي والناقد الفني سهيل سامي بعنوان : (( سوء الحظ .. ذكريات صحفي في زمن الإنقلابات )) … والأستاذ سهيل يبلغ من العمر 78 عاما والده من مؤسسي الحزب الشيوعي وهو درس علم الإجتماع وإبتعد عن الإنغماس في الأيديولوجية الشيوعية ، ومن المؤسف تأخرت كثيرا في التعرف على كتاباته إذ إكتشفتها قبل حوالي سنتين ، وشعرت بالفرح حينما قرأت سلسلة مقالات مؤخوذة من كتابه (( المريض العراقي )) وروايته (( التل )) ولأسباب مبدئية سأوضحها لم اقرأ ماكتبه حول الفن التشكيلي التي خصص لها معظم فترات حياته !
الأستاذ سهيل هو الكاتب الذي يبحث عنه القاريء الجاد ، حيث تجد نفسك وكأنك امام الجاحظ – كلاهما من البصرة – فهو يتخم الفكرة والموضوع تناولا وتحليلا ووصفا يدخل اليه من اليمن واليسار والعمق … ويخلق لك عالما آخر يكشف زوايا أكثر عمقا ، ورغم انه يكره الشعر أو لايقرأه ، لكنه يكتب في نثره شعرا غامضا عميقا يشعر به القاريء الباحث في تقليب طبقات ومستويات أفكاره وإسلوبه ، وهو قيمة فكرية – إبداعية عراقية نفخر به.
حمل في داخله طيبة اهل البصرة .. وزهده الذاتي ، ويأسه الذي لايخفيه … ولهذا كان مقلا في النشر ، ومتعففا عن الترويج للذات ، و كان محاصرا من السلطة ، بسبب تاريخه العائلي السياسي، وإستقلاليته .
والمبدع الكبير الاستاذ سهيل هو نموذج لغياب الإدارة الجيدة للموهبة ، وأكاد اقول لهدرها ، فقد إنشغل للأسف في النقد الفني – الرسم – ، ووفق الحسابات المنطقية والمبدئية هذا ليس خيارا ، بل هو مشاركة في تسويق الإوهام بعد الوقوع في شراكها ، فما يسمى الفن التشكيلي – وخصوصا الرسم – هو مجرد أوهام راجت بين البشر واصبح له سلطة كسلطة الأديان والأيديولوجيات ، وبات الناس يخشون الجهر بعدم قيمة الفن التشكيلي خوفا من تهمة الجهل وغياب الذوق الجمالي ، بل إنقلب الأمر صار من ضرورات الديكور الثقافي للفرد هو إقتناء اللوحات والحديث عنها ، دون طرح أسئلة حقيقية من قبل العقل البشري : ماهي قيمة الرسم الحقيقية ، وماهي جدواه للإنسان ، ومامدى سلامة المعايير الجمالية التي تُفخم به كما هو الحال مع الأديان والأيديولوجيات والرياضة حيث تكرست سلطتها وأهميتها الزائفة على الوعي دون طرح الأسئلة حول حقيقتها وجدواها؟!
أعتذر من الأستاذ سهيل .. و بإعتباره كاتبا محترفا .. يتقبل وجهات النظر التي تلتقط زوايا غير تقليدية لفهم الأمور … كنت أتمنى لو كرس حياته لمجالات آخرى حقيقية وأفادنا وأمتعنا بمؤلفات القراء بحاجة لها … فنحن امام هذه الموهبة الضخمة نشعر بالطمع للأغتراف من إبداعها ، لكن غابت عنه إدارة موهبته … هل من حق القاريء مناقشة خيارات الكاتب في إنتقاء مواضيعه ؟ بوصفه شخصية عامة والكتابة شأن عام .. نعم يحق للقاريء هذا.
ختاما .. أتمنى ألا أسمع من عشاق الفن التشكيلي السؤال القمعي الشرق أوسطي .. من أنت حتى تشطب على فن الرسم !