لاشك أن مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي شكلت حقبة”طالع”،لتستحيل في التسعينات الى حقبة”قانع”،ثم صارت في القرن الـ21 حقبة “نازع”، كان هتاف الجماهير يومها “طالعلك ياعدوي طالع،من كل بيت وحارة وشارع ” فصاربعيد انفجار بيروت الهائل “طالعلك يا صديقي طالع للكرامة وللاخلاق وللقيم وللحياء وللملابس نازع ” أو بمعنى أدق ” نازعلك ياحبيبي نازع في كل بيت وحارة وشارع “،لقد بدأ النضال العربي ضد الكيان الصهيوني المسخ ببندقية وكوفية ليمر بمرحلة الانشاد الخنثوي تعبيرا عن الرفض والهوية،ولينتهي ببوستات فيس بوكية وتغريدات تويترية،العرب صاروا يهرولون سراعا للتطبيع ،بينما وسائل الاتصال والتواصل تمنحهم فرصة جديدة وذريعة أخرى للتناحر فيما بينهم بين مؤيد ومعارض لزيادة البغضاء بين أفراد القطيع الواحد وكلهم مصيره الى نصل الجزار صائر، وأقول للدول والقنوات الفضائية المُطَبِعة خفية مع الكيان الصهيوني من -تحت اللحاف- إضافة الى الدول المُطَبِعة علانية مع الكيان من -فوق اللحاف- كلكم ذيول فلا يهاجمنَّ أحدكم الأخر إعلاميا للتمويه ولا داعي لقرع طبول الحرب الوهمية وكلكم “نازع” داخل وخارج المنازع وبلامنازع ، اردوغان يهدد بقطع العلاقات مع ابو ظبي بعد تطبيع علاقاتها مع اسرائيل وفي ذات الساعة التي يغرد فيها تنتقل الطائرات بحرية تامة من مطار اسطنبول الى مطار تل ابيب ذاك أن حجم التبادل التجاري بينهما يبلغ 4 مليارات دولار سنويا في علاقات لطالما مرت بمد وجزر = نازع ..نشطاء مصريون يحملون على الامارات لتطبيعها مع الكيان المسخ مع أن مصر هي الاولى في التطبيع منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1978 أسوة بالاردن = نازع ..نشطاء وإعلاميون قطريون يحملون على الاتفاقية الجديدة المبرمة بين ابو ظبي وتل ابيب ، بينما العلاقات الاسرائيلية القطرية – من تحت البطانية – وبحسب مجلة “جون أفريك” الفرنسية تتضمن تبادلات تجارية بمئات الملايين من الدولارات في مجالات التكنولوجيا والطب والنفط علاوة على الوساطات السياسية المتواصلة بين الدوحة وتل ابيب = نازع !
عُمان في طريقها حتما الى التطبيع بعيد الامارات وعلى خطاها لاسيما وأن زيارة النتن جدا ياهو عام 2018 الى مسقط أشهر من نار على علم = نازع ،المنامة على خطى الجيران لامحالة ولايشك في ذلك أحد البتة وبالاخص بعد تصريح ” وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، لصحيفة “تايم أوف إسرائيل” عام 2019 وعلى هامش ما سمي وقتئذ بـ” ورشة البحرين للسلام من أجل الازدهار”وقوله بصريح العبارة،إن” إسرائيل وُجدت لتبقى،وأن بلاده ودولا عربية أخرى تريد التطبيع معها” = نازع ياحبيبي نازع ، والبقية الباقية على الطريق بحسب الظروف المواتية للانغماس في مستنقع – بصقة – القرن الى الاذقان !
المنطقة العربية اليوم وغدا مقبلة على أحداث متسارعة وساخنة جدا، قوات فرنسية في لبنان وقبرص، تسريع وتيرة تطبيع العلاقات العربية مع الكيان ،روسيا تقصف في سوريا وتترقب في لبنان، تركيا تقصف في العراق وسورية وتتحرك في ليبيا والمتوسط، اليونان تهدد وتتربص، بريطانيا تتأهب ،اميركا تزبد وتصعد،ايران ترعد وتتوعد، ولابد من تشكيل وعي جديد للشعوب العربية برمتها خارج اطار -الانتدابات والتطبيعات – لاسيما لأجيال مابعد “الكيكوز”والسيريلاك ، وانطلاقا من هذا الوعي المطلوب تشكيله خارج نطاق الابيض والاسود قلت ما قلته آنفا وادعو المثقفين العرب أن يشمروا عن ساعد الجد في هذا المضمار وأن لايتحولوا الى مجرد إمعات تتعصب لهذا الصنم أو ذاك فجل الاصنام بلا سراويل وعوارها وعوراتها بادية للعيان حاليا، وأضيف،بأن الوجع والالم لايعني أن تغالط نفسك فلو أن الـ 36 الف مغفل ممن وقعوا عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي الى لبنان قد علموا يقينا بأن هذا الانتداب هو من أرسى دعائم الطائفية واسس لدويلات الطوائف في عموم الشام وليس في لبنان وحده فحسب ونصب حكومات الفساد والافساد فيها وباركها كبديل عنه لما وقعوا عريضة المطالبة بعودة الانتداب الفرنسي مطلقا، فهل هذا الانتداب وافكاره ولغته وايدولوجياته واخلاقياته قد غادرت لبنان وسورية والجزائر وتونس والمغرب مجتمعة الى يومنا هذا حتى يطلب منه العودة تارة أخرى وهو لم يغادرها بعد ، البونجور والمدموزيل والميرسي التي استعيظ بها عن السلام عليكم ، وشكرا،وآنسة اضافة الى دويلات وأحزاب وكانتونات الطوائف المتناحرة التي إقتتلت فيما بينها 16 سنة متتالية في حرب أهلية دموية ضروس كتحصيل حاصل لمخلفات الاستدمار الفرنسي الغاشم وأتت على كل شيء جميل في لبنان اكبر دليل على ذلك ،كنت في بيروت يوما ففوجئت بمخلفات”الاستحمار”الفرنسي الذي زرع بذور الطائفية المقيتة التي لم تغادرهم ساعة سواء صدَّق هذا الادعاء أي من الموقعين أم لم يصدقه ولطالما رأيت الصليب الذهبي في صدور المسيحيين وساعاتهم واساورهم مقابل القرآن الذهبي ايضا في صدور ومعاصم وساعات المسلمين للتباهي وإغاضة كل منهما الاخر وكلا الفريقين المتزينين بالذهب لم يقرأ لا الانجيل ولا القرآن في حياته ولم يعمل بأحكامهما ولو لدقائق معدودة نهائيا ، رأيت أحياء بأكملها مقامة للمسلمين – قفل عليهم – يقابلها احياء بالكامل مقامة للمسيحيين – قفل عليهم – وكان المسلم او المسيحي اذا ما اراد التنقل بين بيروت الشرقية – مسيحية – وبيروت الغربية – مسلمة -فيتوجب عليه إما الحصول على هوية مزورة أو الحصول على تزكية خاصة من الاحزاب الطائفية المتقاتلة أو لبس الصليب الذهبي حينا والقرآن الذهبي حينا في صدره مع فتح الازرارالامامية للقميص للتمويه، والا فرقبته العزيزة مفصولة عن جسده بحراب ابناء الوطن الواحد لامحالة !
الاحتلال الفرنسي المسمى تزويقا بالانتداب والذي غادر عام 1946 من الباب ليعود بالتزامن من هيروشيما بيروت من النوافذ المحطمة في كل ارجاء العاصمة لم يغادر لبنان الذي يعاني الافلاس والبطالة وانهيار العملة المحلية وانعدام الوظائف وتفشي الغلاء يوما قط ، ويكفي ان الجنرال غورو الذي وقف على قبر صلاح الدين بعدما ركله قائلا “ها قد عدنا يا صلاح الدين ” هو من اعلن قيام دولة لبنان الكبير عام 1920 وتم الجلاء عنه عام 1946 وقد دمج غورو بين علمي فرنسا ولبنان حيث الاحمر والابيض والازرق تتوسطه الارزة وهو الذي اختار لها بيروت عاصمة وضم لها جبل عامل والبقاع ومناطق السهول الشمالية على وفق اتفاقية سايكس-بيكو ، فعن أي انتداب تريدونه ان يعود وهو لم يرحل اساسا حتى الساعة ؟!
علم دولة لبنان الكبير 1920-1943كان عبارة عن علم فرنسا وسطه الارزة اللبنانية قبل ان يمحى منه اللون الازرق ،حكومات الطوائف التي ارسى دعائمها الاستدمار هي التي سرقتكم وغشتكم وظلمتكم – وطيحت حظكم وحظ اجيالكم – تباعا وستظل كما هي حيث الرئيس مسيحي ماروني ، ورئيس الوزراء مسلم سني ، ورئيس البرلمان مسلم شيعي وهذه الوزارة للدروز وتلك الوزارة للارمن ، هذه للكاثوليك وتلك للارثوذكس ، وهكذا دواليك ولايجرؤ اي منهم على محاسبة الفاسد في الطائفة الاخرى لأن الأخرى هذه ستفتح بدورها ملفات الفاسدين والمفسدين في الارض من الطائفة الاخرى التي تجرأت وفتحت ملفها فكانت نتيجتها كلها لبنان المسحوق الفقير الجائع المشتت الغارق بالديون والنفايات والغلاء الى الاذقان حاليا – تماما كالعراق الذي استنسخ التجربة اللبنانية المقيتة وما كان ينبغي له ان يستنسخها ابدا – ولم ولن يجرؤ ولا سياسي واحد على الغاء هذه المعادلة الطائفية والمكوناتية والمحصصاتية النتنة اقضوا على المعادلة – المقلوبة – تتحرروا ،ابقوا عليها = غورو ما زال حيا وقد زاركم مؤخرا متقمصا شخصية الرئيس الفرنسي ماكرون الذارف لدموع التماسيح ليعقد اجتماعه التأريخي هناك..اين ؟ في قصر الصنوبر ،ماهو قصر الصنوبر ؟ انه القصر الذي اعلن من شرفته عام 1920 الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير ، لقد طالب” سباكيتي ومعكرون ” من داخل القصر نفسه وبصوت عال وبنبرة جادة وحادة على خلاف العادات والاعراف الدبلوماسية بـ” ميثاق سياسي جديد لتغيير النظام في لبنان ” لأن” لا ثقة للمجتمع الدولي بلبنان الرسمي ” ولأن “لا مساعدات من دون إصلاحات” كما جاء على لسانه ولكأننا بفرنسا تعيد انتدابها علنا للبنان على مرأى ومسمع من العالم فيما يوقع المغفلون عريضة لتأييد هذا الانتداب بالتزامن مع تسابق الآخرين لتبويس أيادي الكيان المسخ والتطبيع معه بينما يركع ويسجد غيرهم على اعتاب اميركا واوربا طمعا بحمايتهم ، ويسبح الباقون بحمد تركيا أو يدورون بفلك ايران ..أين وصل بنا الحال ياعرب ،وكيف تفرقت بنا السبل أيها العربان ؟!
وصدقت فيروز في “زهرة المدائن” للاخوين رحباني يوم انشدت :
حين هوت مدينة القدس ..تراجع الحبّ ، وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب
ولا سبيل لوقف الحرب والاحتراب بيننا الا بعودة القدس ثانية الى الاحضان بعد أن تصير فلسطين كاملة وعاصمتها القدس الشريف قضيتنا المركزية الأم التي لاتراجع ولاتنازل عن شبر واحد فيها بتاتا .
اودعناكم اغاتي