تعتبر المياه عاملا حيويا في حياة الشعوب، والعنصر الأساسي في رسم سياسات الدول الكبرى، وتعتمد عليها أغلب الدول بشكل كبير لبناء المدن على ضفافها وزيادة الكثافة السكانية، ويشهد ملف المياه في العالم العربي تحديدا العديد من الأزمات والصعوبات التي تحذر من جفاف قد يطال العديد من الدول، وصراعات طاحنة قد تندلع على منابع المياه في الوقت الذي يؤكد فيه الجميع أنهم عازمون على الحرب للدفاع عن حصصهم من المياه العذبة، مما ينذر بحرب شرسة في العالم العربي تعتبر المياه أحد أهم أركانها.
السيطرة على المياه
على مر السنوات الطويلة غالبا ما كانت الحروب تندلع بهدف توسيع السيطرة والنفوذ وحتى الانتقام في بعض الأحيان، خصوصا كانت بين إمبراطوريات عظمى، ومع مرور السنين تحولت الحروب للسيطرة على منابع الطاقة كالنفط والغاز والمعامل الثمينة، أما اليوم فالعالم مقبل على حربا جديدة على أغلى مصدر للطاقة في الكوكب وهو المياه التي تغطي 72% من سطح الأرض والتي حولته للكوكب الأزرق، ورغم النسبة الكبيرة من المياه إلا أن أكثر من 97% من هذه المياه غير صالحة للاستهلاك البشري لأنها مياه مالحة، أما المياه العذبة فتشكل 2,8% فقط منها 2,1% من الثلوج المتجمدة، وبهذا يكون 0,7% من المياه العذبة هي المتاحة فقط للاستهلاك البشري وعليها يتحارب العالم أجمع، وتحديدا في المنطقة العربية التي تعاني فيها ثمانية دول من شح المياه.
التحكم بمنابع المياه
“إذا أردت أن تقضي على دولة فأقطع عنها المياه العذبة”، جملة قالها ساسة وقادة كبار حول العالم منذ عشرات السنين، وكانت الخطة الأولى للعرب للتصدي لإسرائيل وزوالها، خطة تحويل منابع المياه التي أقرتها الجامعة العربية عام 1964 التي تتضمن تحويل اثنين من مصادر نهر الأردن ومنعها من الاندفاع نحو بحيرة طبريا، مما يؤدي لإحباط خطط إسرائيل بإستخدام المياه في مشاريعها، ويجبرها إلى الرضوخ لأي شيء للحصول على المياه، إلا أن إسرائيل منعت استكمال المشروع بضربها لمقره في سوريا عام 1967، خطة وصفها المختصون بالعبقرية لو نجحت وأكدوا أن التحكم بمنابع المياه هو أحد أسس هذه الخطة، ويعتبر الصراع العربي الإسرائيلي قائم بشكل أساسي على المياه، فاليوم وبعد مرور أكثر من 50 عاما على خطة تحويل منابع المياه تعود حروب المياه للواجهة، في مصر والعراق وسوريا ولبنان وتركيا والسودان وأثيوبيا وإيران.
شرارة صراع المياه
عام 1993 أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز كتابا حمل عنوان (الشرق الأوسط الجديد) والذي ركز فيه على المياه، بإقتراحه أن تتشارك كل دول المنطقة المياه العذبة، وتوزع كلها على الجميع بالتساوي وبالتأكيد على إسرائيل أيضا، كتابه الذي تنبأ بحرب المياه على المنطقة باتت اليوم تظهر ملامحها بصورة كبيرة في مناطق مختلفة، فقد شهدت المنطقة العربية نزاعات شديدة حول المياه..
حرب على النيل
يجمع العلماء على أن عمر نهر النيل يقدر بـ(30) مليون سنة والذي يمتد ليغطي 10 دول أفريقية، يشهد اليوم صراعا محتدما من أجله بين كل من مصر والسودان وأثيوبيا بسبب سد النهضة الأثيوبي، هذا السد الذي باشرت أثيوبيا صاحبة منبع نهر النيل ببناءه عام 2011 بتكلفة وصلت إلى 4 مليارات دولار وتختلف اليوم مع مصر والسودان على آلية ملئ السد والتي قد تكون باشرت بعملية ملؤه التي تستمر لأكثر من ثلاثة أعوام، وبالتالي ستسبب جفافا عنيفا في مصر والسودان، وخصوصا أن مصر تشكل الصحراء 95% من أراضيها وتتركز أغلب مدنها على ضفاف النيل الذي يعتبر شريان الحياة للمصريين أجمع، وفي حال انخفاض منسوبه ستشهد البلاد موجة جفاف قاحلة تنعكس على السكان وحصصهم الفردية من المياه، ومع استمرار الرفض الأثيوبي بالتفاوض على حصص البلدين والتهديدات المصرية المستمرة باللجوء إلى الحل العسكري في حال إذا رفضت أثيوبيا الجلوس إلى طالة المفاوضات، فهو الحل الذي يراه المصريون مناسبا وواجبا للدفاع عن حصتهم من مياه النيل مما قد ينبئ بحرب على ضفاف نهر النيل الأزرق.
خلاف دجلة والفرات
نهري دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا لطالما شكل خلافا تاريخيا بين كلا من تركيا والعراق وسوريا، وخصوصا مع بدأ تركيا من إنشاء سدود ومنشآت الطاقة الكهرومائية التي بدورها قلصت من كمية المياه المتدفقة إلى البلدين، فما بين الحين والآخر تخفض تركيا من تدفق المياه إلى سوريا والعراق مع غياب الإتفاق بينهم وتحديد النسب المائية وخصوصا على مياه نهر الفرات الذي ترفض أنقره اعتباره نهرا دوليا للتهرب من تقاسم المياه وفق القوانين الدولية لتتحكم فيه بحريتها وتحوله إلى ورقة ضغط المستفيدين منه، وآخرها كانت العام الماضي عندما خفضت منسوب المياه، ويقول محللون أن تحكم تركيا بمياه النهرين يهدد كلا من سوريا والعراق بالجفاف وقد يدفعهما فيما بعد لشن حربا (إعلامية) على تركيا بهدف الحصول على حصصهم من المياه، إلا أن الأوضاع السياسية في البلدين تمنح تركيا القوة بالتحكم في المياه حتى اليوم، ليبقى الخلاف مستمرا على نهري دجلة والفرات.
مطامع على نهر الأردن
منذ ظهورها بدأت إسرائيل حربها على منابع المياه وخاضت حربا عام 1967 بهدف إحكام السيطرة على بحيرة طبريا لتأمين المياه للدولة التي اعترفت بأنها بدون بحيرة طبريا لن تبقى على قيد الحياة، فدمرت مشروع الشلال في سوريا عام 1967 الذي كان هدفه تحويل مسار نهر الأردن، وقبلها بثلاثة أعوام دمرت مشروع تحويل مياه نهري الحاصباني والوزاني في لبنان الذي كانت تطبقه الأخيرة بالتزامن مع المشروع السوري، ومنذ ذلك الوقت تشكل نهري الحاصباني والوزاني محط أطماع كبيرة لإسرائيل، وقد سبق لها أن سيطرت على نهر الوزاني باجتياحها لبنان عام 1978، ولا تزال مياه الأنهار محط أطماع لإسرائيل وفي صراعا مستمرا وخصوصا مع لبنان كاد أن يشعل حربا عام 2002 بسبب مشروع لبناني لجر مياه نهر الأردن، مما قد ينذر بحرب قد تندلع في المستقبل للسيطرة على المواد المائية.
ماهو الحل
ومع كل تلك النزاعات المائية في الشرق الأوسط، توجد عدد من النزاعات الأخرى على المياه في كلا من إيران والقارة الأفريقية التي تنذر بحروب قد تندلع في المنطقة بأي لحظة ناهيك عن الجفاف الذي يضرب دول الخليج العربية التي لم تجد له حلا مناسبا للحد من هذا الجفاف عدا دولة الإمارات العربية المتحدة عبر التوعية باستخدام المياه واستخدام المشاريع الضخمة لتصفية المياه الجوفية وتحلية مياه البحر مما يجعلها الوحيدة المكتفية من الطاقة المائية، فيما تعيش دول عديدة حولها حالة من الجفاف أبرزها السعودية التي تشكل الصحراء النسبة العظمى من أراضيها، ودون أن تجد حلا لهذه المعضلة تمر الأيام ويرتفع معدل الجفاف، ومعها ترتفع المخاوف من حرب قادمة، فبدلا من أن نشهد حربا عالمية ثالثة بهدف التوسع والسيطرة قد نشهد حربا عالمية على المياه وهو الأمر الذي يقول محللون أنه قادم لا محالة!.
*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2020 Ⓒ
http://mcsr.net