الشعوب العربية وحتى الاسلاميه منها ، خلال تاريخها الطويل، لم تعرف حالات من الاضطراب والتشويش تماثل الحال التي تعانيها منذ ثلاث سنوات، فنلاحظ الصراع الدائر في عموم المنطقه العربيه ، من حرب في مصر ، الى تمزيق في تونس ، والى ضياع في ليبيا ، واسرائل مومنه وهادئه ، فليس قرار باراك اوباما بإعلان الحرب على سوريا صاعقة في سماء صافية بل هو تعبير عن مجموعة من العوامل التي تستدعي من موقعه محاولة أخيرة لتلافي مأزق خطير للإمبراطورية الأميركية ولهيمنتها الأحادية على العالم والمنطقة وهو ما يتصل عضويا بمأزق إسرائيلي متفاقم نتيجة تعاظم قوى الردع الإقليمية لدى منظومة المقاومة التي تمثل سوريا محورها المركزي وهذا ما يقصده أوباما بالكلام عن الأمن القومي الأميركي في ترويجه لقرار الحرب ..
ان خطة توجيه ضربة موضعية محدودة ضد سورية من حيث الأهداف التكتيكية والمدة الزمنية المخصصة لها، بدعوى تأديب النظام في دمشق بسبب استعماله للسلاح الكيماوي ضد شعبه، ومنعه من أن يلجأ إلى مثل هذا الخيار المحرم دوليا مستقبلا، لم تقنع أحدا في العالم، ساسة وشعوبا، بما في ذلك الشعب الأمريكي والكونجرس نفسه.
ومعلوم أن مثل هذه الخطة، وفق الصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس الولايات المتحدة، لا تتطلب تفويضا خاصا من ممثلي الأمة، وبإمكان أوباما تنفيذها من دون العودة إلى الكونجرس، ما دامت المدة التي يفترض أن تتم فيها الضربة لا تتجاوز 3 أيام وفق ما صرح به ‘أوباما’
فلماذا أصر ‘أوباما’ على الذهاب إلى الكونجرس إذن؟
خطة أوباما هذه، لم تكن مبررة من الناحية الشرعية لجهة استحالة استصدار قرار من مجلس الأمن يفوضه استعمال القوة ضد دولة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة، ما دفع بالرئيس الأمريكي، كما جرت العادة، للبحث عن تحالف دولي يشارك أمريكا أهدافها ويحجز له حصة من الغنائم والمكاسب المرجو تحقيقها من العدوان. وهو ما فشل فيه في هذه المرحلة المبكرة بسبب الغموض الذي يلف الخطة نفسها بسبب سرية الأهداف واستحالة الإعلان عنها في هذه المرحلة الحساسة، حتى لا تفقد عامل المفاجأة الحاسم. لذلك لاحظنا أن حتى الحلفاء طرحوا مجموعة تسائلات عن بداهة مثل هذا القرار من ناحية الجدوى بميزان الكلفة والنتائج المتوقعة (المردودية).
لكن، وهذا أمر حقا مريب، لاحظنا عدم اهتمام الكونجرس الأمريكي خلال جلسة استماع لوزير الخارجية ‘جون كيري’ و وزير الدفاع ‘شاك هاغل’، بمعرفة مدى صدقية تقارير الإستخبارات المركزية حول مسؤولية النظام السوري عن استعمال السلاح الكيماوي، وهو ما يكشف أن لا أحد يصدق هذه الذريعة، لكن في ذات الوقت، لا أحد اعترض عليها أو شكك في مصداقية التقارير الإستخباراتية، وهو ما يؤكد بوضوح، أن الهدف من الضربة ليس تأديب الرئيس الأسد لأسباب إنسانية تتعلق بحماية المدنيين من أسلحة الدمار الشامل كما زعم الرئيس الأمريكي كذبا، بل حماية أمن إسرائيل، وهو ما عبرعنه صراحة ‘جون كيري’ بقوله: “نذهب للحرب لحماية إسرائيل”.
اليوم العدوان المباشر على سوريا بات هو الطريق الوحيد والأخير لاختبار القدرة الأميركية على قلب الطاولة وحماية الهيمنة الأحادية والتنصل من موجبات الشراكة في الواقع الدولي لأن انهيار الهيمنة الأحادية يعني التضحية بجميع المكاسب والامتيازات والمصالح الأميركية التي أتيح لواشنطن ان تراكمها خلال ربع قرن كقوة وحيدة مسيطرة في الواقع الدولي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بينما التسليم بالتوازنات العالمية الجديدة سيقود إلى ثورة شاملة في العلاقات الدولية وإلى فرض تغيير نوعي وكبير في بنية الأمم المتحدة ودورها العالمي الذي تحكمت به واشنطن طيلة العقدين الماضيين وجعلت من المنظمة الدولية واجهة لخدمة مصالحها ولحماية إسرائيل.