قبل وصوله الى بيروت .. غرد الرئيس الفرنسي ماكرون على تويتر ، باللغتين الفرنسية والعربية قائلا : ( لبنان ليس وحيدا ) .. وقد تركت هذه التغريدة العاطفية تاثيراتها في نفوس معظم اللبنانيين ، الذين يعانون من شغف العيش ، بسبب سيطرة الاحزاب السياسية ، والدينية على مقدرات البلاد ، والهيمنة على مصير العباد .
ولكي يعطي ماكرون معنى آخر واعمق لتغريدته .. وصل الى بيروت كأول مسؤول يزور بيروت بعد فاجعة المرفأ .. قاصدا مكان الانفجار ..متجولا سيرا على الاقدام ، في شارع الجميزة شرق بيروت ، وهو الشارع الاكثر تضررا ، ودمارا من هول الانفجار .
و في هذا الشارع صرح ماكرون وسط مجموعة من اللبنانيين الغاضبين من الوضع السيء الذي يمر به لبنان قائلا : ان لبنان بحاجة الى ميثاق سياسي جديد .. ملمحا الى ضرورة انهاء سيطرة الاحزاب التقليدية على مفاصل السياسة في لبنان .. وانهاء حكم الزعامات التقليدية.
ليست هذه المرة الاولى التي يصل فيها رئيس فرنسي الى بيروت في ذروة المحن والازمات .. فقد وصلها من قبل الرئيس جاك شيراك سنة 2005 بعد ساعات من الانفجار الذي ذهب ضحيته صديقه رفيق الحريري .. وكانت تصريحات شيراك حينها مدوية بعد ان اكد على ضرورة الاقتصاص من الجماعات ، والاحزاب ، والدول المشتبه بها بمقتل الحريري ..في اشارة واضحة الى الاحزاب الموالية لنظام بشار الاسد .
لم تترك فرنسا لبنان حرا ، طليقا يوما ما ، فهي تراقبه بمنظار الامل ، امل العودة في رسم السياسة اللبنانية بالشكل الذي يريحها .
وعلى الرغم من استقلال لبنان عن فرنسا في تشرين الثاني من سنة 1943 وتنصيب بشارة الخوري رئيسا للجمهورية ، ورياض الصلح رئيسا للوزراء ..تدخلت فرنسا بعد سنة واحدة من اعلان الاستقلال في نتائج اول انتخابات لبنانية .
الواقع .. ان الوضع السياسي اللبناني ظل منقسما على نفسه منذ اعلان استقلاله .. ومما زاد الوضع سوء ، تبلور طبقة فاسدة ومتعفنة ، من احزاب سياسية ودينية .. وزعامات اثرت على حساب قوت شعبها ، الى ان تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب اللبناني ..وحل مفهوم اللادولة ، بدلا من حكم الدولة .
لكن الحدث الاخطر .. الذي رافق زيارة ماكرون .. وجود مجموعة من الشباب هتفوا امامه.. وكأنه رمزهم الوطني ( الشعب يريد اسقاط النظام ) وفي مكان اخر .. وقع اكثر من خمسين الف لبناني في قائمة الكترونية .. طالبوا فيها عودة الانتداب الفرنسي الى لبنان ..!؟.
لاشك .. ان التدخلات الاسرائيلية – الايرانية في الشان اللبناني ، سببت شرخا سياسيا ، واجتماعيا في الوسط السياسي والشعبي .. وعندما يطلب بعض اللبنانيين عودة الانتداب الفرنسي الى لبنان ، كانهم يريدون العودة بلبنان الى عهود لم تكن لاسرائيل قدرة على الايذاء .. ولا لايران قدرة على تاسيس احزاب دينية تعمل لصالحها .
وبين من رحب بزيارة اول رئيس اجنبي الى لبنان في اشد الظروف قسوة .. وبين من وصف الزيارة / بانها ليست بريئة ، ولاتخلو من رغبة استعمارية ، ومن حنين الى ايام الانتداب الفرنسي.. يظل الموقف متارجحا تسوقه الظروف السياسية والاقتصادية .
الثابت..ان توجهات ماكرون ، واسلوبه منذ نزوله من الطائرة الرئاسية ، الى اجتماعاته ، وجولاته ، وتصريحاته .. هي التي اوحت بان فرنسا كأنها ( الوصي الجبري) فهي مازالت تعد لبنان ، بلدا يجب ان يعيش برعاية وحماية فرنسية .. حاله حال دولة غوانا ، وامارة موناكو .. ربما لان فرنسا وببساطة ما زالت تعد لبنان البلد العربي الاقرب ، والامثل لنشر الثقافة والقيم الفرنسية في الشرق الاوسط .