23 نوفمبر، 2024 6:37 ص
Search
Close this search box.

دراسة في رواية(سيدات زحل) للطفية الدليمي مرايا التمثيل النصي بين ملفات التدوين وانشطار الذات المراوية المبــــــــــــــــحث (3)

دراسة في رواية(سيدات زحل) للطفية الدليمي مرايا التمثيل النصي بين ملفات التدوين وانشطار الذات المراوية المبــــــــــــــــحث (3)

 

توطئة:
تواجهنا حافزية بلاغة(انشطار الذات المراوية)في جملة ممارسات المحور الشخوصي في رواية(سيدات زحل)عبر اشتغلات خاضعة إلى مفهوم التمثيل النصي/ملفات زمن التدوين،وهذا الإغراء بمحمولات الذات التوظيفية في الرواية،ينقلنا إلى المزيد من معرفات وتحفظات مرآيا الذات المراوية،انعكاسا متعددا نحو مراحل منظورية متحولة من وحدات سرد الرواية الواقعة في تسجيلات زمن استعادة المخزون التأريخاني ومعيارية أحوال التجنيس الخطاطي المدون في كراسات أسماء وشخوص ومواقف بنية المدلول الروائي.
ـ العلاقة الزمنيةبين دلالة التدوين ومرآيا الذات الساردة.
لقد لاحظنا بأن النظام السردي في فصول رواية(سيدات زحل)ذات دلالات سيميائية مستوحاة من زوايا ذاتية خاصة من خطاطة وترسيمة(قناع المؤلف/السارد المشارك/ملفات التدوين) كما ويشكل التوظيف السردي بدوره علاقة انتاجية مثمرة في مرجعيات استدعاء الرواية،وذلك لإستجلاب وأستكمال ذلك الطرف المتماهي بالمرجع بالعلاقة الشخصانية من عمق صياغة قصدية ودلالة انشطار الذات،وهي كامنة في مقاربة أزمنة المكان ومكان الأزمنة وذات الشخوص وشخوص الذات المتعددة،وعلى هذا النحو من تكاثرية المادة الوقائعية والمتخيلة في ممارسة مخيلة الأنا الشخوصية،تتبين لنا قابلية تعددأوجه الوظائف في حكاية المسرود الروائي،بدءا بواقع الشخصية ذاتها(حياة البابلي)كهوية حضورية فاعلة،وثانيا بذلك التوزع المراوي في حيازة البعد الشخصاني الآخر المتخيل من مسار الذاكرة المسجلة في ملفات المدون الحكواتي من حيز خطاب الأنا الشخوصية ذاتها وبذاتها:(أقف أمام المرايا..فينبئني ثوبي الناعم بألوانه الوردية المتماوجة أنني هي..هذا ثوبها..ثوب حياة البابلي..أنت هي يا إمرأة..كانوا ينادونني حياة وأنا في هذا الثوب..ينعكس لون الثوب الوردي المموج على روحي فأشتعل..دخان الحرائق في بغداد يناقض لون الورد..أدعك ثوبي بأصابعي فأحس دفء اللون..تعرق أصابعي ويتجعد النسيج قليلا..أشم في أصابعي رائحة ملح ونعناع تشرب به النسيج من زمن بعيد بعيد كالرؤيا..تنهمر الرؤيا وتجتاحني بتفاصيلها:كأنني كنت في بلاد غريبة..كأنني اشتريت هذا الثوب من مدينة لها سماء من ذهب ونحاس..هواؤها لاذع بتوابل وأملاح وزفارة سمك..كان معروضا في دكان على البحر وراء الزجاج بلا مانيكان ترتديه./ص17 الرواية)
1ـ التناظر الوظيفي بين استعارة الرؤيا وإزاحة زمن المروي:
يتمحور الوعي الشخوصي لدى الشخصية حياة البابلي،ضمن موجهات إيهامية خاصة،من شأنها الإيهام بواصلة دلالة(الرؤيا=المعالجة الذاكراتية)إلا أن هذه المقابلة الألتقائية بين فرضية الرؤيا وحالات عين المشاهدة المروية من قبل الفاعل السردي،تقودنا نحو لغة مناظرة من فاعلية الوظيفة التي تستمكن منها الذات الشخوصية زمنا،على اتخاذها كلفة استعارية الامتلاء والمعاينة المرجعية وحضورها الواقعي في هوية الذات المنشطرة على ذاتها بالضياع أو الموت،أي أنها ليست ملفوظا واقعيا في حلقة زمكانية محددة في النص،بل أنها أضحت رؤية متراكبة الأبعاد ومتعددة المفاصل في إيقاع زمن الرؤيا الإيهامية من سياق الذات المنشطرة ذاتها.ومن هذين الزمنين(الزمن النفسي/الزمن الفيزيائي)ومن خلال سياق الزمن النفسي تتجلى لنا رؤى الشخصية حياة البابلي الطيفية،بمقدار ما يتعاظم عليه هاجسها بالوحدة والخوف و الترقب و احصاء رفات الأسماء والتواريخ وبقاياها،كما لاحظنا بأن وحدة المكان في إيهامات الرؤيا الشخوصية،قد غدا قسيما للزمن الماضوي والحاضري والمستقبلي المتخيل،ومن ثم بالتالي اندراجها ضمن بنية التذكر والوهم والأسئلة المضمرة بحدوس الاستشرافية الزمنية والاغترابية الذاتية المشيدة على مستوى من المكان الاعتباري وهوية اختلاطه بالزمن الواقعي: (أغواني بدخول المتجر وابتياعه..كان معي رجل شغف بي وشغفت به..رجل قال أنه يحبني إلى ما بعد موتنا..كان متخفيا وراء قناع..وقال أنه كان يتوقع ظهوري في حياته كنبوءة أو قدر..لم يقل لي أسمه..أم تراه همسه به!! أو لعله قال أسم القناع فسقط من ذاكرتي؟كنت أقيس الثوب الذي أضفى نضارة وسحرا على ملامحي..والبائعة قالت له: ـ امرأتك جميلة..أختارت ما يليق بها؟ لم يقل شيئا لأنني لم أكن امرأته أو امرأة أي أحد..كنت نفسي حسب./ص18 الرواية).
2ـ المخزون الذاتي ومرجعياته الذاكراتية:
يتمظهر هذا الشكل من وحدات السرد والعرض للمسرود الذاتي بموجب دلالات المخزون الذاتي/مرجعياته/الذاكرة،وعلى مستوى من فاعلية خاصة من علاقة الحكي،هي علاقة يبدو الخيط الفاصل بينها هو(القناع)فالشخصية حياة البابلي أخذت تحيا في مرويات(القناع المستعار) أي أنه قناع أحلام الطفولة،وأحلام الصبا،ومخيالات استعادة فضاء رؤيا الإيهام في التراث البغدادي التأريخي والسياسي،وتنمو قابلية قناع المخزون الذاتي لدى الشخصية أيضا،بموحيات تخييلية يتضمن مستوياتها:الإرث البغدادي،خصوصا في أهم لحظاته من قدرة الروائي على التقاط منه المادة التأريخية واليومية السياسية،وصولا إلى توظيف حالات القناع المتخيل،في لغة مستعارة بأمتياز اللعب الروائي و التفاعل النصي الخفي والدقيق أوالإيهامي البين: (كان متناغما مع القناع حتى تمنيت أن لا يتخلى عنه..قلت وماذا يهم؟الذين أحبوني وخذلوني تبين لي أنهم بألف قناع..هذا الرجل أستخدم قناعه منذ البدء ولن يطول به التخفي حتى يجهر بحقيقة ما ويشفى من متلازمة الأقنعة..ليس منطقيا أن يتخلى عن قناع ليبتكر بآخر..مهنة القناع شاقة وسريعة العطب..وقناعه موشك على التصدع..بل أنني أرى التشققات المريعة تظهر وتتقاطع على مادة القناع..كلانا نضحك في سرنا من ذلك التخفي الطفولي الذي جعل منه الرجل مصدا دون تحفظاتي..كنا متواطئين بشأن لعبة القناع..فأنا أعرف ما وراءه وهو يحدس أنني أعرف ونموت ضحكا/أعاد لي الثوب تلك اللحظات البعيدة وامتلأ فمي بمذاق حبات الصنوبر في قدح الشاي المنعنع وطعم الهواء المالح المتبل وعطر رجل خفيف..غمرتني نظرة الرجل ورعشة يده وهو يضعها على كتفي وصدى قبلته الرقيقة على شعري وعنقي..أمام الغسق البحري وبدأ العشق وسقط القناع..أنا الآن حياة ..رائحتي رائحتها وجلدي جلدها..وصوتي؟؟ أيشبه صوتها؟؟أصرخ:حياة..حياة./ص19)أن الشخصية المشاركة حياة البابلي،تسعى إلى إسباغ ذاتها ـ كما ذكرنا سابقا ـ من ضيق الحيز النفسي والبعد الزماني،لإستخدام تقنية الاسترجاع الداخلي لغرض الألماح إلى حقيقة ذاتها الأولى، لذا فهي تهتم بتفصيلها وتشريحها،لأنها تعتمد أصلا،على لعبة القناع وتمظهرات ذاتها المنشطرة في سمات الإيهام والرؤيا واختزال محفوظات الذاكرة والتذكر،كما أنها تجعل من ذاتها المنشطرة بالإيهام،بمثابة اللحظة الاسترجاعية الداخلية،بمجرد اشارة عابرة نلمح فيها العودة إلى دلالات هويتها الحاضرة.ومن هنا يمكننا الوقوف على الوظائف التي تقوم بها الشخصية في الاسترجاع الداخلي،لأجل العودة بفروق نوعية واضحة بالوظيفة التكميلية من مساحة التركيز النصي المترابط.
ـ جدل الرؤية في مدونات الذات الراوية.
تقوم مفاصل رواية(سيدات زحل)على تقنية زمن(ملفات التدوين)وهذا الفعل الروائي بدوره هو أكثر من مجرد تكوين عالم متخيل مستعاد على مجموعة صفحات ورقية،بل أنه(جدل الرؤية) في فعل الخلق الروائي،الذي هو بمثابة آلية التحكم والخلق لحيواة ورؤى مغايرة وبنى نزاعية فريدة في مدونات تأريخ المدينة والذوات،أنه أيضا فعل اضفاء وبوح في مرتكزات اللعبة الروائية.في النقطة السابقة من فرع مبحثنا المركزي،حاولنا الكشف عن تماثلات انشطار الذات في قناع الفعل الإيهامي عبر محور الشخصية حياة البابلي،ولكننا نواجه في تمفصلات الأحداث الروائية المسرودة على لسان حال الفاعل الذاتي،ما يعنى بتقديم الأحداث اللاحقة والمتحققة والغائبة في امتداد من التدوين المرجعي والتوثيقي،إذ سوف نقدم ما جاءت به هذه الفقرات من السرد الروائي لاحقا: (كان أسمي حياة البابلي..حين عشقني ناجي الحجالي..وهو رجل القناع نفسه الذي شاء أن يبهرني بألاعيب العشاق والنزق الصبياني والحديث عن الدروشة والتصوف ومحنة الجسد في العشق والموت: ـ أشهد أنني وجدت امرأة رؤاي التي انتظرتها من ألف حلم؟أتذكر هذا وأحب تصديقه لأستند إليه فهو الحقيقة الوحيدة الجميلة في حياتي الراهنة/بدأت أرى وجهي..وأستعيد ملامح حياة وعيني حياة وشعرها الطويل..أنا حياة..وهذه كراساتي التي شرعت بكتابتها منذ سنوات ودونت فيها حكاياتنا..حكاية عشقنا الصاعق..قصص الفقد وأوجاع السجن والأختفاءات./ص20)من حدود هذه الوحدات السردية،تكشف لنا الرواية على لسان حال محورها الشخوصي المشارك،منظور تماثل الذات في مرآة وجودها المنشطر،انطلاقا من رؤية كائن ملغز بطبيعته الكيفية،فتتجلى حقيقة حكايات حياة البابلي في أعماق الوعي الجدلي الكامن في نسق الفاعل الذاتي حيث نبضات الحقيقة أو اللاحقيقة الوجود أو اللاوجود اليقين أو اللايقين الذات أو اللاذات،وصولا إلى منظور الفرد المضاعف والمسكون بصور الشعور المرشح للصراع في قاع الحروب و الحب والذاكرة الاستمرارية في بث دلالة وصوت الذات المركزية.
ـ حساسية الواقع المرجعي وخفايا واقع التمثيل النصي.
حين رأى الفيلسوف الألماني(عمانؤيل كانط)أن أذهاننا تصنع الواقع،وأن كل ما يكتسبه الواقع من تشكيل أو تنظيم أنما يفرض عليه من أذهاننا ـ أنظر:هنترميد:الفلسفة وأنواعها ومشكلاتها،ترجمة د.فؤاد زكريا ـ على هذا النحو من المصدر سوف نتلمس خطاب الواقع الذهني في استرجاعات وإيهامات الشخصية حياة البابلي،حيث نجد الصورة الذهنية المبنية للواقع المرجعي المستوحى في معطى القناع التأريخاني،لا تنفيان حقيقة الذات،بل أنهما قادمان ضمن أفق اطارية وقابلية تصب في مجرى انطباعات وحساسية الصورة الواقعية في مدركات الشخصية المحورية ذاتها والمتحولة في خفايا واقع من التمثيل النصي: (في دوار الحب وضجيج الحرب وتشوش الأشياء يتحكم بي التباس عنيد آخر يطاردني في الصحو والمنامات:أنا حفيدة زبيدة التميمية التي حلت ذاكراتها في رأسي وفاضت إلي..أم تراني أنا زبيدة ذاتها التي عشت واقعة عشقها الخاطف مع ناجي الراشدي زمن الوالي داوود باشا؟من يأكد لي؟؟ من بوسعه تقديم البراهين؟؟لاأدري؟حياتي تقاذفتها رياح الحب والفقد وجموح المخيلة وارتباك الذاكرة كمثل مدينتي المهشمة..عصفت بي وبها أعاصير الحروب والطواعين منذ ما يزيد على مائة وثمانين سنة..فتبددنا بين ضجيج الخيول وهدير الدبابات وحادثات العشق ونعيق الغربان وكيد الرجال ونحس طوالع النساء..كنت زبيدة التميمية وكان هو ناجي أبن علي الراشدي،ترجمان جريدة ـ جورنال عراق ـ التي أسسها الوالي داوود باشا..أحمل ذاكرة المرأتين حياة وزبيدة./ص24 الرواية).
ـ تعليق القراءة:
من خلال تحليلنا لدلالة المبحث المركزي الموسوم بـ(مرايا التمثيل النصي)حاولنا الكشف عن الممتد ما بين تقنية(ملفات زمن التدوين)ومضاعفات الأنا الإيهامية الثانية في(انشطار الذات المراوية)بلوغا منا على معرفية الوقوف على تمفصلات فروع دراسة المبحث الآخر،وأخيرا بفرع(حساسية الواقعة المرجعية وخفايا واقع التمثيل)وقد استطعنا من خلال آليات الفرع المبحثي،التوصل إلى هوية دلالات الذاكرة الشخوصية من لدن المحور المركزي حياة البابلي،وقد حلت هذه الشخصية في واقعة المرجع الذاكراتي كوحدة مناصية متداخلة ومتفاعلة وفضاء العلاقة الدلالية المؤشرة على لسان حال الشخصية ذاتها.وهذه العلاقة المرجعية يمكن النظر لها على أنها الاستجابة التماثلية الخاصة والمتصلة ما بين فضاء الواقع الشخوصية المشتركة في صيغة المسرود المرجعي: (زبيدة التميمية=حياة البابلي=القناع الرابط ـ ناجي الراشدي)وقد تم استحضار كل هذه العلاقات ولاسماء من فضاء الذاكرة المرجعية،وصولا إلى اثبات دلالة زمن الشخصية حياة البابلي في حدود واقعها المنخرط بين السيرورة الدلالية ودينامية أبعاد التمثيل النصي في الرواية : (قال لي : ـ أجل يازبيدة..لولا الروح لكنا الآن شبه فراشات العث..عرضة للزوال في اللحظة القادمة/هل أنا وحدي التي تتذكر ذلك؟؟أم يشاركني ناجي في رؤى الماضي؟؟هل يعرف حقيقة الحوادث التي تناوبتنا بين عشق وترحال طوال مائة وثمانين عاما؟؟أم أن ذاكرتي هي التي تجوب الأمكنة وتقطف ثمار الحكايات من شجرة الزمان؟؟/ص26 الرواية)من هنا تتبين لنا حقيقة الذات المراوية والمتخيلة في مدركات خيال الشخصية حياة البابلي،حيث تنزاح أخيرا عن قناع زبيدة التميمية وتقترب من مشخصات زبيدة التميمية في قناع واقعها المتوالد في الحلم والإستيهام والمساءلة عبر استعادة ذاكرة ذاتية الانطباعات المخاطبة لخيالات وأدوار حساسية الأمكنة والشخوص في ماضيها وحاضرها وبخصوصيتها التمويهية المنخرطة في مرويات وقائع وشخوص الزمن القديم المتواصل في مرآيا أحلام واقع الذات الساردة في متخيلها الحلمي المكين.

أحدث المقالات

أحدث المقالات