مروان ياسين الدليميمالذي يدفعنا الى ان نقتسم مع الاخرين عذاباتهم بمحض ارادتنا ؟
ونحن نغادر عيادة الدكتور كاروان اقتحمني هذا السؤال على حين غفلة،دون ان يطرق الابواب التي يتحصن خلفها ذهني،كانت محاولة يائسة لاستدراج الحكمة الى عتبة تفكيري الذي هيمن عليه التشوش ، علَّها تكشف ببلاغة اختزالها للتجارب،ماتخبئه الحياة بين سطورها من اجابة تطمئن ذاتاً امست اسيرة مساحة ضيقة جدا رسمها القدر كعادته،دون ان يمهد لها بانذار مبكِّر،ذاتٌ كان الامل يتصارع ببسالة في داخلها ضد مشاعر الخوف والقلق،فما كان منها إلا أن تلجأ الى الاستغراق في داخلها،لعلها تتلمس في ضباب الطريق بزوغ روحها،من بعد ان مالت اوراقها الى اليباس،ومع اني بحثت في ذهني عن اجابة غير متكلفة بين قصائد لشعراء مثل ويتمان وييتس،اضافة الى روائيين يتقنون الكشف عن مشاعر الحب مثل ايزابيل اليندي واليف شفق إلاَّ اني في ذات اللحظة كنت مشغولا بحماية العلبة الزجاجية التي كانت تحوي بداخلها خزعة الانسجة التي انتزعها الدكتور كاروان،وكان من العبث ان اسمح لخيالاتي ان تذهب الى ابعد من الاهتمام بها،لذا احتويتها بذراعي اليمنى واسندتها الى صدري حتى اتفادى سقوطها على الارض،رغم ان وزنها ثقيل الى حد ما،لانها كانت معبأة بمحلول خاص للحفاظ على العيِّنة من التلف لاجل ان نصل بها على وجه السرعة الى المختبرالذي يبعد مسافة لاتزيد عن خمس دقائق بالسيارة،ولزيادة الحفاظ عليها تم احاطتها بمادة سميكة من الفلين ثم غُلِّفت بطبقة من ورق الالمنيوم الخفيف. لذا ايقظتُ كل حواسي لتفادي اي احتمالات مفاجئة قد تصادفني دون انتباه مني خاصة وانني كنت خاضعا بكل كياني تحت تأثير الحدث الذي اخرجنَا عنوة انا وزوجتي وابني عن سياق حياتنا العائلية البسيطة،فكنت حذرا من أتعثَّر أو اصطدم بشخص او شيء ما اثناء مسيرنا،لذا لم أبال بالألم الذي بدأ يزحف على ذراعي اليمنى نتيجة ما اصابها من تشنج وانا احمل العلبة بحرص شديد،ولم اكن قادرا على تحويلها الى ذراعي الاخرى لانها لم تكن طليقة بل كانت ممدودة بشكل افقي لتحيط بكتفي زوجتي التي مازالت تشعر بالاعياء،وبسبب ذلك لم تكن قادرة على السير بمفردها دون ان تتخذني سندا لها.
ما أن خرجنا من العيادة واصبحنا بمواجهة الشارع العام الذي كان مزدحما بحركة السيارات المسرعة ذهابا وايابا انزاحت غيمة السؤال بعيدا عن ذهني وتوقفت دوامة التنقيب في ارشيف الذاكرة بحثا عن اجابة شافية لسؤالي الداخلي .
انتبهتُ الى سيارة اجرة اخذت تبطىء في حركتها وهي تتجه نحونا حيث وقفنا عند حافة الرصيف،وما ان احنيت جذعي وممددت راسي باتجاه نافذتها لأدلَّ السائق على المكان الذي ينبغي ان يتوجه بنا اليه، بدا الرجل وراء المقود بشعرِ راسه الابيض القصير بحدود العقد الخامس من عمره . وضعتُ العلبة الزجاجية بحرص شديد على المقعد المجاور له واستأذنته بأن يتكرّمَ ويضع يده عليها باحكام حتى لاتتزحزح عن مكانها وتنقلب،ثم استدرت لاساعد زوجتي حتى تجلس في المقعد الخلفي،ثم عدت لاجلس الى جانبه بعد ان رفعتُ العلبة عن المقعد ووضعتها في حضني ثم طوقتها بكفيَّ .
في طريقنا الى المختبر حاولت ان اشحذ مخيلتي لتسعفني بوسيلة ما لربما تعينني ولو بالايحاء على ان اتمكن من ارسال طاقة ايجابية عبر الكلام تخفف عن زوجتي قليلا من وجعها،ولم اجد سوى الثرثرة انجع وسيلة لطرد السحابة الثقيلة التي كانت تخيم علينا داخل السيارة فطرحت على السائق سؤالي الذي لم استطع ازاحته عن ذهني “ما الذي يدفعنا لان نتقاسم مع الاخرين عذاباتهم ؟”.
كانت مفاجأة له ان يُطرح عليه مثل هذا السؤال. وخلال ثوان وجدته يستعيد طبيعته بسلاسة،فقد تعوّد على التعامل مع انواع مختلفة من طبائع البشربحكم مهنته،لكنه بدا سارحا مثلما يتهيأ عادة اي سائق قبل ان يعالج عطلا ما في ماكنة سيارته،وإذا به يرد على سؤالي باسلوب هادىء يشير الى رجل قد عجنته الحياة بمعجم احداثها “والله يا أخي هذه من طبيعة الانسان..لأنه سبحانه وتعالى قد خلق المحبة اصيلة في داخل كل واحد منا،ولولاها لما كانت هناك حياة على هذه الارض،ولاصبحنا جميعا وحوش،لااحد يرحم احد،ولا احد يقف الى جانب احد “.
لم اعد بحاجة الى اكثر من هذه الاجابة العميقة رغم بساطتها والتي جعلتني استعيد ماكان يردده صديقي الممثل المسرحي فريد عبد اللطيف قبل ان يفقد صوته ويغادر الحياة،كان يقول لي اثناء تجوالنا في شوارع الموصل القديمة بعد ان افضفض امامه عن قرفي من الحياة في العراق ورغبتي بالخروج بعيدا عنه “يا ابو الطيّب ما معنى ان نتوق الى النزوح نحو اماكن بعيدة عن صباحات تعودنا ان نستقبل بها الحياة في ازقتنا القديمة،برائحة حيطانها الجصّية التي تذكرنا دائما بجذورنا واحبتها واغانينا وطفولتنا ؟ ما معنى ان تقذف بنفسك في اماكن واسعة بعماراتها الشاهقة وجسورها العملاقة وهي تبدو مثل متاهة اذا كانت المساحة الصغيرة التي وجدتَّ نفسك تتحرك ضمن حدودها مُذ ابصرتَ نور الحياة قد منحتك السعادة التي دائما ما يرجوها الانسان ؟ “. ثم يتوقف هنيهة ليشعل سيكارته ويعاود استرساله . “صديقي ابو الطيّب،نحن نبتة لاتعيش خارج هذا المكان الصغير والجميل،وهذه الارض منحتنا روحها فكيف لنا ان نبتعد عنها ؟ كما اننا انسجمنا معها ومع العالم المحيط بنا،مِن اهل واقارب واصدقاء وجيران ووجوه كثيرة اخرى لانعرفها،لكننا تعودنا على رؤيتها في شوارعها ومقاهيها وازقتها ومكتباتها ومسارحها وصالات السينما فيها،في منطقة الميدان وشهر سوق وشارع فاروق والدواسة والسرجخانة وباب البيض وباب لكش وسوق العطارين واصبحت كل هذه التفاصيل والاماكن جزءا منَّا لانستطيع الانفكاك عنها،وسبب جوهري في عشقنا للحياة”.
داخلني شعور لطيف كنت بحاجة اليه بعد ان جعلتني إجابة السائق استعيد جانبا مهما من ذاكرتي مع صديقي فريد التي يسعى الزمن الى محوها،وما اعجبني من حكمة السائق انها انسابت بسهولة على لسانه بينما كانت يده اليمنى تمسك بالمقود والثانية تستقر على حافة الباب وعيناه تراقبان حركة السيارات على جانبي الشارع عبر المرآة،مع ان عبارته قد اختزنت ببساطة مفرداتها،الحقيقة التي نلهث خلفها ونستهلك اعمارنا للامساك بها،لكنها غالبا ما تنساب بسلاسة على لسان بسطاء الناس ممن لاتربطهم اي صلة بعالم الكُتب،فالحياة بكل تعقيداتها وما يطرحه ازاءها الفلاسفة والمفكرون والشعراء من اسئلة مُربكة،بالنسبة لهؤلاء تبدو مجرد اخذ وعطاء متبادل بين البشر انفسهم،وبينهم وبين الطبيعة وبقية المخلوقات من شجر وماء وتراب وحيوانات،وليس في كل هذا التكوين والموجودات مايدعوهم الى الشعور بالوحشة والاغتراب رغم مايكابدونه من اجل توفير لقمة العيش لهم ولاطفالهم،وهم ليسوا بحاجة الى ان يتقنوا حرفة التلاعب بالكلمات حتى يعبِّروا عما يشعرون به،لان الكلمة عندهم مقارنة مع الفعل اعجز من ان تقوم بدور الوسيط في ما بينهم.
تفحصت جيدا ملامح السائق،وهو ينظر بحذر الى الامام ويراقب بزاوية عينيه عبر المرآتين الجانبيتين حركة السيارات،كانت التجاعيد في وجهه وجبهته اشبه بحكايات مفتوحة على ايام وليالي طويلة تمخضت عن دأبه اليومي وهو يدور في طرقات المدينة بحثا عن الرزق المدفون في شرايينها،وفي لعبة هي اقرب الى الحظ منها الى السعي والاجتهاد كانت تقذف له باصناف من البشر،بينهم قتلة ومحتالون وشرفاء وضعفاء وعاجزون وناقمون ومرتشون وسماسرة ومعارضون للسلطة وخبثاء،وكل واحد منهم له خزين من الحكايات التي يحتمي باسرارها ويحتفي بها،وما أن يجلس في السيارة حتى يسرد منها ما يشاء،ساعة يكون فرِحا او ممتعضا او مخمورا،وقد يحاول البعض منهم من خلالها استدراج الاخرين للايقاع بهم .
ابلغني الموظف المسؤول في مختبر زرع العينات بعد أن سلَمتُه العينة التي تحتويها العلبة الزجاجية بان التقرير سيكون جاهزا لاستلامه بعد يومين،اي في مساء يوم الاربعاء الذي يسبق يوم اجراء العملية،ولما همست له بان هناك توصية تخصنا من قِبلِ الدكتور جمال غفوري،اخبرني بانه يعلم بذلك لان الدكتور قد اتصل بنفسه قبل قليل عبر الهاتف بالدكتورة امل المفتي مديرة المختبر وذكر لها الاسم الثلاثي لمريضتكم وأكد على ضرورة ان يصل تقرير فحص عيِّنَتِها قبل موعد العملية،لان اي تاخير سيتسبب بتاجيلها،وهذا غير ممكن لانه ليس بصالحها .
كانت الساعة تشير الى الثامنة مساء والليل القى بغلالته السوداء على نهار المدينة بينما كنَّا في طريق عودتا الى البيت.اما سائق التأكسي فقد رفض ان اجلس في المقعد الخلفي الى جانب زوجتي وطلب مني ان اجلس في المقعد الامامي الى جانبه،في حينه لم اطل الجدال معه،لاني اعلم بأن هذا عرف راسخ لدى كافة سائقي سيارات الاجرة في العراق،ومن الصعوبة بمكان تغييره،ومراعاة للحالة النفسية التي كانت عليها زوجتي لم اتورط معه في جدال،ولكني بعد ان جلست على المقعد الى جانبه،قررت ان اجس نبضه وأخرمش باظافر الحوار وجه الاعراف،لاني كنت بحاجة الى ان افضفض عن امتعاضي من هذا السلوك القمعي التي اعتاد السائقون فرضه على الركاب،وفي حقيقة الامر كنت ابحث عن وسيلة لتفريغ ما تكدس بداخلي من مشاعر اختلط فيها الالم والغضب والوجع خلال الساعات الماضية.وما ان وجدتُ السيارة تقطع مسافة قصيرة من الطريق التفتُ اليه ووجهت له سؤالا عبأت فيه ما احمله في داخلي من غضب”لماذا ترفضون ان يجلس الراكب في المقعد الخلفي،حتى لو كانت معه امه او شقيقته او زوجته المريضة التي ربما تحتاج الى ان يكون الى جانبهاوتصرون على ان يجلس في المقعد الامامي الى جانبكم ؟ .
وإذا ما اردت ان اكون صريحا فإن سؤالي لم يكن الا قِناعا،احتميت به حتى لاينفرط عقد مشاعري ويفتضح ما كنت اقصده من وراء طرحه على السائق المسكين،فكل ما اردته بهذه المرافعة الخبيثة ان افتح ثغرة أُلقي بحمولتي الثقيلة من خلالها الى خارج روحي وبعيدا عني،حتى يتناثر بين ذرات الهواء ميراثٌ مُتعب، خَلَّفَته لنا هذه الحياة. كنتُ بحاجة الى الاسترخاء،الى العودة بمشاعري الى تلك اللحظات القصيرة والجميلة من اعمارنا،حيث نحتكم فيها الى محبتنا وصفاء سريرتنا،ونستدعيها متى ما نشاء،ونصغي عبرها الى اصواتنا وهي تَنفضُ مثل حبات البَرَد فرحنا الطفولي الذي تعادل اي لحظة منه الوجود كله،ويمكن لنا ان نتخلى عن اي شيء يعود الى حطام هذه الدنيا مقابل ان نستعد تلك اللحظات البريئة من اعمارنا.
لم ينتظر السائق فترة طويلة قبل ان يرد على سؤالي فالاجابة كانت جاهزة لديه.ودون ان يلتفت ناحيتي قال لي بان هذا السلوك يُعدُّ عيبا اجتماعيا،ويحمل انتقاصا من كرامة السائق.! .
كنت متوقعا مثل هذه الاجابة،لذا اردت ان اخذ الحديث الى ناحية اعمق حتى ابتعد به عما هو متداول من مفاهيم، فأجبته بأن المسالة تبدو لي على العكس مما يرى،فأنا اعد ذلك انتقاصا من كرامة الراكب،لانه يملك الحرية في اختيار المكان الذي يجلس فيه طالما يدفع ثمن الخدمة التي تقدمها له،ثم لماذا يا أخي هذا الربط القسري بين الكرامة الشخصية والجلوس في المقعد الخلفي ! ؟ . عند هذه الملاحظة انتهى الجدل بيننا.فقد اكتفى السائق بالالتفات ناحيتي وكانت عيناه تحمل اشارة سخرية مما سمِع ،ثم عاد لينظر امامه مكتفيا بالصمت،ولعلي خمَّنتُ ساعتها مايدور في راسه من افكار، وأظن لو لم تكن معي زوجتي لأسمَعني كلاما مزعجا،ولربما يوقف سيارته فجأة ليأمرني بالنزول منها لينطلق بها من دوني وهو ممتعض،ولهذا ارتأى الركون الى الصمت بدل ان يرد عليّ.
في العراق للحرية مفهوم خاص دائما ما تتولى السلطة انتاجه،السلطة بمعناها الديني والاجتماعي والسياسي،وهي حرية مزيفة بكل معانيها وصورها،لانها مغلفة باعراف وممنوعات ومحرمات تصل بها حد القداسة،ورغم ما يتكدس على هذا المفهوم من غبار واساطير يتوجب عليك ان تخضع له وتتبارك به شئت ذلك أم ابيت.
في الليلة التي سبقت موعد اجراء العملية الجراحية،جلست لوحدي في غرفتي الخاصة التي ليس فيها ما يميزها من اثاث سوى الكتب المرصوفة على الرفوف الخشبية التي صنعتها بنفسي من باب الهواية لحرفة النجارة . طالت فترة جلوسي الى ساعة متأخرة من الليل،ورغم ماكنت اشعر به من تعب جسدي وحاجة شديدة الى الراحة الا اني قاومت رغبتي في النوم،فتخيّلت نفسي اسير وحيدا في غابة صفراء تخيّم عليها عتمة شديدة ولايسمع فيها اي صوت،ومع ذلك لم اكن اشعر بالخوف،مع ان كل شيء فيها يبدوخياليا،الوانها،اشجارها،والحشائش التي كانت تسحقها قدماي،وحتى القمر لم يكن شكله دائريا بل اشبه بنافذة مستطيلة يخرج منها ضياء بلون اخضر،والحقيقة الوحيدة في هذا المشهد انني كنت ارتدي بنطالا لونه بني وقيمصا ناصع البياض،سبق لي ان ارتديتهما كثيرا وانا ذاهب الى المدرسة عندما كنت طفلا ،لكني اضطررت للتخلي عن البنطال بعد ان تمزّق من عند الركبة على اثر سقوطي على الارض اثناء ما كنت امارس لعبة كرة القدم مع اطفال الحي.
انتبهت على صوت زوجتي الواهن وهي تناديني بينما كانت تقف عند المغسلة تنظف اسنانها بالفرشاة،وتعيد عليَّ وصيتها بان احاول الاتصال باهلها في مدينة الموصل واخبرهم عن موعد العملية يوم غد وبقية التفاصيل المتعلقة بالمرض،لانني سبق ان حاولت الاتصال بهم عبر الموبايل قبل ساعة ولم يتحقق الاتصال بسبب ضعف اشارة الشبكة من بعد ان سيطر تنظيم الخلافة الاسلامية على المدينة،كما ان التنظيم فرض عقوبة صارمة على من يتم ضبطه وهو يحمل هاتفا في جيبه تصل الى حد الاعدام بدعوى انه يتخابر مع حكومة بغداد التي يصفها بالمرتدة عن الاسلام .
كان علي ان امنح جسدي قليلا من الراحة وأن لا اطيل من سَهَري لاننا لابد ان نصحو مبكرا حتى لانتاخر عن موعد اجراء العملية.
وقبل ان انهض استعدادا للنوم دخل ولدي الى الغرفة،وطرح علي سؤالا مفاجئا”ستبدأ بعد يوم غد امتحانات البكالوريا،فهل استطيع ان اؤجلها الى الدور الثاني ؟” . سرعان ما ادركت الدافع وراء هذه الرغبة،فالحدث الذي نمر به قد ادخل حياتنا في منعطف حاد،سرعان ما وضعنا امام لحظة بَدَونا فيها كما لو اننا نواجه عاصفة رملية تمنعنا من الرؤية بشكل واضح رغم اننا مازلنا قادرين على السير،ومن الطبيعي ان ينغمس ولدي بهذا الجو المشحون بالقلق والتوجس وهو يرى امه وقد اعياها الخوف،لذا كان من الصعب عليه ان يحافظ على ذهنه صافيا وهو يستعد للامتحانات النهائية،وسرعان ما سيجد نفسه عاجزا عن التركيز اثناء ادائها،بالتالي لن يحصل على المعدل الذي يتيح له دراسة الحاسوب حسب ما كان يرغب. اصبح واضحا اننا فقدنا نهائيا السياق الروتيني الذي كانت بموجبه تنتظم حياتنا العائلية وفق مسار معلوم منذ سنين عديدة وهو الذي كان يمنحها مذاقها الخاص وايقاعها الهادىء رغم الفوضى التي كانت تعصف بالعالم الخارجي وتهز جدرانه وتصيبها بالتصدعات،لذا كان علينا ان نواجه هذه الانعطافة الحادة التي اصابت كيان اسرتنا وان نتفادى نتائجها ونخرج منها باقل الخسائر،ولكي يستوعب ولدي المكان الذي امسينا نقف فيه،وجدت من الاجدى ان اتحدث اليه باعتباره رجلا،حتى أُعيد اليه تماسكه لكن من بعد ان اجعله مطمئنا على صحة والدته،وأن امامها فرصة كبيرة جدا للشفاء بعد اجراء العملية،وان مرضها ليس خطيرا كما يظُن،خاصة وان هناك العشرات من النساء قد مررن بنفس التجربة وخرجن منها سالمات معافات وعدن الى حياتهن الطبيعية والى مزاولة عملهن مثل بقية النساء،فحاولت ان اقنعه بان كل شيء سيكون على مايرام،ولاينبغي ان تذهب به ظنونه الى مخاوف غير واقعية،بل يتوجب عليه ان لايتخلى عن احلامه ولاينشغل باي شيء يعيقه عن تحقيقها طالما مازلنا نشم الهواء ونمد بساط امالنا في امتدادات الحياة الواسعة،فالمشقات من الممكن ان تفاجئنا في اي لحظة،وعلينا ان نتعلم كيفية التعامل معها ومواجهتها والاحتيال عليها احيانا للتقليل من اضرارها هذا إذا لم نستطع قهرها.
وما أن شَعَرَ بانّي قد استوفيتُ ما اردت قوله،تقدم منّي وامسك كفي وقبّلها،ثم قبّل راسي مثلما اعتاد ان يفعل كل ليلة قبل ان ينام .
تابع ..