بحسب التقارير الإحصائيه الصادرة عن منظمة الصحه العالمية فإن نسبة الاطباء العاملين في العراق الى السكان للفترة بين عامي ٢٠٠٠ و ٢٠٠٩ بلغت خمسة اطباء لكل عشرة آلاف نسمة و أخذت هذه النسبة بالإزدياد نتيجه لإفتتاح عدد من كليات الطب في الجامعات العراقية و كذلك لإقبال الطلبه على دراسة الطب خارج العراق شهدت النسبه أعلاه إرتفاعً طفيفً إذ بَلغت نهاية عام ٢٠١٣ ستة فاصله واحد لكل عشرة آلاف نسمة ، و بحسب تقرير إستقصائي نشرته وكالة الانباء العالمية رويترز في مارس ٢٠٢٠ إنَ نِسبة الأطباء للسكان بلغت ثمانية أطباء لكل عشرة آلاف نسمه و هذا النسبه مطابقة لما لأخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية WHO في ٢٠١٨ ، و تعتبر هذه النسبة متدنية جداً إذا قورنت مع دول إقليميه أُخرى كالإمارات و الأُردن و عُمان إذ تتراوح النسبه في هذه الدول بين تسعة عشر طبيب لكل عشرة الاف نسمة في سلطنة عمان الى ستة و عشرون طبيب لكل عشرة الاف نسمه في الامارات و الاردن ، كما إن هنالك بعض الدول الاوربية شهدت نسبه اعلى من هذا بكثير.
في الثامن و العشرين من تموز الماضي اصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي بتعيين الخريجين الجدد من الاطباء على ملاكة وزارة الصحة ، و الزم بذلك وزارة المالية بتوفير الدرجات الوظيفية اللازمة، جاء هذا القرار متأخراً نتيجه لما يمر به البلد من ظرف مالي صعب اضطر الحكومة لتأخير قرار التعيين لفترة قاربت احدى عشر شهراً لا سيما ان البلد يمر بازمة صحية خانقة اخذت تستنزف الكوادر الصحيه اكثر من غيرهم ما جعل الحاجه لتعيين الكوادر الصحية تتفاقم اكثر من ذي قبل ، و على إثر هذا التأخير كانت قد انطلقت موجة تظاهرات نظمها خريجوا الكليات الطبيه مطالبين بتعيينهم اسوه باقرانهم السابقين او الموافقه على منحهم وثائق تخرجهم ليتسنى لهم البحث عن فرص عمل خارج البلد اذا تعذر أمر تعيينهم على الحكومة.
إن شحة الاطباء في العراق تعود لِمشاكل مركبة ، إذ أن عدد الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء يتجاوز الثلاثين الف في حين ان عدد الاطباء العاملين فعلا في وزارة الصحة اقل بكثير من هذا الرقم ، و يعزى ذلك لاسباب عدة منها هجرة الاطباء لخارج القطر نتيجة لما مر على العراقيين بصورة عامة من حصار اقتصادي قاسي في التسعينات من العقد المنصرم و و ما تبعها من تدهور امني و ارتفاع معدل الجرائم التي تستهدف الاطباء بعد ٢٠٠٣ كذلك هنالك اسباب اخرى تعود لضعف قابلية الجامعات على استيعاب اعداد جيدة من طلبة كلية الطب و بالنتيجه لا يمكنها رفد قطاع الصحه بالعدد الكافي من الاطباء و الأطباء الاختصاص و في نفس السياق يقف ارتفاع الاجور الدراسية لكليات الطب الخاصة (الاهلية) حائلا امام الكثير من الطلبه الراغبين بدراسة الطب.
و أود هنا ان استعرض تجارب بعض الدول في تحويل هذه الازمه الى عامل قوة و دعم للاقتصاد المحلي و سأبدءأ من تركيا و الهند و ايران و لبنان ، هذهِ البلدان التي اصبحت تصدر الخدمات الصحيه الى دول اخرى من خلال بناء المشافي و المراكز الصحية ومراكز التجميل خارج بلادهم ناهيك عن تصدير الفرق الطبيه الى هذا البلد او ذلك.
و في نفس السياق أعلاه ، ركزت هذه الدول جهودها في بناء المشافي الاستثمارية ، فلا ينقضي عام إلا و نقرأ أن هنالك مجموعة من المشافي التخصصيه و العامه قد دخلت الخدمة ، و هذا ما يدفع المرضى الذين يبحثون خدمات علاجية جيدة بالسفر الى هذه الدول و بالنتيجة فأن هذا النمط من الاستثمار يعزز الاقتصاد الصحي للبلد و الذي بدورة يشكل عامل جذب و استقطاب للكوادر الطبية الاجنبية الباحثة عن فرص عمل مما يساهم في سد حاجة البلد من الكوادر الصحيه.
إنشاء المستشفيات الاستثماريه يساهم ايضاً في دعم كليات الطب الخاصه من ناحية توفير المشافي اللازمه لتدريب الطلبة الجدد الذين لا تستوعبهم المشافي الحكوميه ، اذ ان شحة المشافي في العراق تعتبر واحده من أهم المعوقات التي ترافق إفتتاح كليات الطب العام ، حيث أن وزارة التعليم العالي و البحث العلمي تَشترط على المستثمرين لِلحصول على الرخصه الاستثماريه تَوفير مشفى جامعي يتم تدريب طلبة كليات الطب العام فيه اثناء الدراسة.
أما في أوربا و أمريكا و بقية الدول المتقدمة فإن أغلب المصارف الحكومية و الجامعات تحفز الطلبه على أخذ قروض دراسية و عادة ما تتم عن طريق تنظيم عقد كفالة يَكفل من خلالة البنك الطالب أمام الجامعة و يتعهد بتسديد أُجور الطالب الدراسيه على أن يبدأ الطالب تسديد القرض بعد التخرج من الجامعه و هذا النظام سَيساهم بشكل كبير في دعم القطاع الصحي اذا طبق في العراق ، إذ ان الحكومة العراقية ملتزمة بتعيين اغلب خريجي الكليات الطبية وذلك لوجود نقص في القوى العاملة و كما أوردنا اعلاه و هذا يشكل عامل إطمئنان لدى البنوك و المصارف المانحه للقروض، و بالنتيجه فإن تفعيل القروض الطلابية الخاصه بطلبة الكليات الطبية سيخفف العبء على أولياء الامور و كذلك سينعش الاقتصاد المصرفي و يساهم بشكل كبير في سد حاجة العراق من الكوادر الصحيه.