قَرْيَة الجَزْرُونِيّة :
الجُزء الأول :
ياحادي العيس نحو الغرب تحدونا
فما وصلنا وماعادوا وما عدنا لوادينا
جدودٌ طاب موطنها وطابت كُل مواطيها
كأن الأيام فيها … حلَّت ولا ترحل
طفولتنا لا تبرح تنادينا
كأن العيش حرفةٌ فلا نتقن العيش إلاّ فيها
إنظلاقاً مِنْ الحِكمة القائلة ( لا يُعاتِبُ إلاّ مَنْ أحَبْ ) كان لي عتبٌ قاسٍ على توأم حرفي ورفيق دربي زميلي في الدراسةِ الثانوية والجامعية صديقي خفيف الظل (أحمد البرو) فقد رأيتها مثلبةٌ أن أكتبَ عن (الجَزرونية) والأستاذ أحمد يتنفس الصعداء كما هو الحال مع (قرية الشيخان) والدكتور أحمد علي الويس بين ظهرانينا فما أن عاتبته حتى تنهدَ حَسرةً وأردف قائِلاً :
تباً لها من دار تأبى أن تُبارِح الذاكِرة ، فأيام الطفولة هي من أجمل الأيام في حياة الانسان حيثُ لا يهيمن على هواجسه القلق ، يعمل ضمن إطار تفكيره المحدود ليس عليه لوم أو عتب ترتسم على محياه الإبتسامه التي لا تفارقه كبف لا والقلوب بيضاء لا تحمل على أحدٍ و لا تحقد ولا تحسد بل لا نتذمر إن أصابنا مكروه ، وإن أساء إلينا أحدٌ ففي ذات اليوم ننسى التجاوز والإساءة ، كانت صفحتنا بيضاء نقية وشجرتنا وارفةُ الضلال أغصانها تحمل ثمار المحبة والمتعة ، الجزرونية قصة حلم ، وقصيدةُ أملٍ وخاطرةُ عذوبة وسحائبٌ ماطرة وأريجٌ عابق ، كان كلُ واحدٍ منا له لقبٌ أو عِدّةُ ألقابٍ سألت :
هل تستحضركُ بعضُ الكُنى أو الألقاب على أن تبدأ بنفسك أنت وما هو لقب أحمد البرو ؟
ليجيب والدمع يسفح على الخدود التي لاح فيها أثر الزمن (نلقبه أحمد جول أو صوران ، وإبراهيم الحوان الأعمي ، صالح العثمان كَريصان ، وحامد الزطو يسمى…. فني ) هي أيام التي لا ترحل وتأبى على النسيان لأن أرض الفكر لا زالت بكر لم تحرث بمحراث الألم .
مِن أبرز ذكريات الطفولة ما اقترن بالألعاب والمدرسة خاصة في الأعوام الأولى من حياة الإنسان فهذه المرحلة تتضمن كثير من المحطات التي يقف بها قطار الشوق ويتزود بوقود السعادة ، لأن في هذه الفتره لم تخالطها ملوثات فكرية ، لذا ستبقى هذه المحطات ملتصقة في بنية الذاكرة لتشكل ذلك الحائط من الدعائم المعنوية لبُنية الوطن ، فالوطن هو في حقيقتة ذكرياتٌ جماعية أو فردية متعلقة بذاكرة فردية أو جماعية ، فالبيت وطن والمدرسة وطن والقرية وطن والصديق وطن ومن يعجز عن ذاك يعيش المنفى النفسي والغربة أينما حل لأنه أصبح القبر الذي لا يحمل أوكسجين الذكرى وشعلة إتقادها ، هذه الأرض المتموجة التي هي محطة تأريخية وأثرية سكنها الأجداد في القرن الثامن عَشر ومن المُرَجّح أنهم سكنوها عام (1800م ) خاصةً وأنها منطقة رعي للماشيه التي يربون كالخيل والأغنام والأبقار ناهيك عن ( أبقار الشرابين وأعني قُطعان الجاموس) فضلاً عن ممارستهم للصيد بحكمِ طوبوغرافية المنطقه التي أسهمت بوجود قطعان الغزلان البَريّة إذ تتخلل تضاريس الأرض تلال مثل ( التل الأسود ، تل كربيل ) وكهوف طبيعية مثل (كهف سيد محمد ) تتفجر في سفوحها وأوديتها مجموعة من الينابيع العذبة مثل (عين ناعس ، عين حاج أغا ، عين محمد الفارس ، عين هجر ، عين كربيل ، عين الزل للعم الحاج زعال ، عين التل الاسود ) تلك العيون التي ما أن تشرب مياهها حتى يخطر ببالك زقوم وغسلين جهنم لمرارتها لكنها الذكرى ، ولا يسعنا أن ننسى أوديتها مثل ( وادي السويدي الدولي الذي ينبع من قرية السويديه في سورية ، وادي حسن نبي ، وادي الحمال ، وادي الشرقي والغربي والبيلونات التي تعتبر كغرة الفرس مثل الدهماء مثل بيلونة العم حج أحمد وبيلونة الحسين ) التي تعتبر مشرف للزائرين عندما ياتون مثل الفكة الغربيه والفكة الشرقية وفيها كثير من القواج ( قوج حج زعال ، قوج السالم البرهو وقوج كرحلوه )
للحديث تتمة