المقدمة :
أن ” فلسفة الفهم ” هي محور أساسي للعقل البشري ، لأنها المحرك الوحيد للمعرفة ، ومن دونها سوف نظل مغيبين عن أدراك حقيقة النص ، خاصة النص القرآني بالتحديد ! ، وفي هذا الصدد ، قد أوقفتني آية ” ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) / سورة قاف ” ، وهي سورة من السور المكية ، ووددت أن أقرأها قراءة عقلانية حداثوية ، وذلك بعد أن طرح بعض التفاسير الأسلامية المعتمدة التي تناولتها .
التفاسير : بادئ ذي بدأ ، أن الكثير من المصادر تزعم عامة بأن قاف التي أقسم بها الله في القرآن في قوله ( ق والقرآن المجيد ) هي ” إشارة إلى جبل قاف الأسطوري ” ، وأرتأيت أولا ، أن أستعرض بعضا من التفاسير الواردة بخصوصها وفق المصادر المتداولة / سنة وشيعة وحتى من الصوفية ، ومنها التفاسير التالية ، وهي وردت على سبيل المثال وليس الحصر :
أولا – وفق تفسير القرطبي ، قال ( واختلف في معنى ” ق ” ما هو ؟ فقال ابن زيد وعكرمة والضحاك : هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء اخضرت السماء منه ، وعليه طرفا السماء والسماء عليه مقبية ، وما أصاب الناس من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل . ورواه أبو الجوزاء عن عبد الله بن عباس . وقال الفراء : كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في ” ق ” ; لأنه اسم وليس بهجاء . قال : ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه ; كقول القائل :قلت لها قفي فقالت قاف .. ) .
ثانيا – في موقع / أسلام ويب ، يقال الاتي بشأن الآية أعلاه ، نقل بأختصار ( .. واختلف في معنى ( ق ) فقال الواحدي : قال المفسرون : هو اسم جبل يحيط بالدنيا من زبرجد ، والسماء مقببة عليه وهو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة ، وحكى الفراء والزجاج : أن قوما قالوا معنى ( ق ) : قضي الأمر وقضي ما هو كائن ، كما قيل في ( حم ) : حم الأمر . وقيل : هو اسم من أسماء الله أقسم به . وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن . وقال ” الشعبي ” أنها تعني فاتحة السورة .
ثالثا – وفي موقع / موقع نداء الأيمان ، نستعرض التالي ، ( قال مجد الدين الفيروزابادي ، بخصوصها : إِثبات النبوّة للرّسول وبيان حُجّة التَّوحيد ، والإِخبار عن إِهلاك القرون الماضية ، وعلم الحقّ تعالى بضمائر الخَلْق وسرائرهم ، وذكر الملائكة الموكَّلين على الخَلْق ، المشرفين على أَقوالهم .. قال ابن عاشور سورة ” ق ” : سميت في عصر الصحابة سورة ق ينطق بحروف : قاف ، بقاف ، وألف ، وفاء ، فقد روى مسلم عن قطبة بن مالك أن النبي قرأ في صلاة الصبح سورة ” ق والقرآن الْمَجِيدِ ” ، وربما قال: ” ق ” ويعني في الركعة الأولى .
رابعا – أما في موقع / المكتبة الموالية ، فنبين التالي ، وهو وفق تفسير ” القمي ” / أحد أئمة المذهب الجعفري : ( بسم الله الرحمن الرحيم ق والقرآن المجيد ) قال : ق جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج وهو قسم ( بل عجبوا ) يعنى قريشا ( ان جاءهم منذر منهم ) يعنى رسول الله ( فقال الكافرون هذا شئ عجيب ءإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد .. ) .
خامسا – ومن موقع / المكتبة الشيعية ، أسرد تفسير أبن عربي ، أحد أئمة الصوفية ( تفسير سورة ق من [ آية 1 – 14] * ( ق ) * إشارة إلى القلب المحمدي الذي هو العرش الإلهي المحيط بالكل كما أن ( ص ) إشارة إلى صورته على ما رمز إليه ابن عباس في قوله : (ص) جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين لا ليل ولا نهار، ولكونه عرش الرحمن ، قال : ‘ قلب المؤمن عرش الله ‘، وقال : ‘ لا يسعني أرضي ولا سمائي ويسعني قلب عبدي المؤمن ‘.، قيل : * ( ق ) * جبل محيط بالعالم وراء العنقاء لإحاطته بالكل وكونه حجاب الرب لا يعرفه من لم يصل إلى مقام القلب وإنما يطلع عليه من طلع هذا الجبل . أقسم به وبالقرآن المجيد أي : العقل القرآني الكامل فيه الذي هو الاستعداد الأولي الجامع لتفاصيل الوجود كله .. ) .
القراءة :
1 – الأية ببنيتها اللغوية هي قسم ، والقَسَم (بفتح القاف والسين) أو اليمين .. كتعريف ( هو لفظ لإثبات حقيقة أو وعد يذكر فيه المؤدي للقسم شخصاً أو شيئاً ما عزيزاً عليه وعادة ما يكون هو الله باعتباره الشاهد على هذا القسم / نقل من موقع الويكيبيديا ) ، ولكن البناء النصي هنا يختلف حيث أن الله نفسه هنا يقسم ، فالسؤال : هل يحتاج الله قسما لأثبات صحة ما يقول هذا أولا ، وثانيا أن القسم وفق التعريف يجب أن يكون موجها لفرد أو لذات أكبر مكانة وأكثر قدسية من الذي يقوم بفعل القسم ! ، والسؤال هل من ذات أكثر قدسية من الله ليوجه أليه القسم ! .
2 – والقرآن ككتاب مملوء بالعشرات من آيات القسم ، منها – وفق موقع / منتدى عطر الحياة ، التالي” -1 لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر 72] (لعمرك) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي وحياتك (إنهم لفي سكرتهم يعمهون) يترددون . 2- وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس 2] (والقرآن الحكيم) المحكم بعجيب النظم وبديع المعاني . -3 وَالصَّافَّاتِ صَفّاً [الصافات 1] (والصافات صفا) الملائكة تصف نفوسها في العبادة أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به ” . وسائل يسأل لم هذا الأكثار من أيات القسم ، وهل يحتاج الله ل ” مصداقية أو تاكيد ” ليقسم دوما على صحة نصوصه !! .
3 – رجوعا للآية ، نلاحظ أن المفسرين وكعادتهم ، يفسرون حسب أهوائهم ووفق قابلية الفهم التي يتميزون بها ، فمنهم من قال أنه أن ” ق ” هي ( جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء اخضرت السماء منه .. ) وأخرين قالوا ( قضي الأمر وقضي ما هو كائن ، كما قيل في ” حم ” : حم الأمر . ) ، أو ( هو اسم من أسماء الله أقسم به ) ، أما قتادة فقال ( هو اسم من أسماء القرآن ) وقال الشعبي أنه ( فاتحة السورة ) . وعن قطبة بن مالك قال : أن ” ق ” تعني الركعة الأولى ، والذي أستوقفني تفسير ” ق ” على أنه ( جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء .. ) ، وأرى في هذا التفسير أشكالية كارثية ، فهل يعقل أن قاف جبل بهذه المواصفات الأسطورية ! والذي زاد التفسير جهالة ، هو ما ذكره كتاب الثعالبي في مؤلفه ( عرائس المجالس ) ، حيث بين ” أنّ عبدالله بن سلام سأل الرسول عن أعلى جبال الأرض ، فأجابه النبي هو جبل قاف ، حيث إنّ ارتفاعه مسيرة خمسمئةِ سنة ، وطوله مسيرة ألفي سنة ، وأنّه مخلوقٌ من زمردٍ أخضر ” ، فأذا كان هذا جواب الرسول ، وهو الذي لا ينطق ألا بوحي من الله ، وفق الأية التالية ” { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } (3) { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } (4) / سورة النجم ” ، أذن من حق الدارسين أن يسألوا عن جهالة جواب الرسول ، وعن يتبينوا عن أي منطق معلوماتي كان جوابه ! ، ولكن شيوخ الأسلام كعادتهم يعتمون على كوارث سرديات الموروث الأسلامي ! .
خاتمة :
ان الموروث الأسلامي عامة يخضع لعدة تأويلات تفسيرية من قبل فقهاء وشيوخ الأسلام ، والكثير منها لا تطابق أو لا تتساير ، فيما قاله أو تحدث به الرسول ، او ما سنه من سنن ، وهذا الأمر يضعف من مكانة الموروث الأسلامي ، وما ورد في موقع / نون والقران وعلومه – أنقل بأختصار ، يبين التالي بأن ” ق ” ليس لها معنى ، لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين تفسير قوله تعالى : ( ق والقرآن المجيد ) يقول الله : { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } [ق:1] ( ق ) : حرف من الحروف الهجائية التي يتركب منها الكلام العربي ، وهي كسائر الحروف ليس لها معنىً في حد ذاتها ، ومن المعلوم أن القرآن نزل باللسان العربي ، وإذا كانت هذه الحروف ليس لها معنىً باللسان العربي ، أذن ” فهي كذلك ليس لها معنىً في كتاب الله من حيث المعنى الذاتي لها . ” .. وهنا الشيخ بن عثيمين / 1929 – 2001 وهو من شيوخ السلفية – فقيه ومفسر ، ينسف كل ما قاله الرسول من أن ” ق ” هو : ” جبل من زمرد .. ” ، ونحن كمهتمين بالمورث الاسلامي ، ذهلنا من تضادد روايات الفقهاء والمفسرين ، أذن أي رواية من الروايات الواردة في أعلاه نصدق أو نعتمد !!.