26 نوفمبر، 2024 3:38 م
Search
Close this search box.

هل تلجأ المنظومة الحاكمة إلى «بنادق الصيد » الأخيرة؟

هل تلجأ المنظومة الحاكمة إلى «بنادق الصيد » الأخيرة؟

بعد الأحداث التظاهرات الاخيره التي حدثت دخل العراق في مرحلة حساسة للغاية باتَ الجميع معها يتحضّر للانهيار الشامل والفوضى وليس للإنقاذ، في ظل شعور عارم انّ فرَص الخروج من المأزق ضئيلة للغاية، فيما الأنظار شاخصة باتجاه المنظومة الحاكمة وكيفية تعاملها مع دينامية الانهيار التي ستفقدها أوراق قوتها.

يُخطئ من يعتبر انّ المنظومة الحاكمة فقدت أوراق قوتها، فصحيح انها مأزومة جداً بفِعل الضغط والأزمة المالية الكبرى والغليان الشعبي المتصاعد، ولكن لا مؤشرات أنها ستسلِّم أوراقها بسهولة وتتخلى طوعاً عن السلطة، ولو انّ الانفجار الاجتماعي حاصل حتماً وسيؤدي إلى سقوط السقف على رأسها ورؤوس جميع العراقيين . ولذلك، يجب تَوقُّع أيّ شيء مع منظومة يمكن ان تستخدم كل الأساليب دفاعاً عن حضورها السلطوي.

وأكثر من مؤشّر يدلّ على انّ هذه المنظومة تَعدّ العدة للساعة الصفر ولن تقف مكتوفة اليدين أمام اشتداد الحصار عليها، بل ستحاول فك الطوق عنها بنقل المواجهة في اتجاه آخر، ولن تنتظر الذريعة لتوجيه ضربتها، ولكن في الوقت نفسه لا يجب منحها هذه الحجّة على طبق من فضة تسهيلاً لعملية هروبها إلى الأمام، إنما يجب تصعيب الأمر عليها بإبقاء مواجهتها مع ثانية والتأزُّم المالي والغضب الشعبي، لأنها في هذه الحالة لن تكون قادرة على تسديد ضربتها إلى أقوى منها، ووَضع معيشي عاجزة عن التعامل معه، وحالة شعبية عامة لا يمكن تصنيفها في هذه الخانة او تلك وعَصيّة على الضرب.

فالأجدى في هذه المرحلة الابتعاد عن الواجهة السياسية كَون الصراع ليس بين هذا الفريق أو ذاك، ولأنّ النتيجة ستكون ذاتها مع دخول قوى سياسية على خط الصراع او عدمه، وبالتالي السياسة الانتظارية هي الأجدى في هذه المرحلة بغية تمريرها بالحد الأدنى من الأضرار والخسائر، خصوصاً انّ «العدو» الثانية الذي يُحاصر الفريق الحاكم هو «عدو» غير قابل للضرب، ما يعني بأنها في حاجة لاختراع «عدو» يمكن استهدافه، ويصعب تقدير أو تَوقّع طبيعة الاستهداف الذي ستعتمده.

وقد دخل العراق في مرحلة الخطر الشديد كون الحكومة أصبحت في موقع العاجزة والمكبّلة وتصريف الأعمال، ، ولا خطوات داخلية متوقعة، ولا إمكانية لفرملة الانهيار الذي سيُواصل انزلاقه نحو القعر، ما يعني انّ الخروج من الأزمة أصبح مستحيلاً. ولذلك، كل الأنظار ستكون شاخصة باتجاه بوسطة عين رمانة ما تؤرّخ لمرحلة الفوضى.

والسؤال الذي يتم تداوله يتمحور حول انطلاق الشرارة الأولى، فهل ستكون أمنية عن طريق اغتيال معيّن، ام من خلال افتعال إشكالات في بغداد او الحله او المنطقة المصنّفة شيعية في ظل البحث عن الهدف الأسهل والابتعاد قدر الإمكان عن الفتنة الشيعية -الشيعية؟ وفي سياق تهيئة مناخات التفجير تمّ فجأة استحضار «داعش» مجدداً، ومعلوم انّ هذا التنظيم الإرهابي لم يعد موجوداً، وغالباً ما يُصار إلى توظيف الأجسام الإرهابية واستخدامها من أجل التَلطّي خلفها تحقيقاً للأهداف المرسومة.

وإذا كان من الصحيح انّ المنظومة الحاكمة فقدت قدرتها على حفظ الاستقرار والجلوس هانئة في مقاعد السلطة وإمساك مفاصل البلد بيد من حديد، وإذا كان من الصحيح أيضاً بأنها أصبحت مهددة وفي أضعف لحظة سياسية محلية وإقليمية منذ 200‪3، إلّا انه من الصحيح أيضاً أنها ما زالت قادرة على الفِعل واللجوء إلى العنف دفاعاً عن دورها وحضورها وسلطتها وسطوتها.

وما تقدّم لا يعني تقديم التنازلات لهذه المنظومة والاستسلام لها تَجنّباً للعنف، لأنه لا وجود لمصطلح التنازلات في قاموس الأزمة الراهنة، حيث انّ الصراع ليس على غرار ماحدث في تظاهرات الماضية بين فريق قَرّر استخدام سلاحه لكسر التوازن القائم وفريق آخر قرّر التسليم بالأمر الواقع، إذ حتى لو تَنازلَ الفريق المُناوئ للمنظومة الحاكمة فإنه لا يقدِّم ولا يؤخّر، وعلى ماذا يتنازل أساساً في ظل الإمساك المُحكم بكل مفاصل القرار من رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، إلى السلطة التنفيذية والأكثرية النيابية؟ وبالتالي، المواجهة الأساسية والفعلية ليست مع فريق داخلي، بل مع المجتمع الدولي والأزمة المالية والغليان الشعبي، أي على طريقة مواجهة الأشباح، ما يعني انّ المنظومة الحاكمة ستتوسّل العنف في محاولة أخيرة لخَلط الأوراق على أثر اصطدامها بالحائط المسدود.

وتَوسُّل العنف سيكون «بنادق الصيد » المتبقية في فوهّة المسدس، والتي من خلالها ستوَجّه رسالة إلى والمتظاهرين مفادها أنها ستحوِّل العراق إلى أرض محروقة في حال لن تتراجع عن التظاهرات. .

فالرسائل الساخنة التي شَكّل العراق ساحة مُستباحة لها على مدى العقود الأربعة الأخيرة، والتي تراجعت في الآونة الأخيرة، ستطلّ برأسها من جديد لتوجيه الرسائل من بغداد باتجاه واشنطن. وبالتالي، يمكن القول انّ العراق دخلَ في المحظور، ولم يبق سوى انتظار الساعة الصفر التي يتوقّف توقيتها على عجلة الانهيار، إذ في اللحظة التي ستلمس فيها المنظومة انّ الحكومة فقدت القدرة على السيطرة، وانّ ضبط الناس لن يعود ممكناً، ستلجأ إلى العنف الذي يصعب تحديد طبيعته وشكله، وهذا لا يعني استبعاد الاحتمالات الضئيلة لتعقّلها وتجاوبها مع معطيات المرحلة ومتطلباتها، إلّا انّ ردود فِعل هذا النوع من المنظومات تذهب دائماً باتجاه العنف، أي باتجاه السلب لا الإيجاب، ولكن تبقى نافذة صغيرة مفتوحة على تقديم التنازلات اللازمة ليس رغبة بهذه التنازلات، إنما لغياب البدائل باعتبار انّ مخاطر قَلب الطاولة على هذه المنظومة أكبر بكثير من الانتقال السَلس إلى المرحلة الجديدة.

ومن هنا أهمية التَهيّؤ وطنياً وسياسياً للمرحلة الجديدة من أجل السعي قدر الإمكان إلى تعطيل صاعق التفجير وقطع الطريق على محاولات التوتير، لأنّ المنحى الذي تأخذ المنظومة الحاكمة البلد إليه سيُعيد البلد إلى حقبة كان قد ظَنّ أنها طويت إلى غير رجعة.

أحدث المقالات