19 ديسمبر، 2024 1:13 ص

حركة عدم إنحياز عراقية

حركة عدم إنحياز عراقية

إنها فكرة .. قد تبدو للبعض ” جنونية ” . وقد تبدو لآخرين ” عملية ” . ولا يلومني أحد على الفكرة ، لأنه في ظل فقدان الأمل بالمستقبل وغياب أي مسعى من القيادات الحالية للإلتفات الى ما يعانيه الشعب من الظلم والقهر ، وفي ظل نظام المحاصصات الطائفية البغيضة ، وتحكم الميليشيات الولائية ، وفي ظل الإستقطاب الإقليمي والشد والجذب بين قوى إقليمية عدوة الديمقراطية في العراق ، فإن هذه الفكرة تدعو الى تشكيل حركة عدم الإنحياز ، عراقية خالصة ، تنقذ البلاد من المأساة الحالية التي تعاني منها بسبب صراعات قوى دولية وإقليمية إتخذت من العراق ساحة لها ، وهي صراعات أفقدت قادة العراق أي إنتماء وطني لبلدهم ، وأصبح معظمهم أداة بيد تلك القوى لتخريب العراق وتعويق تقدمه وإستعادة عافيته .

بحسب ما تمخض عن تظاهرات تشرين المجيدة ، هناك مطالب شعبية عامة بإجراء إنتخابات مبكرة خلال العام ، وتعهد رئيس الوزراء الحالي الأستاذ مصطفى الكاظمي بالعمل نحو تنظيم تلك الانتخابات المنتظرة خلال العام القادم ، والآن هو الوقت المناسب تماما لقيام حركة سياسية تحت شعار “عدم الإنحياز” عراقية خالصة ، تتشكل من شخصيات سياسية وأكاديمية ووطنية مخلصة ، ومن تكتل الأحزاب الوطنية التي مازالت مؤمنة بعراقيتها وإستقلاليتها من الإستقطابات الإقليمية ، وتشارك فيها المنظمات المدنية والليبرالية ، تنتظم جميعها في الحركة المنشودة تحضيرا لخوض الإنتخابات المقبلة كتحالف وطني حقيقي وليس مجرد تسميات فارغة من المحتوى الوطني ، على أن يكون شعار الحركة هو عدم الإنحياز لأية دولة أو قوة إقليمية سواء كانت أمريكا أو إيران أو تركيا أو السعودية أوغيرها من قوى الشر المتربصة بالعراق الحر المستقل الإرادة .

لقد عانينا منذ أكثر من نصف قرن من صراعات دموية للأحزاب الفاشية في العراق ، وتجرعنا المآسي بسبب الإنقلابات العسكرية ، وعانينا لأكثر من خمس وثلاثين سنة من الحكم البعثي ، وما أن تحررنا من الدكتاتورية البعثية حتى أطلت الدكتاتورية الدينية والطائفية وميليشياتها السائبة برأسها . وباتت هذه القوى تلعب بمقدرات البلاد بدفع من قوى خارجية لا تمت بأية صلة لمصلحة العراق ، فإذا لم نستغل الإنتخابات المقبلة لإجراء تغيير شامل عبر صناديق الإقتراع ، فإن الفرصة ستذهب منا الى الأبد ، حيث أن الوضع الحالي سوف يتكرس ، ولن تبقى هناك فرصة أخرى لتحرير الشعب من سطوة الأحزاب الدينية والميليشياوية وتدخلات القوى الاقليمية ، وسيعود العراق الى المربع الأول بصراعاته السياسية والطائفية وسيبقى الشعب هو وحده من يدفع ثمن الخراب والدمار المتواصل في البلد .

لقد تعرض العراقيون الى خداع كبير حين تصوروا بأن الأحزاب الدينية والطائفية سوف تعمل من أجل مصلحة العراقيين خوفا من الله ، وظنوا أن هذه الأحزاب التي عانت من الدكتاتورية الصدامية سوف تعيد بناء العراق الجديد على أساس العدالة الالهية وتحقق الحياة الحرة الكريمة للمواطن ، وكانت الحصيلة هي ما نراه اليوم من فساد ذمم قادة هذه الأحزاب وإنتشار الفقر والجوع في دولة تحوم على بحر من النفط والثروات الطبيعية الأخرى .

للأسف لم ينتبه هذا الشعب بأن إعادة بناء وإنهاض العراق بعد عقود الدكتاتورية سيكون من خلال أبنائه المخلصين من الشخصيات الوطنية ، وليس من قبل أحزاب سلفية موغلة في الجهل والتخلف ، والآن حان الوقت ليعود الشعب العراقي الى رشده ويعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يجرف التخلف والفشل السياسي للأحزاب الطائفية ما تبقى من أرض مهد الحضارات البشرية .