رئيس الوزراء الكاظمي، يكاد يكون الوحيد من بين جميع من سبقوه، الذي احيطت به وبشخصيته ومرجعيته؛ الكثير من الشكوك والتأويلات والأسئلة عن ارتباطاته الإقليمية والدولية، فقد كان من كانوا قبله على رأس السلطة؛ واضحو المرجعية والانتماء. فقد هلل قسم كبير من العراقيين لوجوده على رأس حكومة اصلاحية، ستقوم بإجراء اصلاحات حتى ان البعض ذهب الى ابعد من الاصلاحات بمعنى ان الاصلاحات سوف لن تكون سطحية بل تكون بنوية وجذرية، بأنهاء مرحلة اللادولة، وحصر السلاح بيد الدولة. في ذات الوقت اعتبره اخرون؛ بانه رجل امريكا في العراق، وبانه سينفذ اجندة امريكا في العراق بمحاربة الوجود الايراني في العراق. الكاظمي من جهته وفي كل مناسبة وبدونها كان يؤكد بان من اهم مهماته هو استعادة هيبة الدولة وحصر السلاح بيدها، اضافة الى اعادة الحياة الى الصناعة والزراعة، لتوفير فرص العمل للعاطلين، والتهيئة للانتخابات المبكرة. على هذا المسار؛ وضع الفريق الأول الركن عبد الوهاب الساعدي، على رأس مكافحة الارهاب الذي كان قد اقاله من منصبه، السيد عبد المهدي، الذي هو الأخر، استقال لاحقا بضغط الشارع العراقي المنتفض؛ بتهمة تردده على السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء، وعُيِنَ قاسم الاعرجي من كتلة الفتح على رأس جهازالأمن الوطني، اضافة الى عبد الغني الاسدي. وقام بالسيطرة الى المنافذ الحدودية وهي عملية مهمة بل مهمة جدا لكنها لم تكتمل بعد، وربما لا تكتمل لأسباب قد تكون خارج قدرته وامكانياته أو اسباب اخرى قادرة على تعطيل تلك القدرة والامكانية. الكاظمي براغماتي يحاول الإمساك بعصى السلطة من المنتصف، فهو لا يريد اغضاب اصحاب القرار الفعلي من ذوي التأثير المنتج للفعل على صعيد الواقع، ومن الجهة الثانية؛ يؤكد بالأقوال التي تداعب رغبات وهموم الناس، من انه سوف يقوم بالإجراءات التي تلبي طموح الشعب بالتغيير نحو حياة افضل، من قبيل استعادة هيبة الدولة والقضاء على اللادولة، الى اعادة الحياة الى الصناعة والزراعة، الى التهيئة للانتخابات المبكرة، الى محاسبة قتلة المتظاهرين. الكاظمي حتى الآن، لم يقم باي اجراء فعال على طريق الاهداف سابقة الذكر وهنا نقصد الاجراءات الحاسمة والفعالة بقدرة وكفاءة عاليتين، تثبت وجودها في مسار الاحداث التي تقود الى احداث تحول جدي، على طريق الاصلاح، بل العكس تماما، هو الصحيح، فهو يتراجع لاحقا عن كل اجراء يقوم به بإخراج أمني وسياسي يغطي على هذا التراجع، أو اجراء يبدو جديدا على طريق الاصلاح بينما الحقيقة غير هذا الطريق تماما؛ تغيير مسؤولي جهاز الأمن الوطني مثلا. من الواضح ان ايران قبلت بالكاظمي على مضض بفعل قربه من دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية، لكنها وفي عين الوقت؛ تعرف من انها قادرة على تطويعه بدرجة او بأخرى، لاحقا تبين لها ان وجوده على رأس الحكومة ذي فائدة لها؛ حين تبين لها، طريقته في الإدارة، ووقوفه على مسافة قريبة منها.. مع قربه الواضح والمعلن من الإدارة الامريكية. الايرانيون يديرون مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة، المفاوضات، ينفيها الجانبان، الايرانيون والامريكيون، لكنها موجودة، وهذا النفي لا يغير من حقيقة وجودها اي شيء، عبر وسطاء، سلطنة عُمان مثلا او غيرها، او الكاظمي نفسه، كحامل رسائل من الجانبين لبعضهما البعض. ان ما يؤكد ها، هو هذا الهدوء في العلاقة بينهما، بالإضافة الى تبادل السجناء بين الجانبين في الاشهر الأخيرة، على الرغم من التفجيرات الاخيرة التي حدثت في ايران، فهي اي هذه التفجيرات لا تنفيها بل تؤكدها، فهي رسائل ضغط، تدخل في صلب المفاوضات التي ستستمر لفترة طويلة من دون التوصل الى قاعدة مشتركة تنتج الحل، ألا بعد الانتخابات الأمريكية التي يعول الايرانيون، وهم مخطئون، على نتيجتها كثيرا، لذا يلعبون بالوقت بدراية وحنكة مشهودة لهم فيها. الامريكيون لا يريدون اضعاف ايران الدولة، بل خططوا ونفذوا؛ خطة تحطيم اعمدة النظام، لإجباره أو وضعه امام خيارين؛ أما الانكفاء الى الداخل، أو اسقاطه في نهاية المطاف. وهذه السياسة الامريكية اتجاه ايران، ثابتة، لا تغيرها، نتائج الانتخابات الامريكية. الكاظمي الذي زار، الثلاثاء، ايران؛ ألتقى بالمرشد الايراني، ووزير المالية، قبل ان يلتقي لاحقا بالرئيس روحاني؛ الناطق باسم الرئاسة الايرانية، اكد ان زيارة الكاظمي مهمة في ايجاد منطقة امنة ومحاربة الارهاب.. في خضم تدافع الاحداث في المنطقة والعالم، يُبرَز قادة ايران، حدة صراعهم مع الولايات المتحدة الامريكية، بتأكيدهم، من انهم قادرون على كسر الإرادة الامريكية، واجبار الاخيرة على الاعتراف بدورهم الاقليمية في المنطقة؛ المرشد الايراني وفي لقاءه مع الكاظمي، أكد للأخير؛ ان ايران ستوجه ضربة انتقامية قوية للولايات المتحدة، ثأرا لمقتل الجنرال سليماني في العراق؛ الذي قتله الامريكيون في بيتكم كضيف واعلنوا ذلك بوقاحة. ليكمل حديثه للكاظمي؛ نحن لا نتدخل في علاقتكم مع الامريكيين، لكن يشكل وجود القوات الامريكية في بلدكم، بؤرة للتوتر والفتن والفساد. في الصدد ذاته، وقبل اشهر من الآن، أكد المرشد الايراني وفي لقاء له مع الزعامة الايرانية؛ ان ايران ستعمل على طرد جميع القوات الامريكية من المنطقة، ومن الطبيعي، العراق في المقدمة منها. الايرانيون يحرصون اشد الحرص على استدامة العلاقة مع العراق وبالذات بل هي الاهم، العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العراق التي تصل تقريبا، الى عشرين مليار دولار سنويا، جميعها لصالح ايران، فالعراق لا يصدر الى ايران اي شيء. في الايجاز الصحفي مع الكاظمي، أكد روحاني على اهمية العلاقات التجارية بين ايران والعراق. من اللافت وقبل اكثر من سنتين من الآن، كان المرشد الايراني، وفي لقاء له مع الزعامة الايرانية، بُيِنَ لهم، موضحا وموجها؛ لقد نجحنا في الجانب السياسي والعسكري في العراق، لكننا لم نحقق ذات المستوى من النجاح في الجانب الاقتصادي والتجاري، في حينها كانت قد بدأت في التو، العقوبات الأمريكية على ايران بعد انسحاب امريكا ترامب من الصفقة النووية. في السياق بحث الجانبان في زيارة الكاظمي لإيران؛ العملة التي ستدفع كأثمان للبضائع الايرانية الموردة للعراق، الجانب الايراني يريد ان تكون على الاقل نصفها بالعملة الصعبة اي بالدولار. لذا يعتبر العراق بمثابة جهاز اعطاء أوكسجين، يتنفس به الاقتصاد الايراني في ظل العقوبات الامريكية الخانقة له في الوقت الحاضر. يبقى السؤال المهم هنا بل هو الأكثر اهمية من جميع ما تم الاشارة له في اعلاه؛ هو الوجود الامريكي طويل الاجل في العراق، هل يكون موضوع مقايضة على منضدة المساومات؟ نترك الإجابة لما ستتمخض عنها زيارة الكاظمي لواشنطن في القادم من الايام..