إذا كان الشاعر الفرنسي جاك بريفير يعتبر ” الابتسامة دائما جزءا من قناع” فإنّ الابتسامة في زمن ” كورونا” اختفت خلف قناع اسمه” الكمّامة”!
لذا، فمنذ ظهور الفايروس، وتفشّيه في مختلف مناطق العالم، ونحن نرصد حالة من انخفاض منسوب الابتسامات التي أصبحت في تراجع، في الحياة اليومية، والشوارع حتّى بعد أن فتحت مجدّدا ذراعيها للمارّة، وعيادات أطبّاءالأسنان، وقاعات المسارح، ودور العرض السينمائي التي أغلقت أبوابها، وأماكن أخرى عديدة، فاختفت ابتسامات مضيفات الرحلات الجوية، وموظفات العلاقات العامة في المطارات، والفنادق، ومحلّات العطور، والزهور، فصار وجه العالم بسبب ذلك أكثر تجهّما!!
وحين يتجّهم وجه العالم، فهناك كارثة، ماذا لو انتقل التجهّم إلى وجه الإنسان؟، وأذكر أنني قرأت خبرا في مجلة قديمة، يقول أن فتاة ولدت فاقدة البصر، وبعد 12 سنة أعيد لعينيها البصر بعد إجراء عدة عمليات، وحين سألوها: ما هو أغرب شيء وقع عليه بصرك؟ أجابت: وجه الإنسان، سئلت لماذا؟ أجابت: كنت أظنّه أكثر ابتهاجا، وأقلّ تجّهما!!، هذا، وهي شاهدت وجوه من حولها المبتسمة بمناسبة، وبدونها، ماذا ستقول لو شاهدت الوجوه التي من حولنا، في عالمنا الثالث، التي حفر البؤس، والحزن فيها خنادق، ورسمت الأيّام خطوطا عميقة على جوانبها!!؟
وهذا لايعني أننا نعاني على الدوام من شح في الابتسامات، فلدينا مناسباتنا السعيدة، وأعيادنا، وأفراحنا، ولكن تقلبات الحال بعد الجائحة، جعلت أيامنا تعاني من ظاهرة التصحر في الأفراح، وإذا استمرّ الحال، فستنقرض، كالديناصورات!!، وستضيع علينا صدقات مجّانيّة من حيث أن ” التبسّم في وجه أخيك المسلم صدقة” كما جاء في الأثر.
وإذا قسّمنا الظاهرة إلى قسمين، سنرى أن النصف الأول من الابتسامات ابتلعته البيوت خلال الحجر المنزلي، أمّا النصف الثاني، فقد اختفى خلف الكمّامات، ويوما بعد آخر بدأت السليفيات،التي نطالعها في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر وجوها خالية من الابتسامات، قليلة الدسم في ميزان الفرح، منزوعة البهجة، حتّى الأسنان اختفت، ولم تعد عمليات ” ابتسامة هوليوود” مجدية!، فصار كسادا فيها، وظلت محجورة في عيادات أطبّاء الأسنان!! ووسط هذه الدوامة، فقدت الابتسامات مقاييس الطول، والعرض، فلم تعد هناك ابتسامة عريضة، ملء شاشات التلفزيون، والصفحات الأولى من الصحف، وأغلفة المجلّات، كما كنا نراها على وجوه نجوم السينما، والرياضة، وحتى السياسة، وهي من النوع الذي يرتسم في جلسات الصلح التي تعقب الصراعات الكبيرة!
كلّ ذلك اختفى، والتبس الأمر علينا، ولم تعد لنصائح الشاعر”ايليا أبو ماضي” أيّ معنى حين قال في قصيدة له:
قالَ: السماءُ كئيبةٌ وتجهما
قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولّى فقلت له: ابتــسمْ
لن يرجعَ الأسفُ الصبا المتصرما
قال: الــتجارة في صراع هائل
مثل المسافر كاد يقتله الـــظما
أو غادة مسلولة محــتاجة
لدم ، وتنفث كلما لهثت دما
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها
وشفائها، فإذا ابتسمت فربما
فحتّى لو ابتسم، خلف الكمامة، فكيف سيعرف الشاعر أنّ محدّثه استجاب لصيحات ندائه، وابتسم، ما دامت الكمّامة تغطّي مركز التبسّم في وجهه؟، وإذا ألقينا طرفة خفيفة، فسوى تضييق العينين، كيف سنعرف ردّات الأفعال؟ طبعا هنا نحتاج للمبالغة في اطلاق القهقهات لإشعار المقابل بانها مضحكة، حتى لو من باب المجاملة، ولسنا من الأثرياء الذين ورد ذكرهم في المثل الشائع الذي يقول “نكت الاثرياء دائما تضحك” لكي نضمن ذلك؟
اليوم، ونحن نقف في مواجهة شرسة مع الجائحة، نحتاج أن نبتسم، ليس فقط لرفع الروح الإيجابيّة، وهي من أسلحة مقاومة الفايروس، ورفع المناعة، كما يؤكّد الأطباء، والعارفون في مراكز تطوير الذات، وعلم النفس، وليست الابتسامة العابرة هي المطلوبة، ولا الاكتفاء بنشر الصور القديمة التي تنطوي على لحظات إيجابيّة مليئة بالسعادة، والابتسامات، والقهقهات !
إن ما نحتاج إليه اليوم ابتسامات طويلة الأمد، بحيث نضمن استمرارها، ابتسامات من القلب، لا فقط ترتسم على الشفاه، من نوع تلك التي تنمو، وتكبر أمام عدسات التصوير،ثمّ سرعان ماتذوب، وتصبح طيّ النسيان، نحتاج ابتسامات تأتي مع ضمان صلاحية، يؤكد استمرارها، لكي ننتصر على الفايروس، ونبتسم من القلب من دون كمّامة!