18 ديسمبر، 2024 9:32 م

هل أصبح بوتين القيصر الذي تمنحه الكنيسة الروسيّة حق إلهيّا ويستحق التاج المرصّع بطلاسم الثورة البلشفيّة؟

هل أصبح بوتين القيصر الذي تمنحه الكنيسة الروسيّة حق إلهيّا ويستحق التاج المرصّع بطلاسم الثورة البلشفيّة؟

أسوء الكوارث ما تنتجها أخطاء البشر، سواء في صناعتها بجهالة مدمرة أو بالغباء في التمادي وإهمال معالجة الأسباب التي تؤدي اليها. إذا أخذنا على سبيل المثال حجم الدمار الهائل الذي أنتجته أخطاء السياسة في العراق وسوريا واليمن وليبيا فسوف تهون حيال ذلك كل أنواع الكوارث الطبيعية. قطعا هنالك أزمات متعددة وخطيرة تراكم سلبها وتعقيدها في منطقتنا العربية أو الإقليمية وفق ما يصطلح عليه بتسمية الشرق الأوسط، إبتداءا من التوغل الاستعماري مع بداية القرن الماضي ومرورا بزرع الكيان الاستيطاني الصهيوني الذي يعتبر بؤرة الإفساد ومركز زعزعة الاستقرار الإقليمي. بيد أن واقع الحال يُشير إلى أن الصراع لم يتوقف منذ مئة عام، ولا زال يتفاقم ويتعقد وقد بلغ أخطر مراحله بعد تدمير واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وإيران ومرورا بالاحتلال الروسي_ الإيراني لسوريا، وليس انتهاءا بالتدهور الذي تبع ذلك حتى بلوغ المنطقة ذروة الخطر بما عليه حاليا. والأبشع يُكمن في عسكرة المجتمعات وتفريقها طائفيا وعرقيّا وتذكية الصراعات بينها كما حدث في بعض البلدان العربية وتحديدا سوريا والعراق بصورة كبيرة.

الحديث يتعلق بالسجال الروسي السوري، والخوض في التفاصيل يلزمنا ضوابط عقلانية وحسابات دقيقة لا تؤمن بالخرافات وشحذ اللامعقول لأن المستحيلات تفرض نفسها وأبرز هذه المستحيلات هي:

المستحيل الأول:

إن يكون فلاديمير بوتين سكرتير الحزب الشيوعي، وكونه رئيس الاتحاد الروسي فالأمر مختلف عن الاتحاد السوفيتي في معادلة توازن ثنائية الجدل الديالكتيكي إذا حاولنا تفسير الصراع بمنهج أقرب لفيزياء السياسة من التاريخ. لكنّ الحقائق في تجلياتها تشبه الأشجار التي تنزع أوراقها بتبدل المواسم، وللطبيعة أحكام لا تختلف عن سنن تقلب المناخ وحالة تكرار حيثياته. فما بين نُبل القايصرة والقبضة الفولاذية لعهد جوزيف ستالين يمكننا أن نقيس مسافة الهيمنة في عقل فلاديمير بوتين.

المستحيل الثاني:

إن يكون بوتين القيصر الذي تمنحه الكنيسة الروسيّة حق إلهيّا، وهو لا يستحق التاج المُرصّع بطلاسم الثورة البلشفيّة المُعبّر عن ديكتاتوريّة البروليتاريا في العقيدة اللينيّة الماركسيّة. وهنا نحن لسنا بمعرض الكلام عن شخصيّة الرجل، بقدر ما نعني وزن الرئاسة بمعيار النظام الذي تمثله.

المستحيل الثالث:

إن تكون روسيا مساندة للشعب السوري الثائر وتسعى لتحقيق مطالبه المشروعة، لأنها أصلا جاءت إلى سوريا محتلة قتلت وهجرت ملايين السوريين، والأخطر أنها ساندت ودافعت عن نظام دكتاتوري شمولي بشتى الوسائل، على سبيل المثال لا الحصر تزويد النظام السوري بالأسلحة وتقديم الدعم العسكري من خلال الغطاء الجوي، وليس آخرا في مجلس الأمن الدولي، عندما استخدم الروس عشرات المرات حق (الفيتو) ضد أي مشروع قرار يخدم الشعب السوري حتى في قوته اليومي.

ومن هذا المنطلق، فإن روسيا قد ارتكبت خطأ كبير بمساندتها لحكومة بشار الأسد في سوريا، وكان يمكن لروسيا أن تكسب جميع الشعوب العربية والإسلامية لو أنها وقفت مع الشعب السوري وتقطع الطريق على توغل أمريكا من خلال امتلاك ناصية المدّ الشعبي وتحريكه ضد السياسة الأمريكيّة. ولهذا فإن روسيا سوف تصطدم بموانع تستنزف طاقتها وتقزم حجمها.

المستحيل الرابع:

إن يكون بشار الأسد مُعبرا إرادة عن الشعب السوري بكل أطيافه من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، بل أن الأسد ونظامه الفاشيستي لا يمثلون أكثر من دُمى خشبية بيد روسيا وإيران، وإن يبادر بشار وإيران إلى تسخين المنطقة ووضعها على حافة حرب دون موافقة بوتين.

المستحيل الخامس:

أن يستمر بوتين غطاء لبشار، ولكنه يريد مقابل حتى يقوم بتبديل المعادلة، سيما أن بوتين يستطيع إخراج إيران ولكن بثمن كبير. في النهاية سيبيع الرئيس الروسي إيران وبشار بصفقة كبيرة لكي يتخلص من أعباء تورطه في سوريا. بالإضافة إلى أنه لا يُمكن أن تعيش إسرائيل تحت رحمة الصواريخ الإيرانية والحشود الميليشياوية في سوريا ولبنان.

وفي السياق ذاته، كانت ومازالت استراتيجية ضابط المخابرات الروسي السابق والرئيس الروسي حاليا (فلاديمير بوتين) في سوريا هي ذات الاستراتيجية التي في روسيا، حيث كان الرد على التطرف الإسلامي في أغلب الأحيان لا يختلف كونه أعتمد أسلوب الإرهاب السياسي، وعلى سبيل المثال، كان الرد الروسي في الشيشان والقوقاز في مكافحة التمرد ومواجهة الإرهاب يُمثل أشد حالات العنف السياسي، حيث اتبعت الحكومة الروسية وعن طريق الجيش سياسة الأرض المحروقة التي قامت بتدمير كل ما يقع في مرمى النظر. بيد أن غروزني عاصمة الشيشان كانت محاصرة بالكامل من قبل المدفعية الروسية والقصف العشوائي. لقد استخدمت الاستراتيجية الروسية في مكافحة التمرد بالقوقاز أحيانا كثيرة عمليات التطهير لقتل أو أسر الإرهابيين ومناصريهم، لكن في كثير من الأحيان كان من بين المعتقلين أشخاص من غير المقاتلين. وقد شملت حالة العنف السياسي تكتيكات أخرى اتبعتها الجهات الأمنية الروسية، كالاختفاء القسري، والعقاب الجماعي، واستهداف عائلات وأصدقاء من يشك بكونهم من المتمردين. وعلى الرغم من الاتهامات الدولية الواسعة النطاق ضد الحكومة الروسية لقيامها بانتهاكات حقوق الإنسان خلال مسار عمليات مكافحة الإرهاب باستخدام القوات الحكومية اساليب وحشية. لكن الدعاية الروسية تسعى إلى صنع صورة للدولة تظهرها بمظهر الحامي للشعب. حيث اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتمردين المعادين لروسيا بالحركة الجهادية العالمية، مع أن بعضهم ليست له صلات حقيقية بها أو قد يكون على اتصال ضعيف بالحركات الجهادية الأخرى.

وتأسيسا لما تقدم، في حالة اعتبار ما جرى تراكم أخطاء سنكون أمام هول من العبث والجهل وفقدان توازن ضمن دوائر صنع القرار الأمريكي. وهذا الاعتبار تنبني عليه نتائج وخيمة تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة الأمريكية قانونيا وتاريخيا وأخلاقيا. أمّا في حالة اعتبار ما جرى ويجري حاليا بأنه مخطط يندرج ضمن استراتيجية مدروسة بهدف تحقيق أهداف بعيدة المدى في إطار مشروع كبير وشامل. هذا يجرنا الى ويلات قادمة قد تكون أدهى مما أصابنا وحاق بمنطقتنا. من هنا بالتحديد نستطيع اعتبار سياق التصعيد بين اسرائيل وإيران لا يعدو أكثر من تشابك ذيول بين وحوش غابة الشرق الأوسط، ولن تتجاوز كل القوى المتواجدة على الساحة حدود أدوارها في سيناريو العرض البهلواني، بمعنى أدق كل شيء تحت السيطرة، إلا إذا كان هنالك فصل مرعب ضمن العرض المسرحي يتطلب اشعال نار كبرى لتقديم قرابين بشريّة على نصب مذبح الصهيونية.