الشيفرات القصدية بين دلالة الأنا ومؤشرات الصورة الأحوالية
أن الشيفرات القصدية في متون ومبنى قصدائد ديوان (قداحة العشق)للشاعرة الدكتورة أحلام غانم،تتشكل في جملة أحوال علائقية خاصة من علاقة فضاء الدلالة الذاتية والمرسل الملفوظي المنجدل في محددات مؤشرات التراكم الأحوالي في سياق النص شكلا وجوهرا.وعندما نقرأ إمكانية العتبة التواصلية في علاقة الأنا مع حوارية المرسل من شيفرة الدلالة الإيحائية،تواجهنا اسلوبية الوجدان المتعدد في صيغة وانطباع وإيقاع وصورة المكون الدلالي في النص،وصولا منه إلى جوهر المدلول الحسي وعلاقته الذاتية الخصبة برحم خطاب ذلك الآخر من واقع معادلة النص المتفرد في مكنونات أواصر الوظيفة الشعرية المؤثرة.
ـ أداة الارتباط العضوي بين الأنا وهوية الآخر.
تتنوع الأوجه المشكلة لقصيدة ديوان(قداحة العشق)بدءا من العنوان ثم إلى عتبة الإهداء وصولا إلى تصدير التوطئة المدخلية،وحتى مواجهة أوجه تشكلات المتون الشعرية للقصائد.من الملفت في نموذج قصيدة الشاعرة أحلام غانم،هو ذلك التحليق الجامح بالنموذج الوجداني ثم التوجه به نحو حالات الدفقة التصويرية النابعة من إدائية مؤثثات النص،وقد سعت قصيدة الشاعرة إلى تسخير كل إمكانياتها القولية الشعرية/اللغوية،في تكوين جنوحات العلاقة العضوية الدوالية في مساحة التفاعل النواتي وفي مضافات وتأهيلات النص:
تَلألأ فِي القلبِ وجهُكَ
يَحملُ عِطْرَ المَيَاسِمِ
يَرْقِصُ
يَنْظِرُ في عتباتِ الحقيقةْ
ترنَّحَ وجهُكَ
حينَ وجدْتُكَ ذاتَ ربيعٍ
حيثُ تدُبُّ الأمانِي
ويَسْترِقُ الوقتُ كُلَّ المصابيح
والفَلْسَفَاتِ العتيقةْ./ قصيدة :من مرثية العشق
تتشكل ملامح وروابط الصورة الحسية في القصيدة منذ اللحظة الأستهلالية من أيقونة القول الشعري ،إذ أن حالة التمظهر بأداة المعطى الأحوالي،تقودنا نحو بؤرة لحظة البلوغ في مفاصل الفاعل الشعري(تتلألأ في القلب)وهذا الأجراء في موجه الذات،راح ينفتح بالدليل الخطابي نحو أحتواء مساحة المعنى الآخر من تواصلية محمول الدلالة المرسلة في دائرة التكريس والتحقيق الحسي وفي حدود الصورة الاستجابية من طابع الجمل(في القلب وجهك..يحمل عطر المياسم..يرقص..ينظر في عتبات الحقيقة)التشكل الصوري المشتغل هنا على فاعلية الدفق الحسي،يتراتب وأفق حافزية متنوعة من المقام القولي وحضور أدلة الطاقة الوصفية في فهم الوعي الشعري من لدن متواليات السياق الملفوظي،فيما تذهب شعرية الصورة المتحققة في الأداء نحو علاقة الإيجاد والتقصي والبحث في متغيرات أحوال المعنى(ترنح وجهك..حين وجدتك ذات ربيع)الحركة في جملة هذه الملامسة الشعرية،راحت تكشف لنا عن مواطن شيفرات(الوجه الظاهر/الوجه الغائب)وذلك في تحريك فعالية الحساسية المتحولة في طاقة المقولة الشعرية(وجدتك ذات ربيع..على آخر الهدب)لاشك أن التشكيل الصوري في جملة الأداء،تقف على كيفية العلاقة الزمنية السابقة بذلك الآخر،إذ إنها تغالب في مقام القول(على آخرالهدب)بما تبقى من استجابة شعورية كانت على وشك النفاد من طاقة التشعير التوقعي(حيث تدب الأماني)بوصفها حركية العودة بعد استثمار مزايا الآمال والأمل في صيغة دلالة(يسترق الوقت كل المصابيح)إيذانا بحلول صورة الأستدعاء الوجداني بالمكان نحو صورة من المضاف المحدد في سياق أنحياز الأنا إلى فضاء توجهات الآخر في بواطن مذاهب الفكر والأفكار البينة من الحس الماضوي(والفلسفات العتيقة).
ـ فضاء النص وبؤرة تحاور السياق الحضوري مع الخارج الغيابي.
ويوغل تحول الحالات الشعرية في القصيدة،إلى حالة من جدلية الخارج والداخل المتحاورة، ثنائية الحضور والغياب المصوران في رسومية المتخيل،جعلتنا نتابع مسار موجودات الآخر المتداخلة بين المعلن الحاضر والمغيب في الخارج غيابا،تتابعا مع حدود اتصالية الرؤية والبحث عن دلالة فضاء ذلك الآخر المصور في أتون خلجات كينونة الشعرية ذاتها:
كمَا تُسْرَقُ المُقدَّساتُ
ويَنْكَسِرُ البحرُ
بُعْدُكَ يُغلِقُ نافذةَ الضوءِ
يَفْتَحُ أَجهزةَ الرّصْدِ
يَرْصُدُ كُلَّ الإشاراتِ
كُلَّ الفصولِ
يُقارِبُ
مَدَّ القَرابينِ./ قصيدة:من مرثية العشق
وتجسد اللغة الشعرية لدى الشاعرة الغانم،موقفا خاصا من الصورة الشعرية التفعيلية والمتفاعلة،لذا نجد جملة(كما تسرق المقدسات)إذ تحيلنا مرجعية هذه الدلالة نحو المفاصل الممتحنة بأفق المفارقة الفنية والتيه والخراب في محافل الأمم المحتملة،ويتجه الخطاب الشعري في الآن نفسه نحو أقصى غاية السؤال المفترض من معطى الإيحاء(وينكسر البحر)غير أن فضاء الكتابة يسلط الضوء على جملة التقارب في مبلغها المدلولي المرجح(بعدك يغلق نافذة الضوء)أرتباطا حيويا مع مدى استجابة العلاقة الدلالية والصفة المعطى من روابط دوال الانفتاح على مهيمنات الإحاطة بالقصد المتوخى(يفتح أجهزة الرصد..يرصد كل الاشارات..كل الفصول..يقارب مد القرابين)بعد أن تبلغ الصورة المفعلة إلى جميع جهات تحولاتها المقاربة بالمعنى المحتمل،نعاين أفق اللحظوية الذروية من أواصر علاقة الحاضر بمنظومة الغياب والغائب،إذ أنها تبدو علاقة متعقبة بالتقاط صفة ذلك المحور الغائب،مما راح يتضاعف في لغة الأشياء تحاورها المبطن والمعلن،لأجل رصد تواصل ذلك الأثر الحلمي في فؤاد العاشق الشعري:
ويَجْتَرُّهُ الضوءُ
في زمن المَحْو
في لحظات التَّشكّلِ
حينَ يرِنُّ التُّراب
ويغمره الحلمُ في قلبِ عاشقْ./ قصيدة:من مرثية العشق
لذا فإن المتبقي من فضاء قصيدة ديوان(قداحة العشق)هو القراءة الابعادية في أشكال التصريح بالمخاطبة الأنثوية وفتح شيفرات القصدية ما بين دلالة الأنا ومؤشرات الصورة الأحوالية،وذلك من مقام مستوى حالات الشاعرة الخاصة،بوصفها ذلك التمحور في دلالات بناء وتشكيل مكونات اللحظة المحاورة والمتحاورة في خارطة موصوف القصيدة.
ـ شعرية التركيز الدوالي وآنوية بلاغة الحواس المتراسلة.
في متواليات أشطر قصيدة(قداحة العشق)يواجهنا البديل اللغوي المتفاعل وخصوصية (الذات/الآخر/مسافة الرؤية)فتتكون لنا بذلك سيولة أداة الوصف اللغوي المجمل،بما يلاءم أوجه بلاغة الحواس الشعرية لدى مشروع الشاعرة،على خلق مرحلة حقيقة وأكثر رقيا من سمو خطاب ضمير الأنا الواصفة:
نعم أنا عصفور الحياة أسائلُ
على الرَّغْم ما أخشاه ما أنا سائلُ
وَلي بَرزَخٌ ما بَينَ شَطْرَي قصيدَتي
وَدونَهُما لِلسالكينَ فَوَاصِلُ./قصيدة :في ماء الأنوثة
يتجول دال(أنا عصفور)في شرنقة مقايضات السؤال والمساءلة الكشوفية في مجال حضور أنا الشاعر المتفرد في طرح غايات المساءلة ذاتها وبذاتها،وعلى النحو نفسه تبقى جملة القصيدة،تضيف في مكامن دوالها الموظفة حال الكشف عن رؤيتها المتصورة بألالتفات إلى سلطة الضوء المهيمنة في أدراج فعل التكثيف الذاكراتي المستأنف بموجهات القصيدة(ولي برزخ ما بين شطري قصيدتي)تتوجه الذات الشاعرة بالمخاطبة إلى الكشف عن الأغراض المضاهية في علاقة الرؤية التلاحمية للذات ومحمولاتها،وصولا إلى لحظة الإكتمال الوجداني من على صعيد حالات معادلة الأنا/الآخر،(ودونهما للسالكين فواصل..فكن بي وما هو من الوجد والجوى)والأمر نفسه ينطبق على الأسطر اللاحقة من القصيدة،حيث تتوزع حساسية قصائد ديوان(قداحة العشق)مابين قصيدة الفؤاد الوجدانية وقصيدة الإيحاء بالنص القرآني كحالة استلهامية خاصة،كقصيدة(صوت القضاء)وقصيدة(من قيامة الروح)وقصيدة(يازهرة القدس)وقصيدة(يا نيل الهوى)وقصيدة(إليك قد أبتهلت)وقصيدة(قداحة العشق)وقصيدة(يا من هو بقلبي)وقصيدة(يا نجم الهدى)وقصيدة(كن خمرة الحب لي)وقصيدة(حريق الأمنيات)وقصيدة(لله درك كم أعشق).
ـ تعليق القراءة:
ينفرد ديوان(قداحة العشق)للشاعرة الصديقة أحلام غانم بذلك الانفتاح التنويعي في فضاءات الموضوعة الشعرية المشحونة بدلالات تفاصيل(قصيدة الحماس الوجداني) وسيرتها المحكومة بالحلم وأرق تعميق الأحساس بروح ذاتية ولغة الأشياء من حولها وبأدق أدق تفاصيلها..قصيدة مشروع(قداحة العشق)مجموعة تجليات الخصوصية الدلالية المكرسة بدوافع المخاطبة واستحضار محاور وصور وحالات والمداليل بأتجاهات منظومة الشاعرة الوصفية والبوحية عن قلق آنويتها الشريكة مع حيز دائرة المفردة الشعرية المنغمة والإيقاعية والمفعلة ببحور الأصوات الملفوظية المعادلة في مواضع الخطاب وتراتب الخارج والداخل مع فعلية الصوت الشعري الواحد،فيما تستعين الذات الوجدانية لدى أحلام غانم،بما يتكشف لنا من معطى حلمي،راح يتعامد ويفاعل مع اطارية الفكرة المكونة في مساحة الشيفرة القصدية المنقسمة ما بين دلالة الأنا ومؤشرات الصورة الأحوالية من جسد وبيئة وطقوس حدود الفعل الشعري المكثف والمضاعف في عوالم شعرية شرارة قداحة العشق:
يا بحرُ صوتي أعلى مِنك فضَّاحا
أشكي لِليلي وَما حُمّلتَ مِصْباحا
وَفيضُ شوقِكَ يَخبو خلف شاطئه
وَفيضُ حُبِّي يَبقى العُمْرَ صَدَّاحا ./قصيدة: قداحة العشق