وقائع التاريخ العراقي تجيب على هذا السؤال بالنفي !
فتاريخ العراق قبل قيام الثورة حافل بالعديد من هذه المحاولات من طلاب السلطة والجاه والمغامرين.
فأول انقلاب عسكري عراقياً ( وكذلك صنف الأول عربياً ايضاً ) قاده الفريق الركن بكر صدقي ( 1886 – 1937 ) ذو الميول القومية عام 1936, تكلل بإزاحة حكومة ياسين الهاشمي ومقتل جعفر العسكري. وثلاثتهم المذكورون كانوا ضباطاً في الجيش العثماني المنحل.
الملك غازي نصبه بعدها رئيساً لأركان الجيش بدلاً من طه الهاشمي. ثم سيطر لاحقاً على مقاليد البلاد تماماً بعد هروب نخبة السلطة المقربين من القصر الملكي من امثال نوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي الى خارج البلاد.
جرى اغتياله في الموصل وهو في طريقه الى تركيا للمشاركة في مناورات عسكرية هناك, وقد قيل ان عملية الأغتيال مدبرة من قبل العقيد فهمي سعيد ( الذي شارك لاحقاً في حركة انقلاب رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ) والضابط محمود خورشيد, ببصمات استخباراتية بريطانية.
عملية اغتياله هذه كانت بمثابة الأنقلاب الدموي الثاني في التاريخ العراقي.
كما يمكن اعتبار الموت المفاجيء للملك غازي بن فيصل الأول ( 1912 – 1939 ) في حادث سير , انقلاباً ايضاً, بسبب التكهنات التي دارت حول احتمال تصفيته من قبل نوري السعيد والأنكليز, وتناقض تشخيص الأطباء الذين عاينوا الجثة مع تقرير اللجنة الطبية الخاصة برئاسة الطبيب البريطاني سندرسن. وشكوك بعضهم في طبيعة اصابته التي قد تكون بآلة حادة على مؤخرة رأسه وليس بسبب الأصطدام بعمود كهرباء… اضافة الى الأختفاء الغامض لخادمه المرافق.
اعتبر مؤيدوه من العراقيين الحادث انقلاباً مدبراً من قبل اخ زوجته عبد الأله ذو الميول الأنكليزية, بسبب ميوله القومية العربية ومناهضته للانكليز باعتباهم ناهبين لنفط البلاد وآثارها, وظهور اولى بوادر تقاربه مع المانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية, وانشاءه اذاعة تشيد بالنازية في قصر الرحاب نكاية بالأنكليز.
الأنقلاب الأشهر كان بعد تشكيل السياسي المعروف رشيد عالي الكيلاني ( 1892 – 1965 ) حكومة ” الأنقاذ الوطني ” اثناء الحرب العالمية الثانية بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية ومحاولته إقصاء الوصي على العرش عبد الأله بن علي (1913 – 1958 ) المقرب من الأنكليز وتنصيب الشريف شرف وصياً على العرش بدلاً عنه. وهرب الأول الى خارج البلاد.
وكان رشيد عالي الكيلاني ومجموعة العقداء الأربعة, المقربة منه, صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ( المشارك في اغتيال بكر صدقي ) ومحمود سليمان وكامل شبيب, معروفون بمعارضتهم للأحتلال البريطاني للعراق وبميولهم القومية العربية, وانحيازهم لدول المحور ( المانيا ايطاليا اليابان ) ضد دول الحلفاء ( بريطانيا المحتلة للعراق وامريكا والاتحاد السوفيتي… ). حيث انتشرت الدعاية النازية في العراق وحصل حينها ما يسمى ب” الفرهود ” والأعتداءات على مواطنينا اليهود.
وقد زار رشيد عالي الكيلاني بمعية الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس برلين حينها, وقابلا الفوهرر النازي ادولف هتلر.
عودة الوصي عبد الأله ونوري السعيد الى الحكم انقلابياً بتدخل عسكري بريطاني مباشر لصالحهما, واجهاض حركة رشيد عالي الكيلاني وهروبه الى الأردن واعدام رفاقه العقداء الأربعة, لتثبيت مواقع قوات الأحتلال في البلاد.
السمة المميزة للأنقلابات العسكرية التي تبرر غالباً سبب تدبيرها بأنه كان استجابة للأرادة الشعبية الساخطة على وضع معين, لكنها تخفق في تحقيق تغييراً حقيقياً في طبيعة النظام, فهي لا تضع في حسبانها قضية تحسين ظروف واقع الحياة الأجتماعية والأقتصادية لصالح من تدعي قيامها لأجلهم بل مجرد الهيمنة وركوب الكرسي, فقد بقيت مؤشرات الفقر والأمية وانتشار الأمراض بأعلى مستوياتها مع تغول الأقطاع ضد الفلاحين المعدمين وعسف السلطات ضد المعارضين والفتك بهم.
لقد كانت ثورة تموز 1958 نفسها ضحية انقلاب دموي فاشي دبرته المخابرات الأمريكية والبريطانية بدعم من شركات النفط الأجنبية وقوى الردة المحلية من اقطاع محلي ورجال دين رجعيين والطابور الخامس في السلطة, المتضررة من مواقفها الوطنية والتقدمية والتغييرات الأقتصادية الأجتماعية العميقة التي أحدثتها في كل مجالات الحياة العراقية, رغم قصر عمرها.
ولكل من يحاول ادراجها في خانة الأنقلابات العسكرية التقليدية الفوقية, فأن مايدحض ادعائاتهم ويؤكد كونها ثورة هو قيامها على أساس تآلف وطني مدني ( جبهة الأتحاد الوطني ) – عسكري ( الضباط الأحرار ), اضافة الى كمية ونوعية انجازاتها وسعة التأييد الشعبي العارم لها, ومستويات الحقد والضغينة السوداء التي اعتملت في صدور اعدائها, وحجم التضحيات الجسام التي قدمتها القوى الشعبية بعد التآمر عليها واسقاطها في 8 شباط الأسود.