*بعد أن عبث فيروس الكورونا بكوكبنا وغير أشياء كثيرة وزاد التوترات والاحتقان السياسي والبؤس الاقتصادي والمعاناة الانسانية، فقد تبين ان له فوائد عديدة تكمن في التباعد الاجتماعي المفيد وتجنب العدوى ولبس الكمامات ومراعاة النظافة والتعقيم المستمر، وربما تأخير واعاقة تنفيذ صفقة القرن ومشاريع الضم الصهيونية نظرا لتداخل الاولويات وظهور خلافات حادة وانقسامات داخلية في البيت الصهيوني، وعدم موافقة معظم دول الغرب على خطط الضم لمصلحة الكيان المحتل الاستيطاني في المستقبل، وكذلك لانشغال أمريكا ترامب الداعمة بقصص الجانحة وفشلها بمعالجتها، وكذلك صراعها الخفي الحاد والمعلن مع الصين وايران… ولتضارب وجهات النظر فيما معظم العرب بحالة “نيام نيام” وبعضهم يتواطىء حتى خفية وعلانية مع المحتل الصهيوني الغاشم بلا حياء او خجل فتبا لهم وانشاء الله يحشرون في الجحيم المستديم مع النتن وعصابته! …وقد أجج الصراع الخفي والمعلن بين أمريكا والصين، واثبت فشل معظم دول الغرب بالتعامل مع الجانحة وقد أثبتت دولة شرق اوسطية صغيرة هي الاردن تحديدا براعتها الجلية وحنكتها بالتعامل مع الفيروس المرعب وتداعياته العديدة وهي قادرة بالتاكيد على اعطاء الدروس العملية لدول كثيرة تتشدق بالرعاية الصحية وما يلزم هنا هو الثقة بالنفس وترويج نجاح التجربة الاردنية العتيدة بانحاء العالم بلا تردد وخجل…وقد وصلتني رسالة غامضة من كائنات فضائية تعتذر فيه عن زيارة كوكبنا حاليا وتؤجل الزيارة للعام 2025، وتطلب بالمقابل أن نزورها بموطنها البعيد ان امكن….فهل ستؤخذ رسالتها على محمل الجد ونستعد لها ؟!
*أحضر ابني الجامعي النبيه سلحفاة عجوز مشردة لسطح منزلنا وانقذها من عبث الاولاد والشوارع وعدوانية قطط المزابل وكانت صدفتها الخلفية مهشمة ومغبرة بالكامل وتعاني من اكتئاب شديد وربما لم تأكل شيئا طوال أيام بينما تبرزت بسخاء على جريدة يومية على طاولة المطبخ… ثم اشتريت لها حبيبات ألمانية مغذية جافة خاصة فلم تتناول أي منها، وفجاة وبعد أكثر من اسبوع من الصيام والحرد والتجول الفضولي بأرجاء سطح المنزل والمنزل، استعادت نشاطها وتناولت بشهية بقايا الخضروات وابندورة الطازجة وبعض الفواكه الرطبة كالفراولة والمشمش واعجبت بمنطقة السطح المزروعة بالقوارير وأصبحت تسرح وتمرح وتخرج رأسها فرحة، وقد افاد تاجر حيوانات اليفة بأن هذا النوع معرض للانقراض بيئيا ولا يسمح الاتجار به ولكني ما زلت أخشى الصبية الغرباء اللذين سبق وسرقوا أرنبين بلا رادع: فتبا لمجتمعنا الذي لا يحترم عموما هذه الكائنات البرية الجميلة، حيث ترى احيانا بطل مغوار وهو يلتقط صورا بجانب جثث كائنات برية مفترسة وافاعي برية ويتباهى بقتلها علنا…ثم أولاد يتباهون بايذاء القطط ويصيدون الطيور والحمام للتسلية لا غير!
*استغليت “حبسة الكورونا” القصرية فطالعت عدة روايات محلية وعالمية ومنها “باولا” لايزابيال الليندي التشيلية (التي تتحدث فيها عن ذكريات معاناة ابنتها الصبية مع مرض مزمن قاتل اودى بحياتها) ، فوجدتها تحوي نفسا عالميا موسوعيا عميقا وبعدا ابداعيا وصفيا شيقا وصراحة كاشفة، ومنها قصة تعرضها لعدوان وتحرش جنسي برضاها على الشاطىء وهي في الثامنة من عمرها، وقلما يتميز معظم الروائيين العرب بهذه الصراحة اللافتة حيث يميل معظمهم ومعظمهن للتلفيق والاخفاء والتظاهر وربما الكذب فيما يختص بذكريات حياتهم وحيثيات سردهم “ثقيل الظل” المفبرك، وقد طالعت أيضا رواية “قصر الشوق” الضخمة لنجيب محفوظ فوجدتها تتضمن سردا وصفيا واقعيا وحكما مجازية متناثرة، وشعرت أنه ربما يضطهد المرأة مجازا بطريقة السرد عنها ومن ضمن ذلك تركيزه على الروائح النتنة التي تصدر عن النساء وكأن الرجال بالمقابل ملائكة معطرين، كما بطريقة تبجح أبطال روايته بمغامراتهم النسائية المتعددة وباسلوب حديثه عن العاهرات وقمع النساء الفاضلات في نهج يحفل بالباطنية والتفاخر والادعاء والطبقية ومكونات “الكيف” والتفلسف…والحق أني وجدتها رواية جذابة وطويلة وربما احيانا مملة لكثرة التكرار، ولكنها لا تستحق هذا التنويه بالعظمة السردية كما يقول ناقد فرنسي معروف والله أعلم..وقد شعرت بواقعية نجيب محفوظ الفذة وكأنه عاين حيوات هؤلاء الأشخاص اللذين تحدث باسهاب عن نمط علاقاتهم وأدق تفاصيل حياتهم، واعجبت بروائي فرنسي متخصص بقصص الجريمة عندما ادعى بانه يعاين ادق تفاصيل المناطق التي يتحدث عنها برواياته الشيقة لمدة شهر عالأقل، فيتجول بالأرجاء ماشيا وعلى دراجة هوائية ويتفقد جغرافية المنطقة ويتحدث للاشخاص ويعايش المجريات اليومية قبل ان يقدم على الكتابة البوليسية الشيقة التي تبدو حينها واقعية، فقارنت ذلك مع بعض الكتاب العرب والكاتبات المتحذلقين والمتحذلقات الساعين لنيل جوائز أدبية لا يستحقونها وهم او هن يكتبون او يكتبن عن السودان وافغانستان وجزر الواق واق دون أن يزورونها ويعرفوا جغرافيتها وطبيعة سكانها!
*اعجبتني الصين بنشرة الأخبار التي تناقلت خبرا عاجلا بقيام الصين باصدار عقوبات على أربع مسؤولين جمهوريين أمريكيين مقابل عقوبات جديدة فرضتها أمريكا على الصين بحجة اضطاد أقلية الايغور المسلمة…هكذا بدأت الصين بشجاعة بوضع نفسها ندا لأمريكا الدولة الامبريالية الطاغية التي تفرض الشروط والعقوبات على كافة دول العالم التي لا تخضع لشروطها وهيمنتها الاستفزازية…. وكأن أمريكا تهتم بالاسلام والمسلمين عموما وهم فقط يدعمون هذا الأقلية المتطرفة لاستخدامها كأدوات عقائدية وظيفية اخري في دول أسيا الصغرى والشرق الأوسط ومنها تدمير سوريا تحديدا وقد ذكرني دعمهم المزيف لهذه الأقلية المتعصبة البلهاء باستقبال ريغان اليميني المتطرف في الثمانينات لزعماء طالبان لدعمهم وحثهم عى محاربة السوفيت بافغانستان حينئذ وهم الآن يتفاوضون معهم…ولو واجهت امريكا عقوبات مماثلة من دول اخرى كروسيا مثلا لما تجرأت عليها بهذا الشكل السافر المخزي ناهيك عن معظم الدول العربية (الممانعة خصوصا) وايران التي تتلقى يوميا عقوبات مؤذية واستراتيجية ولا تتجرأ بالمقابل على طرح الحد الأدنى من العقوبات الذي يمكن أن يتمثل بحده الأدنى بمنع زيارة المسؤولين الأمريكيين المتبجحين من زياراتهم الاستعراضية.”الاستقوائية”..حيث يبدو أن الجبن والتجابن والازدواجية وقلة الشفافية والروح الانهزامية هي العناصر المهيمنة في العلاقات الدولية البائسة والغير متوازنة ولا بد من الثناء على كوريا الشمالية حصريا التي وضعت نفسها ندا للسياسة الأمريكية الاستقوائية الظالمة…كذلك استغرب كثيرا تجابن سوريا وايران تحديدا عن مواجهة الاعتداءىت الاسرائيلية المتواصة منذ سنوات على سوريا وكأن الأمر لا يعنيهم حتى تمادت اسرائيل وامريكا أخيرا بهجوم سافر سيبراني متعدد داخل ايران وفي عدة مواقع دون ردود مقابلة فاعلة وهذا بالحق مخجل وانهزامي!
*تخليت عن مزاعمي الأخلاقية وانغمست في عقلانية سببية وسعيت لاسترخاء طويل واستكانة عميقة وقناعة مؤكدة بانه لا شيء سيتغير وسيبقى كل شيء وكائن على حاله مهما بذلنا من جهود عبثية…ثم مللت من قصص التأمل والتنويم المغنطيسي وقررت ان أقبل كل شيء وأقرا بانظام واسترخي وانام منتظرا تطورات الأشياء بلا حماس…وحلمت بلا معنى بشتاء “نووي” طويل أثار قصته العالم المتبصر الاستعراضي الدكتور العظيم “غزال”، فآتاني ملاك النوم الساحر وطلب مني حماية نباتات الأرض ومنها نباتات قوارير سطح شقتي بواسطة “صوبة زجاجية عملاقة”، ثم تعرفت بالصدفة على عالم نفسي مضطرب فطلب مني مرافقته في رحلة الخلاص الفضائية، فرفضت باصرار، فحذرني من مغبة هجوم حشرات مسخية ضخمة كبيرة لكوكبنا كتكملة “منطقية-سيريالية” لانطلاق جانحة الكورونا، ووجدت نفسي استيقظ وانا اتصبب عرقا واهذي: أجل انه استهلال كابوسي للخمس الثاني من القرن الحادي والعشرين، فلعنت الغفلة والغباء، وانغمست في تيه وشرود، فصاحت صديقتي الافتراضية الجميلة: ستحدث أشياء غير معقولة، فعد للمتنبي وشكسبير، ولكنك مزعج وهامشي ولا يحق لك التعبير، فاصمت واترك الكتابة للمحترفين المتحذلقين المبدعين النرجسيين المتعالين …فتذكرت حينها بعض المصلين المدمنين المتأسلمين في المساجد، فيتخيلون أنك تصلي الجمعة استعراضا وتظاهرا بدون موافقتهم، فيرمقونك بنظرات فاحصة كريهة وكأنهم يقولون مجازا: المسجد لنا وكذلك فالله لنا فلا تدعي انك تصلي ايمانا فاترك هذه الصلاة وغادر المسجد فورا!
*وعلى نفس السياق فلماذا لا اترك الطعام للنهمين المترهلين المفجوعين والشراب لأصحاب الكروش الضخمة مدمني الكولا والبيرا والعصائر المحلاة..لكن شيء واحد لن اتركه: التفكير والشرود والتامل والصمت البليغ، فلا احد يملك الحق بمنعي من ممارسة هذه العادات النبيلة الصامتة، وحتى الطرب سأحاول ان امنع نفسي عنه وان كنت اعشق روائع الموسيقى والاغنيات والأصوات الجميلة الصادحة، فسأترك كل ذلك لمحترفي حضور مهرجانات الموسيقى والغناء الصاخبة وقنوات الطرب المتلفزة…حيث الضجيج قد يغلب احيانا على متعة الاصغاء والاستمتاع والطرب، فترى الكل يرقص ويغني ويتمايل…
*صدر لي هذا العام كتابان لافتان احدهما ببدااية العام من دار نشر مصرية شهيرة، وبدا لي الناشر “نمرودا وساديا ولئيما” فهو لم يلتزم ببنود العقد ابدا سواء بموعد الاصدار ولا بارسال النسخ الورقية للمؤلف ولا بالمكاشفة المالية المطلوبة والشفافية وشعاره “بلط البحر ان كنت تقدر” علما بأن موضوع الكتاب الموسوعي شيق وفريد وهو يتناول أدب وتقنيات وسينما الخيال العلمي ويتم تسويقه حاليا الكترونيا بنجاح ملحوظ…وقد حرمني من متعة اشهار الكتاب فتبا له لكني سررت لظهور اعلانات الكتابين (المقصود أيضا كتاب النجم الساطع للجودة العصرية) على المواقع الألكترونية وعلى مواقع تسويق الكتب ولمقابلة حصرية اجرتها معي الاذاعة الاردنية للحديث عن الكتاب كما لمتابعة عالم فلكي مرموق يطلب تقديم نبذة مختصرة عن بعد للكتاب، ثم صدر لي في بداية تموز الحالي كتاب آخر في الجودة الجديدة الاستشارية من دار نشر “اربدية” محلية، ولا أريد ان أقول “الحال من بعضه وأستبق الامور” وأكون متشائما، فسوف انتظر وأصبر فعسى ان تختلف الامور هذه المرة باتجاه ايجابي فصبر جميل وبالله المستعان، طبعا فقد تحملت في الحالتين تكاليف الاصدار من جيبي بلا أي دعم وعلاقات، واتذكر بعمق وطرافة وحذرتعليق صديق مبدع: احذر الناشرين على نمط احذر النشالين!
*أحب ان اتماهى مع حفيدي الجميل ذي السنتين، فأنا اجده اكثر المخلوقات جاذبية على وجه البسيطة، وانا شغوف به واشعر بانه معلمي وملهمي!
*في الخلاصة وبعد زمن الكورونا فسابقى محافظا على التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات والقفازات وقبعة رأس رياضية سوداء تزيدني تمويها، كما سأقلل من الكتابة والتفلسف وأزيد من هواية المطالعة المتنوعة العميقة، وسأكتفي بالمعتدل من الطعام والشراب وبالمزيد من التأمل والصمت والشرود والبحلقة والسخرية، ثم ساتقبل الجميع كما هم وأتجنب المساءلة والنقد واللوم والشكوى…ثم سأتخيل نفسي مختفيا في كوكب فضائي صحراوي بعيد وانا اركض لاهثا وهاربا (عارجا) من كثبان رملية هائلة تلاحقني بلا هوادة!
كاتب اردني/فلسطيني مقيم في الاردن