كثيراً ما تتأثر قناعات الناس بما يقوله الكتَاب والإعلاميون خصوصاً من جيل ما قبل وبعد البعث، دون تكليف انفسَهم عناء البحث والتحري عن مصداقية المعلومة والغايات التي تقف خلف نشرها. أُبْتليَتْ الساحة العراقية بنماذج من إعلاميين وكتاب يَرَوْن نقلَ الحقيقة والمرضوعية والمصداقية من أسباب تراجع الوهج النخبوي وتضائل نجومية الفرد، فيعمدون لإثارة الشبهة والبحث عن خبر “المفاجأة” الذي ينعكس لمصلحة الذات في زيادة اعداد القرَاء والمتابعين خصوصا في زمن التواصل الاجتماعي وكثرة الفضائيات ذات التوجهات الفكرية المختلفة.
من بين تلك الاسماء التي ينطبق عليها الوصف السابق المدعو “حميد عبد الله ” صاحب قناة وتلك الأيام_ الذي دأب على تتبع حوادث تخص الشان العراقي في القرن الماضي، وآثار بعض الشخصيات العراقية ذات التماس المباشر وغير المباشر مع تلك الأحداث.
لا تهمنا الصورة التي يسعى حميد جاهداً لأن يكون عليها، فهي مكشوفة للمتابع بالرغم من تمثيله دور الناقل المحايد، فهو من خلال طريقة طرحه لمختلف المواضيع يثبت لمتابعيه الحكم بعدم حياديته وميله لجهات معينة حتى وإن كان لها دور سلبياً في تاريخ العراق.
هذا المؤلف العتيد في إحدى حلقات برنامجه تطرق لمسيرة الشهيد مهدي الحكيم نجل مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم قدس مدعياً تواصله مع الطاغية صدام!
دليله على ذلك وجود مراسلات خطية وشفهية بينه وبين رأس النظام دون تقديم ما يؤكد ذلك.
النقل الموضوعي والهادف يحتم عليه تقديم ما يثبت صحة ادعاءاته، وعليه فإن حميد غير مطالب بشيء من ذلك كونه ومن خلال المتابعة الدقيقة لكلامه قدم اهم الأدلة لديه لاثبات علاقة الشهيد الحكيم بصدام والتي كانت عبارة عن “كلمات” يدعيها هو “وتخمينات” لا ترقى إلى مستوى دليل.. فكيف لمفردات بسيطة ان تثبت حدثا يهتز له وجدان المواطن العراقي الذي عرف عن مهدي الحكيم مالا يستطيع انكاره حميد عبد الله ولا من يقف خلفه، فكلمة(حسب تصوري، كما يبدو، اعتقد، اظن، قيل ) كلها إشارات بسيطة عاجزةعن تحقيق ما في نفس هذا الدعي.
الشهيد مهدي الحكيم يقيمه من عرفه عن قرب، إذ أجمعت مختلف الشخصيات العراقية ومن مختلف الانتماءات انه كان مخلصا لوطنه مجاهدا عن مبادئه محبا لشعبه عالما عاملا واعيا صادقا في تعامله، يكاد من يلتقيه لايرغب في مفارقته لدماثة اخلاقه وحسن معاشرته وانبساطه لجليسه، بعلم وادب وخلق حسن واهتمام بمعارفه وجلسائه مع نباهة وفطنة وود ونزاهة، ندر ان تجد امثاله في صدق تعامله وواقعيته ودقة تحليله للواقع الذي يعيشه مع احترامه للعلماء وخاصة العاملين منهم.
اغلب معارضي الأنظمة السابقة تعرضوا لاغتيال واحد بدأ بتخطيط محكم، وينتهي برصاصة حقد او جرعة سم او حادث سير مفتعل، الا الشهيد مهدي الحكيم الذي يبدو ان قضيته لا زالت طرية ومواقفه الصلبه التي كشفت زيف البعث وخداعه لا زالت تقض مضاجعهم، فعمد اذنابهم لنكأ جرح الحكيم الدامي الذي بدأوه باغتيالٍ معنوي حين الصقوا به تهمة العمالة والتجسس للمخابرات الأجنبية، وهم بتلك التهمة لم يقصدوه بشخصه فقط، بل أن مقام ابيه السامي كمرجع اعلى للطائفة كان الهدف الاهم، الذي ظن هؤلاء انهم بتحجيم دور مرجعية السيد محسن الحكيم سيتسنى لهم الإجهاز على المرجعية والقضاء على نورها الوهاج.
بعد ان خاب سعيهم ورد الله كيدهم وفشلوا في إقناع ابناء الشعب بتهمتهم المزيفة، بادروا لإغتياله ماديا بتوجيه رصاصات غدرهم الى جسده الطاهر في أرض الغربة اسوة بمن سبقوه من أجداده الميامين، وهو على بصيرة من امره وعدالة قضيته.
بعد كل تلك السنين وما مر به البلد من أحداث يطل علينا من بوابة السوشيل ميديا واحدا من ذيول البعث ليتبنى عملية الإغتيال الثالث، لكن هذه المرة بعدا عن دهاليز المخابرات وغرف التخطيط المظلمة بل على مرأى ومسمع من الجميع ليدس لمتابعيه سماً مع العسل، بعد ان اوصلته قناعاته التي كانت اهم حجته فيها هي قوله(على ما يبدو) حين اكد على وجود مراسلات بين الشهيد مهدي الحكيم الاخ الشقيق لعشرات الشهداء من أسرة آل الحكيم، وصدام الذي بنى مملكته على أشلاء تلك الاسرة وآلاف الضحايا من ابناء الشعب العراقي، فهذا لعمري هو المضحك المبكي على سوء النية وانعدام الضمير وخبث السريرة، التي كان عليها حميد عبد الله والذي سينال اعجاب ورضى كثير من متابعيه، خصوصا بعد وضع إصبعه على ما يعد كلاما يتجاوز الخطوط الحمر، فمهدي الحكيم ينتمي لمدرسة تضاءلت وانحسرت أمام عظمتها جميع المسميات بأبعادها العقائدية او السياسية كونها مصداقا للضد النوعي الذي يرغم منافسه ان يتصاغر امام حجم التضحية والإخلاص الذي إتخذه منهجاً.