يذكر السيد صن تسو وهو جنرال صيني وخبير عسكري وفيلسوف، ذاع صيته بسبب عبقريته العسكرية التي اشتهر بها، وكتب مجموعة من المقالات العسكرية الإستراتيجية، حملت اسم كتاب فن الحرب ، وفي معرض حديثه عن القائد، “القائد يتحلّى بخصال الحكمة، والصدق، والتسامح، والشجاعة، والصرامة”، في حين يقدم ميكافيلي في كتابه الامير مدخلان لكي يتم سيطرة القائد على الشعب من خلال :
1. مدخل الحب ، والذي يعتمد اسلوب الحب والاحترام كاساس القيادة .
2. مدخل الخوف، فيه يتحكم القادئة بهذه العلاقة وباستطاعته ان يسيطر بقوة الخوف على الجماهير.
نعم ، ان اعتقاد ميكافيلي هو الذي يطبق حاليا في حكم البلاد، واستطيع ان اجزم ان المدخل الثاني هو السائد، اما نظرية صن تسو فهي تعود الى حقبة الفرسان النبلاء، نعم يا صديقي تسو، ان الحكمة والاخلاص والصدق والتسامح والشجاعة والصرامة ، لا تستطيع ان تجدها مجموعة في فرد واحد، نعم يمكن ان تجد بعضا منها، غير انك من المستحيل ان تجدها حاكمة الان، وانا اعتقد ان الجماهير يقع على عاتقها السواد الاعظم من الاسباب التي دعت الى طغيان رأي نيقولا ميكافيلي على راي صن تسو، فان الشعوب وبعد المعاناة والقهر والحرمان ، اضافة الى سيادة المادة على الروح في كافة نواحي الحياة وبالاخص على العلاقات الاجتماعية بين الافراد، حتى العلاقات الاسرية، ادت وبطبيعة الحال الى سيادة الفكر المادي على الروحي، وانا لا اقف موقف العداوة والبغضاء للمادة، بل انها تمتلك اهمية قصوى في الحياة، ولا يمكن ان للحياة ان تستمر بدون الاسباب المادية، لكن طغيانها على الروح يؤدي الى ان البشرية تتجه نحو الجمود العاطفي والروحي.
اقول ان الشعوب (على الاعم الاغلب) لا تبحث عن خصال الفرسان في قياداتها، بقدر ما تبحث عن عامل الخوف لتجد ملاذها في الطغاة والمستبدين ، الذين يعملون على وضع الحطب في نار الخوف التي تستعر في قلوب الشعوب المقهورة، والتاريخ يعتبر اكبر مدرسة كونية والذي لا يراجع تاريخ الشعوب على مر العصور لن يكون قادرا على فهم حقيقي وواقعي لمجريات الاحداث في العالم الان وفي المستقبل القريب.
فعلى مر العصور ، وبالاخص تاريخ الحروب، دائما يكون ناقل الاحداث هو الطرف المنتصر، فتجد ان المنتصر يحاول ويصور ان المهزوم هو الباطل وهو الحق، كما الذي حدث في الحربين الكونيتين (الاولى والثانية) ، فهل ان الحلفاء هم الحق ، ولا اقول ان المانيا (القيصرية او النازية) هي حق، ولكن مجازر ستالين ومجازر جيش العم سام لا تزال اثارها في البلدان التي دمرها هولاء المنتصرون (قتل ، تشريد، نهب ، اغتصاب ….الخ)، وعلى الرغم من ذلك تجد ان الشعوب وخاصة الاجيال المتاخرة تؤمن بان الحلفاء يحملون اخلاق الفرسان.
التاريخ يعرض لنا عدة حقائق واشارات لكن القليل منا يفهم ويمتلك وعي لكي يدخل في اعماق تلك الحقائق ويحلل تلك الاشارات، فعلى سبيل المثال، متى دخلت الولايات المتحدة الحرب، الجواب بعد مهاجمة بيل هاربر من قبل القوات اليابانية، اذن الاجدر بالعم سام مهاجمة اليابان فقط، والمانيا النازية لم تكن العدو للعم سام، غير ان عامل الخوف (وحسب اطروحة ميكافيلي ) ادى بالفكر الجمعي ان يشن حرب على المانيا ، ومن بعدها يقوم بعملية سلب ونهب لجميع المصانع الالمانية ونقلها الى امريكا (يعني حواسم العم سام) ، واذا ما تبحرنا في التاريخ والحقائق التي تشير اليها كتب المؤرخين (المنتصرين)، نجد ان هناك العديد من الاشارات التي تؤكد بما لا يقبل الشك ان المنتصر ما هو الا هتلر بثوب واسم اخر.
عام 1980، وتحديدا في بداية العام الدراسي ، وفي حفل داخل الجامعة المستنصرية ببغداد، حدث انفجار استهدف المقبور (طارق عزيز)، وخلال ساعات قلائل تم تحديد المهاجمين وتسميتهم ممن ينتمون الى (حزب الدعوة الاسلامي) وظهر الملعون صدام في احدى مشافي بغداد، واحدى الطالبات الممدة في ردهات المشفى تطالبه بالقصاص من ايران .
وفي نفس اليوم جرت عملية مداهمة كبيرة في مدينة الثورة والشعب ، اعتقل على اثرها اكثر من 150 شخص اغلبهم من طلبة الجامعة المستنصرية، عامل الخوف استخدمه حزب البعث لكي يعمل على التفاف الجماهير حول قيادة الطاغية المقبور.
هذا الامر يتكرر مرة اخرى، 2020، عدة عوامل من الخوف والعوز والفقر والضياع يعيشها الشعب العراقي، حيث وصل الامر الى ان الحكومة تعطي امر بصرف راتب استحقاق موظف يقابل هذا الامر بالفرح والتهليل وكانه منحة من الحكومة او كان الحكومة فعلت وقدمت شي ما اعجازي للشعب، افتعال الازمات ومن ثم حلها بطريقة دراماتيكية وكان الحاكم هو صاحب العطف الابوية، تصريحات صورية وللاستهلاك الاعلامي ، تجعل من المواطن البسيط يؤمن ويعيش حالة من الفرح والامل بهذا القائد ، والذي يؤدي الى ترسيخ فكرة ان هذا هو القائد الضرورة، قائد المرحلة، قائد سيجعل العراق حرا ويجعل شعبه يعيش حالة من الرفاه والطمأنينة.
اقول ان الشعب بحاجة الى وعي اكثر وفهم اللعبة بشكل صحيح، فان ما تم بنيانه على باطل فهو باطل، بيتك اذا اقمته على اساس متراخي وغير دقيق ، فتاكد مهما كان الظاهر جميلا فانه سوف يقع على راسك وتجر حصرات الالم والندم، فلتكن تجربة حكم صدام والبعث خير دليل على ضرورة ان نستخدم الوعي والنظر ابعد من اقدامنا.
نعم هذه اشارات واللبيب بالاشارة يفهم ، البقية في المقالات القادمة ، اذا بقيت في الحياة.