القسم الثالث عشر
لعلنا نتذكر قول ( بريمر) من أين جاء بأعضاء مجلس الحكم وغيرهم ، ثم إعتراف معظم أعضائه بفشلهم وعدم صلاحيتهم لإدارة شؤون البلاد ، ولابد من وجود البديل بعد شيوع الفشل والفساد بأبشع صوره ، ذلك لأن دول إحتلال العراق سنة 2003 لم تأت إلا بعناصر أحزاب متفرقة وغير متجانسة عقائديا ، ولا تفقه بماهية وكيفية إدارة الدولة والمؤسسات ، فمن كان ذو أسبقية في تسلسل الحزب أو الكتلة أو الكيان ، كان له موقع الصدارة في تبوء المواقع المتقدمة في الرئاسات الثلاث وما يتبعها من التشكيلات ، فبعد المناصب تتقدم وظائف الدرجات الخاصة ، المتميزة على بقية الوظائف بأولويتها في سلم الوظائف وبإرتفاع مقادير رواتب ومخصصات شاغليها والإمتيازات ، ولكثرة أعداد المتربصين بها والمتكالبين عليها عرقيا وطائفيا ومذهبيا ، حسب نظام المحاصصة المتبع في تخصيصها وتوزيعها ، فمن المؤكد أن تمنح لمن لم يحالفه الحظ في تبوء أحد المناصب ، وعلى الرغم من عدم وضوح المعتمد من المعايير والمؤهلات المطلوبة لكل منها ، بإستثناء ما يخص المعروف من الوظائف التنفيذية التقليدية مثل وكيل وزارة والسفير والمحافظ ووظائف القضاء ، تبقى وظيفة ( المستشار) سائبة الوصف والتوصيف لا يحدها ضابط ولا عائق في إشغالها إلا بما ينص عليه ، وهو غير الموجود كونها المنفذ الوحيد لسد ثغرات الطموح غير المشروع ، مع عدم إمكانية كبح جماح طمع المتطلعين إلى إستغلال الفرصة لتحقيق مصالحهم الشخصية في غفلة من زمن عدم تطبيق القانون ، على حساب الكثيرين من المؤهلين مهنيا ، الذين يشكلون جدار الصد والمنع لتسلق من يختلف تحصيلهم الدراسي أو خبرتهم التطبيقية مع ما هو مطلوب وظيفيا ، لكن الطموح والطمع في ظل أجواء الإحتلال غير الطبيعية ، أبعدت أصحاب الخبرة والكفاءة عن إشغالها وهم الأولى بها ، لينفرد بها من يدفعهم الإعتقاد بأنهم أكبر من كل الوظائف وما تقتضيه وتتطلبه من مؤهلات ، فكان لا بد من إرضائهم بتلك الوظيفة وبما تغدق عليهم من العطايا والهبات ، ولقربها ممن إعتلى كرسي السلطة وإتخاذ القرار بالصدفة ، التي حفزت الآخرين من جوق الإحتلال على إستساغة إحتلال أي منصب أو وظيفة دون مراعاة توفر شروط الأهلية اللازمة والمطلوبة لها في حدها الأدنى والمقبول ، بدعوى الإعتقاد بعدم أفضلية وأهلية غيرهم في حق إحتلال أي منها ، مما إستلزم إستدعاء كل سبل الإنحراف والتحايل الوظيفي ، لمنع تداعيات التكالب على المغانم قدر المستطاع ، ولإشباع نفوس مريضة لم تحلم يوما في الوصول إلى ما هي عليه بعد الإحتلال . ولم يكن تحقيق ذلك ممكنا إلا بإضافة ما يسد به ثغرات الجشع المسيطر على رغبات وأهواء المتصارعين ، لأن لكل وظيفة حدود إستحقاقات مالية رسمها القانون ، ولا يمكن تجاوزها بالتغيير إلا بموجب قانون ثابت ورصين ، وليس بالمزيد من التوسع على حساب قوة وجوهر القانون ، مثلما تمت به تشريعات القوانين ( 26 و 27 و 28 ) لسنة 2011 الملغاة ، المتضمنة تحديد الرواتب بصيغ ( يحدد راتب الوزير ومن هو بدرجته ب (5000000) خمسة ملايين دينار ، ويحدد راتب من يتقاضى راتب وزير ب (4000000 ) أربعة ملايين دينار ) . وليس في قواعد الخدمة الخاصة ما يمييز بين الإثنين بأي فارق مادي لسبب بسيط جدا ، ألا وهو أن الدرجة تعني الراتب الذي يتقاضاه الوزير ذاته وفي كل حال وأوان ؟!. كما لا يوجد في قواعد الخدمة والوظيفة العامة أن يحدد راتب وكيل الوزارة ومن هو بدرجته ومن يتقاضى راتبه والمستشار ب (3500000) ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف دينار . ثم يحدد راتب صاحب الدرجة الخاصة ب (3000000) ثلاثة ملايين دينار . لأن جميع المذكورين من ذوي الدرجات الخاصة التي تختلف مقادير رواتبهم فيما يحدد لكل منهم حسب أحكام المادة (9) من قانون الملاك رقم (25) لسنة 1960- المعدل وليس بغيره . وكذلك الحال بالنسبة للكثير مما أوضحناه في سلسلة مقالات ( الزعيق ) بعنوان ( رواتب وإمتيازات رؤساء الوحدات الإدارية ونائبا المحافظ وأعضاء المجالس في ظل قانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008- المعدل ) المنشورة على صفحة التواصل الإجتماعي العائدة لنا سنة 2015 ، وما تضمنته مقالاتنا المنشورة في هذه الجريدة بعناوين شتى .
*- لقد وضع الطارئون على التشريع والتنفيذ ، قواعد دستورية تخلط بين الموافقة على تعيين ( السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ) و ( بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ، حسب نص المادتين (61 و 80 ) من الدستور ، وكأن تلك الوظيفتين المثال ليستا من الدرجات الخاصة جهلا أو تجاهلا ؟!، تمهيدا للتلاعب بألفاظ معالجة ما شذ عن قواعد القانون الإداري التي إبتدعوها بفوضوية مرتبكة ، الأمر الذي أدى إلى تقسيم الدرجات الخاصة إلى صنفين مختلفين من حيث التسمية والفوارق المالية ، لغرض إستيعاب الأعداد المتزايدة من أصحابها ، المختلفة مؤهلاتهم ومهامهم وواجباتهم الشكلية ، حين صدر قرار مجلس الوزراء (400) لسنة 2015 المتجاوز حدود الصلاحيات المخولة دستوريا ، بتخصيص الدرجة العليا (أ) لشاغلي وظيفة وكيل الوزارة ومن بدرجته ومن يتقاضى راتبه والمستشار الذي يتقاضى راتب وكيل وزارة ، بحدود الراتب الشهري البالغ مقداره (2,413,000- 3,243,000) مليون دينار . كما خصصت الدرجة العليا (ب) بعنوان مطلق تحت مسمى ( الدرجة الخاصة ) وبحدود الراتب (2,000،000- 2,330,000) مليون دينار ، دون تحديد من يشغلها مثلما كان ذلك في الدرجة العليا (أ) وهي خاصة أيضا ؟!. كما خصصت الدرجة العليا (ج) لشاغلي وظيفة المدير العام ومن بدرجته ومن يتقاضى راتبه ، بحدود الراتب الشهري ( 1,500,000- 2,330,000) مليون دينار . وبعلاوة سنوية مقدارها (83,000) ألف دينار لكل من يشغل وظائف الدرجات العليا الثلاث وبالتساوي ؟!. ولا يتبنى ذلك التشريع إلا جاهل في الشؤون الإدارية والمالية ، حيث التخصيص المالي لكل عنوان وظيفة ودرجته محدد بعدد شاغليه مع الزيادة التخمينية له سنويا دون الخلط بين عنوان وآخر ، كما أن تعيين وكيل الوزارة بدرجة أو بما يتقاضاه الوزير ، وتعيين المستشار بدرجة أو بما يتقاضاه وكيل الوزارة ، إلغاء لإحكام المادة (9) من قانون الملاك ، ثم إن تعيين المدير العام بدرجة أو بما يتقاضاه وكيل الوزارة مخالف لأحكام المادة (8/3) من قانون الخدمة المدنية (24) لسنة 960- المعدل ، حيث ( لا يجوز تعيين الموظف لأول مرة إلا في الدرجة المبينة في المادة التاسعة ، على أن تراعى الأحكام الواردة في المادة العاشرة من هذا القانون ) . كما إن إضافة وظيفة المدير العام إلى جدول الوظائف العليا مع صنفي الدرجات الخاصة ، يعني ضمنا أن تلك الوظيفة أصبحت بدرجة خاصة وليست من الوظائف العامة ، مع بقاء إجراءات التعيين لكل منهما على إختلافهما قانونا ، مما يثير الدهشة والإستغراب الإداري والمالي إلا في حالة تفشي وباء الفساد ؟!، وبناء على كل ما أوضحناه ، لانرى من التوسع في إستخدام التعيين بدرجة خاصة ، ومنح راتب الوظيفة الأخرى والأعلى بدلا مما هو مخصص لكل وظيفة ، إلا سرقة للمال العام ؟!. فبأي آلاء قواعد الإستقامة والنزاهة والوطنية تكذبون ؟!.