18 ديسمبر، 2024 11:59 م

هل يستطيع العراق التلويح بسلاحه الاقتصادي بوجه تركيا؟

هل يستطيع العراق التلويح بسلاحه الاقتصادي بوجه تركيا؟

لم تعد الجيوش وحدها من تحسم المعارك والمواجهات بين الدول ، بل هناك أسلحة أقوى فعالية وأكبر تأثيراً وأقل خسارة .

السلاح الاقتصادي يعتبر من أمضى وانجح الأسلحة التي تستخدمها الدول ضد بعضها البعض ، ربما لا يحقق السلاح الاقتصادي نصراً سريعاً ولكنه بالتأكيد اكثر نفعاً من بقية الأسلحة . يعتمد هذا السلاح على إضعاف الداخل ، مما يجعل الدول تنشغل بمشاكلها الداخلية وتترك اطماعها التوسعية او توجهاتها الخارجية. وهذا ما يسعى العراق اليه اليوم حينما يلوح بالسلاح الاقتصادي ضد تركيا، بعد ان تمادت في تدخلهاالعسكري وتواجدها على الارض العراقية دون موافقة بغداد. ففي تصريح لافت لوزارة الخارجية العراقية يقول : ربما يستخدم العراق الورقة الاقتصادية لردع تركيا عن تدخلاتها في الاراضي العراقية .

ولعل بغداد ادركت ان السلاح الاقتصادي قد آن أوانه ويجب ان يستخدم ، في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها تركيا وتداعيات ازمة الوباء التي تعصف بالعالم وبها .

فالاقتصاد التركي كما هو معروف يعتمد على السياحة والتصدير، وقد توقف الاول تماماً وأصبحت المرافق السياحية شبه مهجورة بفضل جائحة كورونا ، مما جعل تركيا تتكبد خسائر كبيرة تبلغ الـ 40 مليار دولار هذا العام حسب بيانيات السياحة التركية ، فقد خططت تركيا قبل أنتشار الوباء الى استقطاب اكثر 58 مليون سائح ، لكن هذه الأحلام تبخرت ، فلم يبقى أمامها سوى الصادرات لمنتجاتها، فالعراق ثاني الشركاء التجاريين العالميين لتركيا بعد المانيا و أول الدول الثمانية المحيطة بها الذي يستورد البضائع التركية بميزان تبادل تجاري بلغ 16 مليار دولار في العام الماضي كما صرح بذلك السفير التركي في بغداد. وهذا الرقم يعادل نصف الصادرات التركية ، لذا يمكن للعراق ان يلعب بهذه الورقة بكل قوة ويستخدمها للضغط على حكومة السيد اوردغان ، يساعده على ذلك عدة عوامل لنجاحها . اولها: تراجع سعر صرف الليرة التركية في الأشهر القليلة الماضية اذ تخطى الدولار عتبة الـ 7 ليرات للدولار الواحد.

ثانياً : النقص الحاد في العملة الصعبة الذي تعاني منه تركيا الان بسبب المديونية العالية للبنوك الدولية و نفاذ السندات والمؤذونيات التركية في البنوك الامريكية .

ثالثاً : تفاوت ميزان الإنفاق والدخل ، بسبب الإنفاق العسكري الكبير الذي تتحمله تركيا جراء تدخلها في ليبيا وسوريا والعراق واليمن والصومال ، بالاضافة الى مشاكلها الداخلية مع الاكراد ، مما يجعل اقتصادها منهكا لا يتحمل عقوبات كبيرة ، خصوصاً اذا ما علمنا ان امريكا هي الاخرى تتربص بها وتهدد بفرض عقوبات على الاقتصاد التركي.

رابعاً : عجز الميزانية خلال شهر مارس/آذار الماضي بلغ نحو 43.7 مليار ليرة تركية (6.39 مليار دولار أمريكي)، وهو أعلى مستوى تاريخي مسجل منذ عام 2006. كما اوضحت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية التركية.

خامساً : انخفاض التصنيف الائتماني لتركيا في ميزان التصنيف الياباني الى BB+ , اثر تدخلاتها العسكرية ، مما يؤثر على ثقة دول العالم بالاقتصاد التركي .

ومن جانب اخر فأن معدل دخل الفرد في تركيا انخفض بسبب العوامل التي اشرنا اليها ، فقد أكد معهد الإحصاء التركي أن متوسط دخل الفرد السنوي تهاوى بعد انكماش الاقتصاد على مدى 3 فصول متتالية، ليصل إلى 8811 دولارا فقط وهو ما يقل عن المستويات المسجلة في عام 2007 والبالغة 9656 دولارًا ، وهذا سينعكس على القوة الشرائية للسكان ، وسيجعل الكساد سيد السوق المحلية كما ان انخفاض الناتج المحلي بنحو 3% بعد ان كان 6% في الربع الاول من هذا العام ، وهذا سيؤثر على توفير فرص العمل ويرفع معدل البطالة وستضطر الدولة الى تغيير الاولويات والاعتماد على الصندوق السيادي لسد حاجة البلد، وهو ما سينعكس على سعر صرف العملة وبالتالي يؤدي الى التضخم . وكما هو معروف ان التضخم الذي يعاني منه الاقتصاد التركي حالياً وهو في مراحله الاولى أحبط طموح ما أعلنته الحكومة في 2019 عن بلوغ دخل الفرد الى اكثر من 12 الف دولار.

وقد لجأت السلطات التركية الى سد الثغرات وتلافي الازمة المالية المتوقعة من خلال الاستحواذ على الشركات المتعثرة التابعة للقطاع الخاص

فقد نقلت وكالة بلومبرغ ، ان الحكومة التركية سمحت لصندوق الثروة السيادي لديها بالاستحواذ على شركات متعثرة من القطاع الخاص، ضمن سلسلة من التدابير الاقتصادية الرامية إلى مساعدة البلاد على الخروج من جائحة فيروس كورونا. علماً ان مئات الطلبات قدمت للحكومة التركية من شركات القطاع الخاص التي. اعلنت افلاسها او تكاد ، وهذا سيحمل الخزينة مزيداً من الاعباء المالية .
اعتبر مراقبون ان هذه الخطوة هي بداية لاستنزاف الاحتياطيات التقدية للصندوق السيادي التركي.

كل هذه العوامل تجعل العراق في موقع القوة والاكثر قدرة على استخدام الورقة الاقتصادية ، لكن نجاح السلاح الاقتصادي العراقي سيكون فعالاً اذا ما قامت الحكومة العراقية بخطوات جادة ، من شأنها ان تحقق الاهداف المتوخاة من استخدامه ، وان توضح للجانب التركي ان احتلالهم للاراضي العراقية سيؤثر على مصالحهم الاقتصادية داخل العراق. كما سينعكس على العلاقة بين البلدين .

لكن يبقى السؤال هل سينفذ العراق تهديداته باستخدام الورقة الاقتصادية ضد تركيا ؟

وهل قادر على ذلك ؟

ربما لان التوقيت مناسب جداً لتنفيذ ما اعلنته وزارة الخارجية بناءً على ما تقدم من معطيات .