كانت ساعة تلفزيونية لذيذة تلك التي قضيتها في مشاهدة المطرب البديع الجميل التلقائي الصريح المثقف القارىء ، المنتمي الى جيل أول السبعينيات الذهبية حسين نعمة .
هو صاحب طير المجرة الذي لا يشبه الآخرين ، وعلى الرغم من أنه بدأ مقلداً لملهمه وصديق أبيه وضيف بيت الصبا المحبب ، المطرب الفذّ داخل حسن ، إلا أنّ الفتى الموهوب لم يمكث طويلاً تحت عباءة داخل ، ولم يستسلم للنواح الطويل الموغل في الحزن ، وهذا بائن جداً في رحلته البغدادية المذهلة ، خاصة في أغنيات يا نجمة ونخل السماوة وفرد عود ، والكثير من النعم اللحنية الرائعة التي أسبغها عليه طالب القرغولي ومحمد جواد اموري
.
في وصلة منعشة من تلك الساعة ، سيحدثك حسين الوسيم الحلو الأنيق ، عن أملاكه الثمينة من علامات الجمال المعتّق مثل قارورة نبيذ ، وستعلم أن تحت يمينه ألف مسبحة ألوانها وأحجارها وأثمانها مختلفة ، وعن ألف محبس لتزيين أصابعه مشروطية أن يكون لون محبس اليوم منسجماً مع ألوان ملابسه الذواقة التي تغطي طوله الفارع ، وهذا أمر لطيف وأظنه سيدخل تالياً في واحد من بيبان موسوعة غينيس الكونية للعجائب .
أعجبتني وأدهشتني وربما أدمعتني قصة زواجه المشهور من الفنانة الجميلة سعاد عبد الله .
برأيي لو أن سعاد كانت قد نبتت بمصر او الشام أو بيروت ، لكانت نجمة عالية متفردة بسماء الفن العظيم . يقول حسين أنه وهو ينمو بمفتتح شبابه ، قد هاجر الى بغداد حاملاً الكتب والأمنيات ونداءات الجسد والجوع الى امرأة ما قد يكون اشتهاها ساعة مشاهدته لشريط سينمائي ، وهذا ما أنتج تالياً اقترانه بسعاد . سعاد لم تعش معه حالة حبّ طبيعية كما يسرد ، بل أنها كانت تنصت إليه وهو يغني أول مرة ، وكانت صويحباتها يجلسن قربها ، فلما سمعت صدحات حسين قالت لهنّ سوف أراهنكن بأنني سأتزوج هذا البلبل الصادح الآن على دكة الفرجة ، فحدث الأمر سريعاً . وفي قصة تدل على خلو دماغ حسين من التعقيد قال لو أن سعاد قد تصرفت على أنها زوجة ومديرة أعمال لرجلها المطرب القادم الى اضواء بغداد من الناصرية خزنة الجنوب الثمينة ، لكنت وقتها مثل كاظم الساهر الآن شهرة وصورة .
من أحزان المطرب أنه قد هجر العود الرنان فنسي بعض مهارة السلالم ، لكنه عاد اليه مثل عاشق يكاد ينتحب على رائحة عطر قديم . لي مع اغنيات أبي علي أربعون قصة وقصة ، ففي أغنية يا نجمة أتذكر سينما بابل ، وفي فرد عود أستعيد دكان ألبان أبي في الباب الشرقي لصق مطعم تاجران ، وفي ردّيت أنصت ووجه سعاد عبد الله بحضني ، وفي سمفونية غريبة الروح ، أستعيد عطر الرحلة الطويلة من بغداد العباسية العليلة ، حتى وقفة طريبيل والخاتمة بربة عمّون القائمة حتى الآن . لست عالماً بالموسيقى والغناء ، لكن بمقدوري اللحظة أن أُنصت إليك أيها العزيز ، بشوق جبار يكاد يأكل قلبي وأنت تجوّد :
جاوبني تدري الوقت بوگاته غفلاوي
موش انت نبعة عشگ بالحسن متغاوي
ليش المعاتب كلف والشوگ سكتاوي
چا وين أودّي الحچي واتعاتب ويامَنْ
مقلا عن صحيفة الزمان