يزعم مؤيدوا الحشد الشعبي انه كيان شرعي ، ويستمد اسس شرعيته من ثلاثة مصادر :
١- زعمه تمثيل الشيعة وحمايتهم وحماية رموزهم المذهبية .
٢- فتى المرجعية بالجهاد الكفائي في عام ٢٠١٤ .
٣- زعمه انه جزء من مشروع المقاومة الاسلامية ضد الوجود الامريكي والصهيوني في المنطقة .
بالنسبة للفقرة الاولى فانه لم يعد هنالك ممثل شرعي للطبقات الشعبية المسحوقة التي خرجت الى ساحات الاعتصام مالم يكن جزءاً عضوياً من نسيجها الاجتماعي – الاقتصادي ، وبالتالي فان هذا التمثيل لايكتسب شرعية قبل ان يغادر مواقفه الطائفية التي اسست للفساد الذي قاد الى عملية إفراز طبيعية بين مستَغِلٍ فاسد وآخر مستَغٓلٍ . في ساحات الاعتصام اكتشف المسحوقون المنتفضون من الشيعة والسنة من ضحايا الفساد انهم اقرب الى بعضهم في همومهم وقضاياهم المصيرية وتصورهم لمستقبلهم من قربهم للفاسدين من مذاهبهم . ان الحشد بحكم كونه طرفاً في الفساد وجزءاً اصيلاً منه لايمكن ان يمتلك شرعية تمثيل ضحاياه ممن تتلطخ أيادي افراده وقياداته بدماء ابناء الانتفاضة .
اما بخصوص الفقرة الثانية فقد صدرت الفتوى بصيغة واحدة واضحة وهي دعوة العراقيين الى الانخراط في قوى الامن والقوات المسلحة ولم تدعو الى تشكيل كيان مواز للقوات المسلحة النظامية خلافاً لاحكام الدستور ، ولو افترضنا جدلاً جواز ذلك فان الغالبية العظمى واهم المنظمات المسلحة التي انخرطت للعمل تحت مسمى الحشد كانت قد تشكلت بالفعل قبل ذلك بسنوات طويلة وكان بعضها جزءاً من الاحزاب الطائفية الموالية لايران وقد تأسس قسم منها قبل وقوع الاحتلال بسنوات طويلة ، وعندما انخرطت في الحشد فقد تم ذلك بصفتها كيانات قائمة بالفعل ووفق اجندات خاصة بها من اجل ان تكتسب شرعية لم تكن تحظى بها ؛ ثم تطورت تلك الشرعية الدينية على يد حكومات الفساد الى شرعية قانونية تمت على مراحل بصيغة امر ديواني غير دستوري اصدره العبادي ثم تم تشريعه بقانون يفتقر هو الاخر الى الدستورية لان الانخراط في هيئة الحشد الشعبي ينبغي ان يتم فردياً وعلى اساس التطوع ولكن ماجرى هو فقط منح الكيانات التي أشرنا اليها صفة قانونية رسمية تتعارض مباشرة مع احكام الدستور ومع مفهوم الدولة اصلاً ، وهذا يفضح نوايا القائمين على امر هذه الكيانات الطائفية واستغلالهم الفتوى وماتلاه من تشريعات لممارسة مزيد من العبث والفساد في الحياة العامة وكانوا من ادوات الفساد الرئيسية .
اما بصددةقضية اكتساب الشرعية من خلال الانخراط في حركة المقاومة الاسلامية ضد المشاريع الامريكية والصهيونية فهي اكثر ذرائع شرعية وجود الحشد الشعبي سخفاً وتهافتاً . ولعل دحض هذا الزعم لايقتضي سوى توجيه الأسئلة التالية : هل من مقتضيات المقاومة تدمير بلدان عربية تمثل القوة العربية الاساسية في مواجهة المشروع الصهيوني وهما العراق وسوريا ، وهل تحقق شيء من متطلبات المقاومة مثل توحيد الصف وتشجيع كافة تيارات المقاومة بدلاً من تصفيتها واحتكار ” المقاومة ” ، وهذه الستراتيجية تكررت في العراق ولبنان وسوريا بشكل وكانه استنساخ للتجربة ؛ لقد تمت تصفية ومحاربة كل القوى التي انبرت لمقاومة المشروع الصهيوامريكي وتم احتكار المقاومة من قبل القوى الطائفية ، ولكننا لم نسمع يوماً بعمل حقيقي في فعل المقاومة باستثناء الصدام المسلح بين حزب الله اللبناني والعدو الصهيوني عام ٢٠٠٦ على خلفية السعي لاحتجاز اسرى صهاينة ، ثم اعلن بعد ذلك حسن نصر الله انه لو كان يعلم بحجم رد الفعل الاسرائيلي لما قام بالعملية . اما الزعم بتبني مقاومة الاحتلال الامريكي في العراق فمن الواضح انه يتم وفق وتيرة تطور العلاقات بين الولايات المتحدة وايران وبالتالي فان هذه المقاومة المزعومة هي ورقة لاستخدامها لاغراض تتعلق بأهداف ايران وليس انطلاقاً من مبدأ المقاومة ، وفِي نهاية الامر فان من حلب الاحتلال وفرح به وتكسّب من ثماره لايصلح من حيث المبدأ ان يكوِّن جزءاً من مشروع مقاومته .
اذن ماهو الحشد الشعبي ان لم يكن ممثلاً للشيعة ويكتسب شرعية التمثيل ، ولم يكن زمنياً قد تشكل بموجب فتوى المرجعية ليكتسب شرعيته منها وزعمه الانخراط في المقاومة الاسلامية تم وفق مقتضيات اجندة ايرانية .. وان لم يكن الحشد اياً من ذلك فماذا يمثل في اطار الحياة العامة في العراق ؟!
هنالك تنظيمات مليشياوية في معظم دول العالم وخاصة الدول المتقدمة ، ولعل أكثرها شهرة هو الحرس الوطني الامريكي ، ولكن الفارق هو ان الحرس الوطني الامريكي هو جزء من المؤسسة العسكرية الامريكية ويتكون من افراد على سبيل التطوع ويخضع في كامل فعالياته لسلسلة القيادة والسيطرة لمنظومة الامن القومي للولايات المتحدة ، وكذا الامر في الكثير من دول العالم المتقدم ؛ في العراق يمثل الحشد قوة تعلو فوق القانون ، ورغم محاولات اعادة هيكلته الا ان قيادات المجموعات المسلحة المندمجة فيه مازالت تحتفظ بهياكلها وقياداتها ومعسكراتها وماليتها ومناطق نفوذها ، وبالتالي فانها تمثل كما اثبتت الاحداث قوة سياسية في مواجهة الدولة وقد تعلو عليها ، وهذا واضح من قيامها بإرسال فصائل تقاتل خارج العراق بناءاً على أوامر ايرانية ، كما تقوم بين الحين والآخر بعمليات عسكرية تستهدف القوات الامريكية ووفقاً لأجندة ايرانية ، وكانت هذه العمليات موضع ادانة من قبل قيادة السلطة الرسمية في العراق ، اضافة لقيامها في مناسبات عديدة بالنزول الى الشوارع وإقامة نقاط سيطرة وتفتيش مما يؤكد حقيقة وضع هذه المجاميع المسلحة ككيانات خارج اطار السيادة ،،
خلال بحثي عن ظاهرة نظيرة للحشد الشعبي سواء في التاريخ العراقي او في تاريخ العالم وجدت أمثلة كثيرة على كيانات مسلحة تكون احياناً فوق القانون ولكنها بشكل عام كانت تحت سيطرة قوة سياسية وطنية . في روما القديمة كان هنالك الحرس الإمبراطوري الى جانب الجيش ويتلقى اوامره وفِي تاريخ العثمانيين كانت هنالك الانكشارية وفِي تاريخ الصفويين كانت هنالك قبائل القزل باشي وفِي العراق كانت هنالك المقاومة الشعبية والحرس القومي والجيش الشعبي ، ويمكن تعداد أمثلة لاحصر لها لتنظيمات مسلحة أنشأتها السلطة الى جانب الجيش كرديف له او كقوة موازية تكبح جماحه ، لكنها جميعاً كانت تعمل في اطار السلطة الوطنية ، وعندما بلغت حداً من القوة يجعلها خارج السيطرة كان يتم حلها او تصفيتها او تقليم نفوذها بشكل او باخر ؛ اما في العراق فنحن ازاء ظاهرة فريدة : مجموعة من التنظيمات الطائفية المسلحة التي تتلقى موارد مالية رسمية من حكومة البلاد ، لكنها تعلن ولاءها لقيادة دولة اخرى وتؤطر نشاطاتها وفعالياتها وفق اجندة خارجية ،، هذه التنظيمات بلغت من القوة حداً جعلها تعلو فوق الدولة والقانون ، بل ان رضاها اصبح واحداً من مصادر الشرعية السياسية في البلاد . في حقيقة الامر فان التوصيف الوحيد الذي يعبر عن واقع هذه التنظيمات هو انها اقرب ماتكون الى مزيج من المنظمات الإرهابية التي تستخدم السلاح لفرض قناعاتها السياسية وعصابات الجريمة المنظمة ، وهي تنظيمات مسلحة تستخدم وسائل الترهيب والترغيب في ممارساتها الخارجة عن القانون والتي تقع تحت طائلة القانون الجنائي مثل ادارة او حماية ممارسات مخالفة للقانون ضمن مناطق نفوذها وابعاد يد القانون عنها ، او قيامها هي مباشرة بمثل هذه الجرائم مثل تهريب وترويج المخدرات ،،،
ان تأسيس نظام سياسي مستقر في العراق ، او الشروع في عملية اصلاح مؤسسي شامل للفساد مع وجود هذه التنظيمات وماتتمتع به من نفوذ لن يكون سوى حرث في البحر ولاطائلة من وراء اي جهد بهدف البناء او الاصلاح طالما ان هنالك سلاح منظم في الشارع هو خارج سلطة الحكومة ، ناهيك عن كونه خارج اطار سيادة الدولة اصلاً لانه سلاح في خدمة اجندة دولة اخرى .. هذا سلاح يستهدف في نهاية المطاف صدور الوطنيين العراقيين الذين يخرجون من اجل حقوقهم المشروعة في وطنهم ،،
من المؤسف الا يتسع المجال لما هو اكثر بسبب تقييدات الموقع ، وهنالك دراسة من ثلاثة أقسام نشرتها عن الموضوع في عام ٢٠١٦ على موقع الصدى.نت تحت عنوان ” الحشد الشعبي العراقي والقانون !! ” وهي متوفرة على محرك البحث غوغل تحت اسمي او تحت عنوان الدراسة لمن يرغب في المزيد ،،