يبدو إن ثقافة الهبات واستغلال المال الحكومي لإستغفال المواطن البسيط اصبحت صفة ملازمة لحكام العراق، هذا البلد العريق الذي كان ولايزال يعاني من سطوة حكامه واجتهادات الطبقة الحاكمة التي تشرعن مايحلوا لها ويتوافق مع اهوائها ومطامعها بعيداً عن التفكير المنطقي وتحقيق المصالح العامة. لايختلف العقلاء بكل انتماءاتهم الفكرية على ضرورة الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن، وان من اولويات اي حكومة وطنية ان تضع ستراتيجية حقيقية وفق معايير علمية بالاعتماد على اصحاب الاختصاص من اجل بناء منظومة اقتصادية تساهم في رفع المستوى المعيشي لشرائح المجتمع دون تمييز بين مواطن وآخر. ولكن مايثير الاستغراب في بلادنا إن اغلب العطاء الحكومي ومقترحات تحسين الظروف المتعلقة بالمواطن وحاجاته الملحة تتزامن مع قرب الانتخابات طيلة الفترة المنصرمة اي مرحلة مابعد التغيير !! فما ان تقترب الانتخابات حتى يفتح الحاكم خزائن الدولة ويجزل العطاء وكأنه كان غافلاً طيلة سنوات حكمه او كان في غيبوبة لم يصح منها إلا مع اقتراب الانتخابات !! شيء صائب ويبعث السرور في قلوب المواطنين عندما يسمعون بزيادة في الرواتب او عناية بالارامل واليتامى وتوزيع لقطع الاراضي او تحسين في مفردات الحصة التموينية او العمل على زيادة تجهيز الموطنين بالكهرباء وغيرها من مستلزمات العيش الكريم، ولكن ان يكون هذا الاجراء بعنوان المكارم او الهدايا او للدعاية الانتخابية فذلك مما يوجب الوقوف عنده، فلا يوجد حاكم متفضل على هذا الشعب بل الشعب العراقي صاحب الفضل على السياسيين بكل مشاربهم الفكرية والدينية والعرقية، ولولا هذا الشعب لانهارت العملية السياسية واصبح العراق ساحة للصراعات الداخلية والاقليمية حيث كان لوعي المواطن العراقي ووجود القيادات الدينية المخلصة ذات التأثير الايجابي على الجماهير السبب الحقيقي في تجاوز العراق اغلب الصعاب مع ان الاخطار لازالت تحدق به من جبهات عديدة. لذلك لايجوز لأي حاكم ان يستغفل الجماهير ويحاول تسويق نفسه على انه ناصر الفقراء والمحرومين وهو ابعد مايكون عنهم، بل يكاد يكون نسخة اخرى من الطغاة الذين سبقوه من خلال تقليد مسيرتهم ونهجهم الذي انتهجوه في بداية حكمهم حتى وصلوا إلى ماوصلوا إليه من الاستبداد والطغيان. إن ما اثار حفيظتي وحرك قلمي هو قرار رئاسة الوزراء بزيادة رواتب الدرجات الدنيا من الموظفين الذين يعانون من ضنك العيش بسبب قلة الرواتب وارتفاع الاسعار وهو استحقاق طبيعي لهم ولابد من انصافهم والعمل على الارتقاء بوضعهم المعيشي، فأين كانت الحكومة طيلة الفترة السابقة من عمرها؟ ولماذا ينفذ هذا القرار في بداية العام المقبل وليس الان؟ مما يعني ان الموظف سيستلم هذه الزيادة في الشهر الثالث او الرابع نتيجة الروتين والبيروقراطية وبالتالي سيكون تسليم هذه الزيادة قبل الانتخابات او اثناءها وهنا بيت القصيد اي انها خطوة الغرض منها تحقيق دعاية انتخابية مجانية لحزب السلطة. نحن مع كل الخطوات التي من شأنها ان ترفع من دخل المواطن وتساهم في تخفيف الاعباء عنه لكن ان تكون هذه الخطوات من اجل الدعاية الانتخابية فهذه الورقة اصبحت مكشوفة للمواطن البسيط فضلاً عن الحاذق الفطن بل اصبح من المعيب استخدام هذه الاساليب الرخيصة في كسب ود المواطن في الاوقات التي هم بحاجة إلى صوته ولعل من الصواب بل هو الصواب بعينه أن لايستجدي المواطن من الحكومة بل يطالب باستحقاقته المشروعة وان لاتتفضل الحكومة عليه او تحاول إذلاله بمكارم او هبات وانما تسعى في حمايته وتوفير سبل العيش الكريم له دون منة او استكثار. هنيئاً لك ايها المواطن العراقي فانت الان محل اهتمام واعتزاز وستنهال عليك العطايا السخية، وانصحكم ايها العراقيون بأن ترفعوا اكفكم بالدعاء كي تكون الانتخابات سنوياً وليست كل اربع سنوات لأنها باب من ابواب الرحمة التي يفتحها عليكم السياسيون لكسب رضاكم وضمان صوتكم…