تمتاز الدول الحديثة, سيما تلك التي تعتمد النظام “الديمقراطي”, بكونها تحتوي على مؤسسات متخصصة في كل مجالات الحياة وتكون قادرة على إداء المهام المناطة بها دون أدنى قصور أو تقصير, وإن حدث يتعرض القائم على ذلك الكيان إلى المساءلة وفق مبدأ “الثواب والعقاب”. الحكومة أحد أهم تلك المؤسسات, وبالتالي فأن أختزال الكل بجزء أو بشخص يعد من المحظورات التي تعيق تقدم النظام بشكل عام, فضلاً عن كونه تجاوز على أجزاء الدولة الأخرى, والذي ينطلق عادة من عملية أستغفال وتجهيل متعمد للجمهور الذي خفيت عليه الكثير من آليات الدولة المدنية الناجحة, سيما إذا كانت التجربة فتية لا زالت تعاني من تبعات جمّة نتيجة لتغلب منهج (الرجل الفلتة).
“بعد ما أنطيها”, كلمة شهيرة لدولة الرئيس أراد من خلالها رسم صورة الرجل القوي بأذهان الشعب المفتون بالأستعراضات الشبيهة بصراع “الديكة”, بيد أن دولته لم يشرح الكيفية التي تجعله وفياً لذلك العهد بالأستئثار, وراحت التفسيرات تترى حتى أستقر الأمر على فرضية مفادها (أن الرئيس سيلغي كل مظاهر الديمقراطية بإنقلاب عسكري بعد أن يرتدي الزيتوني)!.. لكن, ربما الرياح لا تجري بما تشتهيه سفينة الأحلام الرئاسية, أو لعل هناك سيناريو آخر قادر على تأصيل تجربة التفرد وتحويل الرئاسة إلى مزمنة.. سقطت الفرضية الأولى, ولم يعد هناك أعتماد على العسكر في أسناد الزعيم كما أنه, وعلى ما يبدو, أقتنع بمحدودية قدراته الذهنية في مجال عمله, بيد أن الأعتراف بالخطأ أو القصور حسنى لا ينالها إلا الصادقون.
بعد غزارة الأخفاقات وتعدد مجالاتها, لم يعد هناك مخرج من مغارة الضياع التي دخلها سيادته عنوة.. وعود كهربائية كاذبة, ترمى بخانة نائبه لشؤون الطاقة, الخدمات يتحملها الوزراء, الأستثمار عرقله البرلمان!
ماذا عن الأمن المفقود ؟.. جميع الوزرات الأمنية هو وزيرها, وكل قادة الجيش يدينون بالولاء والطاعة له.. من العسير الحصول على ضحية في هذا المجال, فالدماء سيول جارفة والممسكين بالأمن بيادق يحركها السلطان..أحراج كبير يتعرض له الرئيس, ففي الوقت الذي يتعهد بمحاربة الإرهاب “بلا هوادة” تشن قوى التكفير هجمات عديدة بشكل يومي في أغلب محافظات العراق وضحيتها هو المواطن. وحتى (ما ينطيها),لابد من حرب شرسة ولو من نوع آخر..أن التصريحات التي يتفوه بها كبار مستشاريه, مجافية للحقيقة المرة, فالشعب يؤبّن مئات الشهداء, بينما أحصائياتهم الرسمية تزيل النقاط من الأرقام وتتلاعب بالحساب, وقد يكون القادم هو منع أقامة مجالس العزاء على أرواح الشهداء!!