ومن اتجاه آخر ظهر لدينا بقوة (( المد اليساري )) وتكاثر اليساريون بفعل التأثير المباشر للثورة الروسية وبروز الآراء وتأثيرالفلسفات الى السطح (( فلسفة الأقتصاد – فلسفة التاريخ – الفلسفات المادية ذات الأصول الألمانية – هيغل – كانط – ماركس – وتأثير الثورة الشيوعية – تنظيرات زعماء الثورة – لينين وغيره )) بخصوص الطبقة الكادحة ونضال البرولتاريا وما الى ذلك من أفكار ونظريات كانت تمتلك بريقها وتماسكها وفعاليتها الى وقت قريب .
كذلك ظهرت المئات من الأحزاب والحركات النضالية التي تمتلك (( وجهة نظر )) وتدعم وجودها بمناهج فكرية متعددة التوجهات والمذاهب بما فيها أحزاب اسلامية .
تزايد الثوار والمثورين على الأوضاع القائمة ، ظهر المناضلون عبر هذا المسير الطويل والذين لاتنفي أمجادهم وكفاحهم وسمو أهدافهم الوطنية من مختلف التيارات ، والذين تم كبحهم وتغييب نضالاتهم وانجازاتهم الملموسة وغير الملموسة بأعتى أشكال الكبح والتغييب والأقصاء .
تم اغراقنا الى الهامة بالشعارات والهتافات والأهازيج والحماسة ، وكذلك تم اغراقنا من جهة أخرى بالصراعات والتناحرات على مختلف الأصعدة والأهتمامات .
وأرهقتنا الأحداث في ظل صراع الأقطاب والقوى الكبرى والحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي ، التي لم تكن يوما باردة علينا ولازالت آثار غبارها ودخانها على صفحة وجوهنا .
ظهرت (( الحداثة )) ، ثم فشلت الحداثة في توظيف ماضينا وحاضرنا وخلق وشائج من التواصل والتفاعل بينهما . وظهرت (( مابعد الحداثة )) و (( العولمة )) التي تسعى للتخلص من هيمنة تاريخنا على مستقبلنا وتحريرنا من كل قيود وضوابط تركيبتنا وتقاليدنا ونشأتنا والأنطلاق الى عالم جديد لأجل ((غد أفضل )) .
تصارعت التيارات والأحزاب والتكتلات والتجمعات ، أغرقت نفسها و(( أغرقتنا )) في دوامات ليس لها آخر من الصراع والتناحر والأحتراب المباشر في بعض الأحيان ، تقاطعت الأهداف والقيم ، تقاطعت مضاميننا ومكوناتنا وتولدت لدينا سبل وطرق كثيرة للأختلاف – جديدة – أو قديمة تم تحديثها وتطريزها واطلاقها أمام الأنظار والأسماع لتتصارع وسط الحلبة .
فشل الجميع . .
أثبت الجميع عجزهم وعجز مشاريعهم . .
وساهم الجميع في اقتيادنا نحو الهاوية التي نحن فيها الان . .
مارسوا جميعا بشكل وبآخر عملية لف الحبال حول أعناقنا .
جميعها ساهمت بأن يكون الثمن (( أجيال ضائعة )) متعاقبة وتضحيات لاحدود لها من دمائنا ووجداننا الممزق .
كل مشاريعنا الوطنية أصبحت فيما بعد وسيلة لجلدنا والتسيد علينا وتحطيمنا ، وكل طروحاتنا الوطنية أو القومية أو الدينية لم تكن فعالة على أرض الواقع ، فسرعان ماتندثر وتتحول الى مصدر وسبب تراجع الى الوراء لعدم وضوح الرؤيا وتوفر البصيرة والارادة والصدق في السعي لتحقيقها ورسمها وتثبيت دعائمها كمشروع عراقي دائم كفيل بأقامة دولة عراقية سليمة متعافية تتمكن من الانضمام الى ركب النمو والتطور العالمي المعاصر وتكون فاعلة وذات دور ايجابي به وبدون كدمات واعاقات وتشوهات .
لم يكن لدينا مشروع وطني عراقي واضح الرؤية والتفاصيل قابل للتنفيذ والتطبيق على ارض الواقع بدون احداث تشظي أو تشرذم أو ارهاصات وخيمة على بعض شرائح المجتمع العراقي . وجل ماأنتجته هذه المشاريع وما أفرزته هو (( أما )) أنظمة ضعيفة سرعان ماتتمزق بفعل الصراعات والتناحرات والولاءات الخارجية ، أو أنظمة حكم دكتاتورية بغيضة ، وماعانيناه من نظام حكم صدام خير مثال على ذلك حيث قاد البلادالى جملة من الحروب العبثية وسيول من الطرهات والنزعات العنترية الفردية التي دفع العراقيون ثمنها بدون فائدة والتي تم توظيفها بما يخدم توجهات وغايات الغرب ومصالح المستعمر الطامع الذي يلهث وراء أهدافه بكل حكمة وعناية ويوظف لأجلها كل ماموجود على الارض هذا اذا لم نرغب بالتطرق الى علاقة صدام بالغرب التي أشر التاريخ عليها الكثير من علامات الاستفهام .