للتمهيد فان مقالتي هذه لا يقصد بها التهجم على شخص السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي فشخصيا اكنُ له كل الاحترام، ولكني انتقادي لاداءه حتى يرى الاخطاء نصب عينيه فيصحح ما يصحح منها، لذا شخصياً اتطلع الى سعة صدره ليتحمل الحقيقة المرة فعسى ان تكون مرارة الحقيقة مصدراً لدواء علته في قيادة العراق الى بر الامان، ان الحقيقة المؤلمة هي ان الكاظمي لا يملك اغلبية سياسية برلمانية تدعم شخصه توجهاته، وانما الرجل استلم نتيجة توافقات سياسية بعد احتقان الشارع ونهر الدماء الذي سكب ظلما وعدوانا من المتظاهرين على يد نفس مليشيات الاحزاب الحاكمة بمختلف مسمياتها، فجاء اختيار الكاظمي لتهدئة الشارع المحتقن وايقاف زخم الثورة لاعطاء وقت مستقطع للاحزاب الحاكمة وخصوصا الشيعية منها لالتقاط انفاسها بعد دُحرت شعبيتها في الشارع العراقي عموما ووسط الجمهور العراقي الشيعي خصوصاً، فجرائم السلطة كانت تستهدف السنة في مراحل لكن وسط تواطئ زعمائهم الذين تكالبوا على المناصب والمغانم المالية لهم وتركوا جمهورهم، وكان الشارع الشيعي بعيداً الى حدا ما عن دائرة الدم الا انه كان يعاني من سوء المعيشة والخدمات والفقر والبطالة، هذه الامور حاول المالكي مداواتها وقتياً بتعيينه لملايين من الشباب العراقيين الشيعة في الوظائف المدنية والعسكرية فتضخمت القوات المسلحة بمختلف صنوفها وحتى الامنية منها لتصل الى اكثر من مليون عسكري في مقاربة غير مستحبة مع نظام صدام حسين، فارتفعت الكمية على حساب النوعية في كل مفاصل الدولة واثقلت الميزانية الوطنية برواتب وامتيازات ما انزل الله بها من سلطان، وكان المالكي يتصرف بنشوة سعر النفط وملياراته وكان الهدر والسرقات من كل الاطياف على اشدها فلم يسلم شيء حتى سماء العراق تم بيعها لشركة اجنبية لادارة الملاحة الجوية، وحكومة العبادي اللاحقة كانت منشغلة بالحرب ضد داعش الارهابي وتحرير العراق من الارهاب ولم يستطع البعادي رغم اعلاناته المتكررة وحزم الاصلاح الشكلية من ان يغير الواقع ليأتي عبد المهدي استمرارا لفساد النخبة الحاكمة وتتأزم الامور ويزداد الفقر والغضب لتشتعل شرارة الثورة التي خضبت بدماء ابناء وبنات العراق، هذا السرد المعروف هو واقع الحال الذي استلم الكاظمي السلطة به في وسط تكالب النخبة الشيعية المسيطرة على السلطة، ومع ان الرجل صادق في نياته للاصلاح الا انه يبدو غير عارف بقدراته المسموح له بها في هذا المنصب من قبل النخبة الشيعية المسيطرة، فسارع لاعلان موضوع الغاء الامتيازات والرواتب المزدوجة وبدون مسطرة قانونية فوضع نفسه في موقف لا يحسد عليه فلا هو قادر على التنفيذ ولا هو قادر على التراجع،، وتبدو اخطاءه اوضح في موضوع المتقاعدين فاتخذ قرار مستعجل بقطع نسبة من رواتبهم وتراجع تحت ضغط الشارع، ويجد الكاظمي نفسه مقيداً بين وطئة انخفاض اسعار النفط وعدم وجود موارد بديلة وبين الالتزامات المالية من قروض ورواتب وعقود خدمة نفطية جائرة ملزم بها،، فجولات التراخيص الكارثية في عهد المالكي والشهرستاني ملخصها تجميد شركات نفط الجنوب والوسط والشمال والحفر العراقية التابعة كلها لوزارة النفط ومنح نفس الحقول لشركات اجنبية مختلفة ليكون استخراج البرميل من حوالي دولارين فقط الى 12 دولار للبرميل لصالح الفساد والعمولات والشركات الاجنبية وبالبنية التحتية الموجودة اصلا والمصروف عليها من قبل الدولة العراقية، وبدون زيادة في الانتاج فالزيادة غير ممكنة لسببين الاول هو عدم وجود قدرة اكبر للمنافذ التصديرية العراقية والثاني عدم قدرة الاسواق النفطية لاستيعاب انتاج عراقي اكبر،،، اذن خسر العراق في كل برميل 10 دولارات بدون أي سبب غير الفساد وسوء الادارة. هذه المعضلات التي يجد نفسه الكاظمي محاطاً بها تزداد مع عدم قدرته على البدء باي خطوة فعلية لمحاسبة أي فاسد او العمل على استرداد الاموال العراقية المسروقة، فالكاظمي يبدو لأول وهلة انه تفاجئ بهذا الموضوع على الرغم من ان النظام السياسي العراقي بعد سنة 2003 جبل على الفساد وعلى عدم السماح بمحاسبة أي فاسد ومن أي كتلة سياسية لان فتح ملف الفساد ولو على كتل سياسية صغيرة او اشخاص اصحبوا لا يملكون حصانة القوة السياسية هو امر مرفوض لانه قد يجر لاحقا لمحاسبة كتل واشخاص اكبر. ومن هنا تحديداً لم يستطع حتى ان يفتح الكاظمي موضوع سرقة صندوق التقاعد بمخزوناته المليارية من الدولارات في عهد عبد المهدي، ولا شيء اخر من ملفات الفساد مطلقا،،، ووسط هذا السيناريو التراجيدي عصفت جائحة كورونا وحرقت الاخضر واليابس ليجد الكاظمي نفسه محاطاً بحرب من نوع اخر يتطلب ان يخوضها دون ان تتوفر له بنية تحتية من مستشفيات ومختبرات وكادر صحي كفوء وقدرة معاشية مناسبة للناس لتتحمل الحظر، فاصبح عاجزاً تماماً عن الفعل ورد الفعل، ووسط هذه الدوامة فان مليشيات الحشد الشعبي وقيادتها لا تنفك عن تذكيره بمن يملك السلطة الحقيقية فجاء اعادة فتح مكتب حزب ثار الله في البصرة وطرد وضرب القوات الامنية فيه بعد اغلقه الكاظمي ليشكل صدمه له جعلته حتى عاجزاً عن التصريح، ثم اعقب ذلك فتح جدارية لسليماني والمهندس قرب مطار بغداد والتصريح العلني بان الكاظمي عليه ان يجبر القوات الامريكية على الانسحاب لتشكل ضغوطاً اضافية على الرجل.
يبقى ان في هذا الموقف الذي اضحى عليه الكاظمي أي موقف العجز التام والكلي ما يلوح في الافق هو ثلاث اما ان يستعين بالشراع وبالدعم الامريكي وينقض على الكتل والمليشيات في ضربة واحدة قاصمة للظهر ويهدم المعبد علف رؤوسهم ليقيم صرحا ديمقراطيا جديداً بقوة السلاح والدعم الخارجي والداخلي، او ان تنقض الكتل عليه ويتم اغتياله بشكل فوضوي لضمان بقاء السلطة وثورات العراق بيد هذه الكتل، او ان تتم ازاحته بمسرحية برلمانية وبدون التعرض لامنه الشخصي،، خيارات كلها قد تفضي الى سيناريوهات مأساوية،،، لا يعرف حجم تداعياتها، ولكن الاكيد ان بقاء حال الكاظمي بوصفه العاجز عن الفعل ورد الفعل امر لن يدوم طويلاً. خلاصة قولنا كان الله في عون الكاظمي فلقد تولى المسؤولية في واحدة من اسوء المراحل التي يعيش بها العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في مطلع العشرينات ويبقى معرفة قراراته امراً صعباً لان خياراته الفعلية محدودة جداً وان بقاء الحال من المحال.