كلّ ما يذاع ويُبَث ويُنشر من تصريحاتٍ الإستنكار والإدانة الرسمية والحزبية ضدّ التوغّل التركي في شمال العراق , فهي ليست سوى فقاعات ٍ تكاد تنفجر قبل أن تصل الى السطح ! , لكنها ايضاً تصريحات مُلِحّة ولابدّ منها , حيث لا يمكن التزام الصمت , وكذلك لحفظ ماء الوجه ايضاً , وكلّ السادة والقادة الذين يدلون بهكذا تصريحاتٍ في الإعلام , فأنهم بالطبع على دراية مطلقة ومسبقة بأنها لا تقدّم ولا تؤخّر .
الغريب في هذا الأمر ايضاً أنّ بعض الساسة والمحللين الذين نشاهدهم على شاشات القنوات الفضائية , بأنّ في يد العراق الورقة الأقوى , عبر تقديم شكوى الى مجلس الأمن , ووقف الأستيراد ومقاطعة المنتجات الأقتصادية التركية لوقف هذا التوغل التركي < وهو مستمر طوال حكم رؤساء الوزراء والجمهورية والبرلمان السابقين > , ومن ثَمّ ارغام الجيش التركي على الأنسحاب سريعا من الأراضي العراقية ووقف الغارات الجوية حتى على BKK , ولا ندري اذا ما كانوا هؤلاء مقتنعين بهذا الكلم بينهم وبين انفسهم أم لإعتبارات الظهور الإعلامي .!
أمّا بصدد رفع الشكوى عالياً الى مجلس الأمن , فيكفي على الأقل الإشارة الى أنّ دورياتٍ عسكريةٍ روسيّةٍ – تركية تجوب العديد من المناطق في شمال سوريا , وهنالك مصالح ستراتيجية مشتركة بين موسكو وانقرة في القضية السورية البالغة التعقيد , ونشير كذلك وخصوصاً الى اولئك المحللين الستراتيجيين بأن لا يمكن للأتراك ” من الناحية السياسية ” أن يمارسوا القتال ويكون لهم حضور عسكري مكثف في ثلاث جبهات خارج الأراضي التركية ” ليبيا , سوريا والعراق ” من دونِ ضوءٍ اخضر امريكي وربما تأييدٍ بريطانيٍ صامت , وربما من دولٍ اوربية اخرى ايضاً .
إنَّ ايّ محاولةٍ جادّة للتصدي وإخراج القوات التركية من ارض العراق , تتطلّب اولاً تطهير وتنقية الجبهة الداخلية والظهور أمام الشعب العراقي وأمام العالم بأنّ السياسة العراقية تقودها الدولة العراقية لوحدها ومن دون مراكز القوى والأحزاب والفصائل المسلحة , وانّ الحكومة التي لا تستطيع وقف اطلاق صواريخ الكاتيوشيا البدائية ” القصيرة المدى ” فوق ومن حول مقراتها الرسمية وبالقرب من السفارات والمنظمات الأجنبية , فأنها اعجز من مواجهة اي قوة عسكرية تتوغل في اراضي البلاد ومن اي جهةٍ كانت .
وقد يُشار مجازاً بما لا يخلو من الواقعية أنْ لو جرى تخيير قوى سياسية نافذة بين بقاء الجيش التركي في الشمال , وبين اخراج القوات الأمريكية من القواعد الجوية المتبقية , لأختارت الثاني بكل تأكيد .!!
والى ذلك , فمهما تمركزت وتتمركز القوات التركية في شمال القطر اكثر فأكثر , فأنها و وفق السبب او الذريعة التي تبرر او تسوّغ وجودها هذا , فأنها لن تستطيع القضاء على الأعداد الكبيرة من مقاتلي حزب العمال الكردي – التركي ” بي كي كي ” بسبب الطبيعة الطبوغرافية للمنطقة الشمالية ووعورتها وما تضمّه من سلاسل الجبال الشاهقة والوديان العميقة وكهوفها ومغاراتها , والأمر لا يمكن التعامل معه بشكلٍ جاد وبما يسبق اي خطوات عسكرية , إلاّ بوقف الدعم اللوجستي والإمداد والتموين لمقاتلي ذلك التنظيم والمعسكرات التي استوطنتها عوائلهم , والإحاطة الواسعة والتطويق المتكامل من قوات بيشمركة الأقليم والجيش العراقي ” وقد يأخذ الأمر اسابيعاً وشهور ” ولكنّ ذلك سوف لن يحصل , ويتعلّق جزءٌ كبير منه بأربيل او قيادة الأقليم .!
من غير المتوقع ايّ انسحابٍ وخروجٍ للقوات التركية من شمال العراق في المدى المنظور , والأتراك وسواهم من الدول يدركون الصراع على السلطة في بغداد , ودَور دولٍ اخرى في إذكاء نيران هذا الصراع.
أمّا بما يتعلّق بالمقاطعة الأقتصادية , وبغضّ النظر أنّ العراق هو الأكثر احتياجاً او حاجةً للإستيراد الواسع لمنتجات المصانع التركية التي تشكّل ايضاً سوقاً واسعة لمتطلبات الأقليم التجارية , فضلاً عن الفوائد المالية الهائلة التي تتقاضاها سلطة الأقليم من رسوم مرور آلاف الشاحنات التركية المتوجهة الى العراق , لكنّ ذلك يفتقد التأثير الفعلي والستراتيجي على الأقتصاد التركي , وارغامهم على سحب قواتهم المسلحة من العراق , بل أنّ هذا الحضور العسكري التركي مٌعرّض للتمدد والتوسّع ! لاسيّما في ظلّ وجود احزاب الأسلام السياسي ” المختلفة حتى مع انفسها ” في قيادة سلطة الدولة وكيفما كان ومهما اهتزّت كفّتا الميزان .!