23 نوفمبر، 2024 1:26 ص
Search
Close this search box.

كورونيون

منذ دخول فيروس كورونا للعراق واكتشاف إصابات مؤكدة بالوباء بعدد أصابع اليد وحتى هذا اليوم الذي تجاوزت فيه الإصابات 1800 في عموم العراق ، والماكينة الإعلامية تدور وتعرض كل الأخبار والأفلام والوثائق المحلية والعالمية بالعلن دون رقابة وانضباط ، حتى باتت تتكون مختلف المواقف والآراء وردود الأفعال لدى أغلبية المتلقين وبصرف النظر عن ثقافاتهم وخلفياتهم العلمية ، ومن المؤسف حقا أن تقوم بعض وسائل الإعلام باستغلال هذا الوضع بنشر سمومها لأهداف عقائدية او سياسية او تسقيطية وغيرها من الأغراض ، فالمجال متاح للاجتهاد لان الوباء مجهول ولا توجد عليه اتفاقات مؤكدة من حيث الأسباب والأعراض والانتشار والتحصين والعلاج ، فرغم التطور العلمي والتقني الذي بلغه العالم وحصول قرابة 9 ملايين إصابة مؤكدة ونصف مليون حالة وفاة ورغم تخصيص وإنفاق تريليونات الدولارات وتسبب الوباء في الانكماش الاقتصادي وتوقف الأسفار بين البلدان إلا انه لم يتم الاتفاق على برتوكول علاجي موحد لاكتساب الشفاء واغلب الوفيات يجيرونها بسبب كونهم كبار السن او من ذوي الأمراض المزمنة ، فكل ما تظهر هي اجتهادات وبعضها تفيد لحالات ولا تنفع لحالات أخرى والعالم في دوامة لم يسبق لها مثيل في زمن العولمة التي تثبت عدم قدرتها في التعامل مع كل المشكلات ، ورغم كل ما يحصل من مآسي ومعاناة فان منظمة الصحة العالمية تحدد موعدا لبدء الموجة الثانية من الوباء الفتاك فالمدير الإقليمي لها في أوروبا ( هانز كلوغ ) يتوقعها أن تكون في فصل الخريف المقبل ويدعو لأتباع إجراءات العزل بشكل مدروس في ظل غياب أي علاج او لقاح للمرض لحد اليوم ، وخبر من هذا النوع يستدعي منا جميعا مراجعة ما تم في المرحلة الأولى بهدف حذف بعض الأخطاء وتبني إستراتيجية لا تقوم على ( الهبات ) ، لان المرحلة الأولى أثبتت مدى خطورة الوباء وما يتسببه في مختلف المجالات رغم إن بلدنا في تسلسل مريح من شدة الوباء حيث تتقدم علينا الأمريكيتين وأوروبا وبعض مناطق آسيا وأفريقيا ، فابرز ما تعلمناه من الأشهر الماضية التي فقدنا فيها كثيرا من الإعزاء ، إن الجائحة أدخلتنا ببحور من الازمات حتى أوشكنا السقوط في هاوية العجز عن دفع المرتبات ، واثبت فيها جيشنا الأبيض قدرات محترمة في الأداء وتقديم التضحية يأثمن الأشياء في ظل تواضع الإمكانيات ، كما تبادلنا خلالها الاتهامات بين بعضنا البعض حول جدية التعامل مع الحظر والتلامس على وفق ما يتطلبه وباء مميت فالبعض عبر عن مواقف رديئة ألحقت وستلحق الأذى بالآخرين .
إننا جميعا ( الحكومة ، الصحة ، الأفراد ) نتحمل مسؤولية المواجهة ضد الجائحة وان أي خلل في أداء الدور المطلوب ينعكس سلبا على الجميع ، ولو كان حس هذه المسؤولية حاضرا وعمليا وبالشكل الصحيح لتمكنا جميعا من تخفيف حدة الأزمة بدلا من تبادل الاتهامات وإلقاء اللوم على بعضنا البعض ، فالحكومة لم تكون حكومة بالمعنى الصحيح لأنها قد حزمت أمرها على المغادرة بانتظار البديل وهي غارقة بمجموعة من التحديات والاتهامات وأبرزها وقوف الشباب في معظم المحافظات للمطالبة بتغييرات غي قادرة على معظمها قط ، والصحة في حالة يرثى لها لأنها تفتقر لنظام صحي وليست لديها البنى التحتية التي تغطي حاجة السكان وتخصيصاتها المالية اقل من المطلوب بكثير وهي غارقة في فساد مخفي ومكشوف وغيرها من ( الخزعبلات ) ، أما المواطنون فأنهم يتباينون بمستوى الوعي والإدراك لخطورة الفيروس وما تتطلبه المواجهة من قوة يتوجب أن تبنى على أسس علمية وليس بالخرافات والتفاهات وحالة اللامبالاة ، وفي ظل التناحر الذي شهدناه بين أضلاع هذا المثلث بانت الحقيقة بعد أن أضافت وزارة الصحة مزيدا من المختبرات وجلبت أعدادا مضاعفة من معدات الفحص والتشخيص ، فبين ليلة وضحاها انكشف المستور عندما تزايدت الإصابات من العشرات إلى المئات ثم انتقلت إلى الآلاف ولا نعلم ما يحويه الجزء غير المملوء من ( الاستكان ) ، عندما يتم تفعيل نشاط التحري الوبائي ليشمل كل من له تلامس مع المصابين كما طبقت في تجارب الصين وتايلند التي اعتمدت المسح الشامل في التحري عن كورونا الوباء ، ولعل ابرز ما سيتم اكتشافه للإيفاء بالمرحلة الحالية والتهيئة للمرحلة المقبلة هو وجوب توسيع الغطاء الصريري ووجوب العزل الكامل للوحدات الوبائية بما يسمح بتقديم الخدمات الصحية الاعتيادية اللازمة للسكان غير المصابين لمعالجة الأمراض الأخرى لأنها أكثر فتكا بالسكان وقد تم منحها اليوم أسبقية خلف أسبقية الوباء مما ينذر بما لا تحمد عقباه .
ولكي لا نتحول إلى ( كورونيون ) أي تتحول نسبة كبيرة من شعبنا إلى مصابين او حاملين للفيروس ( لاسمح الله ) كما يتوقع المتخصصون في الصحة الذين لم يضعوا بعد حدا او موعدا لنهاية الوباء ، فلابد من اتخاذ جملة من الإجراءات والقرارات ، أبرزها توحيد الخطاب الإعلامي من خلال إيجاد مصادر موثوق بها يمكن أن يعتمدها المواطن في التعرف على حقيقة ما يدور بعيدا عن التهويل وتبادل الاتهامات والدجل والإشاعات ، ومن الضروري توسيع الغطاء ألسريري الخاص بهذه الجائحة من خلال بناء مستشفيات سريعة الإنشاء خارج التجمعات السكنية وعلى غرار ما تم في الصين وتركيا مثلا ، ويمكن إدارة هذه المستشفيات او المراكز من قبل خريجي الفروع الطبية والصحية والتخصصات العلمية الساندة من العاطلين عن العمل بهيئة تعيين او بعقود ، فضلا عن تشغيل واستثمار الطاقات البشرية التي تم تعطيلها بالحظر الجزئي او الكلي فالكثير منهم يجالسون بيوتهم بلا أعمال من منتسبي الوزارات والدوائر كالتعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا وما يمكن استقطابه من المتطوعين او الذين يتم تكليفهم لأغراض الأزمة كونهم يستلمون حقوقهم بلا أعمال ، مع مراعاة إدخالهم ببرامج سريعة لغرض حمايتهم من اخطار الملامسة والعدوى وغيرها من أساسيات الصحة العامة ، ومن الضروري عدم السماح بتعطيل مراكز البحوث العلمية والتقنيات والمصانع ووحدات الصناعة القادرة على إنتاج أفكار وسلع وخدمات لمؤسسات الصحة او المجتمع من الأدوية والمستلزمات وأدوات ومواد التعقيم والتطهير فمن غير المقبول أن نخضع كل ما نحتاجه للاستيراد وإهمال المبادرات والابتكار أثناء الازمات ، كما إن من الضروري أن تتحول حملات التعقيم والتطهير إلى مبادرات جماعية بعد توفير متطلباتها الضرورية فهي عمليات بسيطة ويجب أن تكون مستمرة وجمعية وليست حصرا على فرق الدفاع المدني ، كما إن هناك العديد من الإجراءات التي يتوجب إتباعها والتي تعبر عن حقيقة الخطر الذي يواجه المجتمع وفي مقدمتها تسخير الموارد الوطنية كافة للانقضاض على الجائحة في الداخل بإعلان حالة الاستنفار ، ومراعاة أن تكون هناك إجراءات قانونية رادعة بحق كل من يعمل بالضد من مواجهة الوباء .
وقد يتساءل البعض عن كيفية تحمل مزيدا من التكاليف والدولة تمر بالظروف التي يعرفها الجميع من حيث عدم كفاية إيرادات النفط بتغطية الحد الأدنى من النفقات التشغيلية ، ورغم إن هذا الموضوع هو سيادي ويتعلق بالسلطتين التشريعية والتنفيذية لان الدستور ألزمهما بحماية الشعب ، إلا إننا كمواطنين يمكن أن نسهم بجزء من هذه المسؤولية المشتركة من خلال التنحي عن الأنانية والمبادرة الفاعلة في الأعمال الطوعية وجمع التبرعات والتخلي عن جزء من مدخولاتنا لصالح المجهود الصحي الوطني لمن استطاع ، ويمكن بهذا الخصوص فتح صناديق داخلية وخارجية للتطوع والتبرع وتتم المساهمة بها طوعا او بالإلزام كما جرى حين تمت إضافة ضريبة بنسبة 20% على خدمات الانترنيت والاتصالات التي لا نعرف بأي جيوب تدخل منذ سنوات ، فالقضية جائزة ويمكن تضمينها بقوانين تسمح باستقطاع نسب محددة ولا تؤذي الفقراء للإسهام بالمجهود الوطني الصحي باعتباره شلا من أشكال الجهاد ، وعلى مستوى وزارة الصحة فان هناك مجالا يتيح لها تحقيق الإيرادات من خلال التمويل الذاتي المدرج في قانون العيادات الطبية الشعبية ، وهناك آراء ومقترحات أخرى بهذا الخصوص يمكن ولوجها من خلال التعاون الجمعي والتنازل شيئا عن الأنانية ورمي الكرة في ملعب الحكومة فكل ما نعمله ستنعكس آثاره نفعا وهو أفضل من تحولنا إلى ( كورونيون ) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات