في عام ١٩٩١ كان سعر الصرف قرابة ٤ دنانير مقابل الدولار ، وبعد الانسحاب من الكويت تمت الاستعانة بشكل مفرط بهذا السعر واستخدامه ( أداة ) لإغراض شتى اغلبها سياسي ، وكانت حكومة ( النظام السابق ) أكثر الجهات استخداما لهذه الأداة ويليها أفراد العائلة الحاكمة والمقربون منهم وبعض الدول المجاورة ومافيات التجارة الدولية وبعض أطراف المعارضة وغيرهم الكثير .
كان ( الأسلوب ) المستخدم هو ( النفخ ) أي التضخيم المفتعل للسعر ، وكان موجها نحو الدولار لحاجة البلد له جراء النقص الحاد فيه بعد فرض الحصار والتوقف الرسمي لصادرات النفط ، أما ( الحجة ) المستبدلة للتبرير فهي توفير احتياجات الشعب من خلال طبع العملة المحلية ، و ( الأغراض ) كانت مختلفة تتوزع بين إذلال شعب العراق وزيادة معاناته او دفعه للتمرد والثورة او إحداث الفوضى او تدمير اقتصادياته او الاستحواذ على موجوداته الثمينة من مجوهرات وعقارات ومنتجات زراعية وجلود ونفط مهرب بثمن بخس ، تم تقييمه بدولار ( منفوخ ) او إثراء مجموعة معينة من مسئولي النظام وعوائلهم على حساب الشعب ، و( الهدف ) كان واحدا هو زيادة معاناة الشعب العراقي ونشر الفوضى فيه وسرقة ثرواته بابخس الاثمان وفي وضح النهار .
وبعد أن وصل سعر الدولار إلى قمة ( النفخ ) وهو ٣٠٠٠ دينار/ دولار ولم يعد بالإمكان زيادته أكثر من ذلك ، لجأ النظام إلى محاولة ( إعادة ) النفخ مجددا من خلال رفع بعض الاصفار من سعر الدينار على غرار التجربة التركية ، وعقدت عدة اجتماعات في بداية عام ١٩٩٥ حضرها كبار المسؤولين و بعض خبراء النقدية ومنهم من مات ( مثل المرحوم سامي عطو مدير عام التخطيط في البنك المركزي آنذاك ) ومنهم مازال موجودا في الساحة ولا نريد ذكرهم دفعا للإحراج ، وكان الاجتماع يسترشد بما قامت به بولندا في مطلع العام عندما رفعت أربعة أصفار من عملتها ( زلوتي ) ، وأختلف المجتمعون في رفع ثلاثة أصفار او أربعة وتم تأجيل الاجتماع ، ولكن ( ربك بالمرصاد ) فقد قررت الأمم المتحدة تفعيل قرار مجلس الأمن 986 الصادر في 14 نيسان 1995 باستخدام برنامج النفط مقابل الغذاء لتقليل معاناة الشعب العراقي او غاية في قلب يعقوب ، وعند ذاك انكشفت اللعبة ، وانهار الدولار ( المنفوخ ) ليصل إلى ٤٠٠ دينار/ دولار وانهارت معه جميع الأسعار المنفوخة بالتبعية ( بضربة البوري التي كان يتندر بها الكثير ) ، واكتشف الجميع إن حجة ( طبع العملة ) كانت حجة كاذبة استخدمت لتضخيم الدولار إلى أكثر من سبعة أضعاف من قيمته الفعلية .
وبعد أحداث سنة 2003 وسقوط نظام الحكم ، وإلغاء الحصار لاحقا وتدفق الدولارات على العراق بعد الشروع بتصدير النفط ، استمر استخدام ( اسلوب ) سعر الصرف الموازي بعد إجراء التعديلات ، فاغلب الجهات استنسخت مهامها كما اعتادت عليها ، وبعضها تبادلت الأدوار ومن كان ينادي ويعمل للتغيير من خارج العراق تحت اسم المعارضة او غيرها من التسميات، أصبحوا هم الحكومة وبعض رجال الحكومة السابقة تحولوا لمعترضين وحلت بعض الأحزاب محل عوائل النظام السابق وبقى الكثير من المقربين في مواقعهم .
وتم تغير توجيه ( أسلوب النفخ ) من الدولار إلى الدينار ، و( الحجة ) أطلق عليها توفير احتياجات الشعب من خلال الاستيراد ، أما ( الأغراض ) فبقت على حالها وان تغير الأسلوب حيث أصبح الاعتماد على شراء دولارات العراق بثمن بخس مقوم ب( دينار ) منفوخ ، أما الهدف فقد بقي وهو التلاعب بأعصاب ومعيشة الشعب وزيادة معاناته وسرقة ثرواته ، واستمر النفخ في قيمة الدينار حتى وصل إلى سعر الصرف ١٢٠٠دينار/ دولار التي توقف عندها النفخ خوفا من انفجار ( بالون ) الدينار العراقي القوي ، وأهدرت الدولة مئات المليارات من الدولارات للمحافظة على هذا المستوى ( المنفوخ ) ومازالت تنفق لحد اليوم .
وبعد أن أصبح الحفاظ على هذا المستوى صعبا ، لجأت الجهات المستفيدة نهاية عام ٢٠١٣ إلى إحياء فكرة النظام السابق المتمثلة ( بحذف ) الاصفار لغرض إعادة دورة ( النفخ ) مجددا ، ولكن دخول عصابات داعش في الموصل خلط الأوراق وأصاب الجهات أعلاه بالذعر فاجلوا الموضوع لوقت آخر ، واليوم نكتشف إن وهم ( الحاجة إلى الاستيراد ) حاليا هو مثل وهم ( الحاجة إلى طبع العملة ) في أيام زمان ، وان الدينار العراقي قد تم تضخيم قيمته حاليا كما تم تضخيم قيمة الدولار سابقا ، وان ( الحاجة إلى حذف الاصفار ) هي حاجة مقصودة هدفها إعادة تدوير نفايات ( النفخ ) ، وان الشعب العراقي الذي كان يعاني شظف العيش بسبب ( نفخ ) الدولار ، تستمر معاناته بسبب ( نفخ ) الدينار
وان المستفيدين من عمليات النفخ هم من طينة البشر مع تغيير المسميات والشخوص والأدوار ، وخلاصة الموضوع ، إن الاستمرار بسياسة الدينار المنفوخ سوف تنهار في القريب العاجل وربما ستتحول إلى مسالة خطيرة جدا ، فلم يعد لدى الحكومة الدولارات الكافية للدفاع عن هذا السعر ، وليس في الأفق توقعات ايجابية بارتفاع أسعار النفط لتعود إلى ما كانت عليه، مضافا لذلك تداعيات وباء الكورونا .
ونتمنى من الحكومة أن تكون أكثر إدراكا من الحكومة اللبنانية في التعامل مع تحديات سعر الصرف وان لا تسمح بحصول ما حدث في لبنان ، وان تبدأ بتخفيض قوة الدينار الوهمية بالتدريج ، ومن المناسب أن يكون السعر ١٥٠٠ دينار/ دولار في المرحلة الأولى على أن يرافقها تحديد حد أقصى لمبيعات نافذة بيع العملة بما لا يتجاوز مبلغا تحدده الحكومة بحكمة كل يوم ، وإن التخفيض التدريجي المحسوب قد يكون مفيدا في الأمد المتوسط ، وحتى مشاكله سوف تكون بسيطة على ذوي الدخول المنخفضة قياسا بالمشاكل والمعاناة التي سوف يتعرض لها المواطن في حالة الانهيار السريع ، هي نصيحة مجانية ومجرد رأي ، وقد يكون مفيدا الاستماع لصوت المنطق المبتعد عن صوت الباطل والمستفيد او المطبل ومدفوع الثمن .