حملت الينا الأخبار اقدام الشاعر الشعبي العراقي فاضل عبد السادة على الانتحار باطلاق النار على نفسه من بندقية كانت بحوزته في مقر عمله . وهو من أبرز الشعراء الشعبيين في البصرة ، عاش حياته في الغربة وعاد الى وطنه قبل عقد من الزمن ، وكانت له مشاركات واسعة في المهرجانات الشعرية والأدبية والثقافية في العراق وخارجه ، ولعطائه الشعرية نال العديد من الجوائز التقديرية .
ان انتحار الشعراء والمبدعين هي ظاهرة شائعة وليست جديدة ، ويكتنفها الكثير من الأسئلة والغموض ، ويظل الانتحار سراً مطوياً يصعب فكه وتحليل وفهم مغزاه . وقد عرف التاريخ الكثير من حوادث الانتحار التي اقدم عليها الشعراء والمشاهير ، منهم الروائي ارنست همنغواي صاحب رواية “الشيخ والبحر” الشهيرة في الأدب الانساني العالمي العظيم ، الذي بلغت شهرته الآفاق ، وعندما فتك به المرض ووجد نفسه وحيداً قرر التخلص من حياته عن طريق بندقية قديمة كانت بحوزته فوجهها الى نفسه واطلق النار صوبه ، فخرّ صريعاً على الأرض . وايضاً الشاعراللبناني خليل حاوي الذي اختار النهاية نفسها ، فحين اجتاح الجيش الاسرائيلي الجنوب اللبناني وحاصر الغزاة بيروت عام 1982 اصابه حزن عميق ، وساده القنوط ، وانتحر احتجاجاً على الصمت العربي وموقف انظمة الردة والعهر والعار ، التي وقفت ازاء العدوان ولم تفعل شيئاً . والمسرحي الفلسطيني فرانسوا أبو سالم ، مؤسس مسرح الحكواتي في القدس ، الذي ألقى نفسه عن سطح عمارة في طيرة رام اللـه . وكذلك الكاتبة والروائية المصرية اروى صالح ، التي كانت ناشطة نسوية ومن أعلام الحركة الطلابية في الجامعات المصرية في اوائل السبعينيات ، وكانت تكتب في الكثير من الصحف والمجلات المعروفة ، وقد عانت من ملل قاتل واضطراب نفسي ، فضاقت بها الحياة واقدمت على الانتحار بالقاء نفسها من الطابق العاشر . اضافة الى الكاتب المصري اسماعيل أدهم الذي تعلم في جامعة موسكو أيام ازدهار الشيوعية والماركسية فعاد الى مصر مؤمناً حتى النخاع بايديولوجيتهما ، وبالمعارف الفلسفية الجدلية ، وكتب الكثير من الدراسات والبحوث الفكرية والفلسفية ونشرها في الأدبيات والمجلات المختلفة ، وألف عدداً من الكتب أبرزها كتابه “لماذا أنا ملحد” ، الذي أثار جدلاً واسعاً وضجة كبيرة في الساحة الثقافية العربية آنذاك ، وقد كره الحياة فألقى بنفسه في البحر على شاطئ الاسكندرية ، تاركاً رسالة تؤكد انتحاره بسبب ضجره من العيش ، وغير ذلك من الأسماء الشعرية والأدبية والثقافية العربية والعالمية ، التي اقدمت على وضع حد لحياتها .
السؤال الذي يدور بخلدنا وفي اذهاننا : لماذا ينتحر المبدعون والمشاهير من أهل الثقافة والادب والفن ..؟! هل هو اليأس والكآبة والاضطراب النفسي ؟ هل هو الفقر والوضع الاقتصادي والمعيشي السيء ؟ هل هو الشموخ والكبرياء وعزة النفس والاحساس بعدم التقدير من المجتمع الذي يعيشون في كنفه والاعتقاد ان لا كرامة لنبي في وطنه ؟! أم هي الأفكار والمعتقدات التي يؤمنون بها ، وعدم التكيف مع الواقع ؟ هل كل ذلك يدفعهم الى الكآبة الشديدة ويقودهم بالتالي الى الانتحار ..!
من المعروف أن الشعراء والمبدعين هم أكثر الناس حساسية ، وانهم يتميزون بالحس المرهف والرومانسية الزائدة والخيالات الواسعة والايمان بالمثاليات والقيم العليا ، وان خيبات الأمل الشخصية والوطنية والقومية تداهمهم وتواجههم قبل أبناء المجتمع جميعاً ، وانهم معرضون نتيجة التناقض بين الواقع والطموحات والآمال العريضة الى الشعور بالاحباط والكآبة الشديدة ، والنتيجة الحتمية في كثير من الأحيان هي الاقدام على الانتحار احتجاجاً على واقع البؤس والهزيمة والتخلف .
فرحمة اللـه على الشاعر الشعبي العراقي عبد السادة ، وأبعدنا عن مجرد التفكير بهذا المصير التراجيدي المؤلم ، وعلى المبدع والمثقف أن يكون أكثر وأشد ايماناً وقوة وصلابة أمام نوائب الدهر ومصاعب الحياة ، والصمود بوجه الهزائم والنكسات والأزمات النفسية وتحدي الواقع ، رغم بؤسه وتخلفه وصعوبته .