19 ديسمبر، 2024 12:54 ص

لعنة الاتصاليون تقتل صحافتنا !

لعنة الاتصاليون تقتل صحافتنا !

استهواني فيلم مترجم أكشن منذ سنوات،ويجسد أحدى المهمات القتالية التي خاضها الجيش الأمريكي،خلال خلال التسعينيات ،و كانت أكثر اللقطات دموية ،استخدام الطائرات ما تسمى بـ (الدرونز) ،ذات الجسم والمخلب السميك واللون العسكري الصاخب، بتنفيذ غاراتها الجوية مخلفة خسائر لا حصيل لها بالأرواح والمعدات ،حتى بادر في ذهني بأن الدرونز دلالة الى القتل والتدمير،وكالزلزال المفتعل.
وعلى مرور دفة من السنين فقد حضرت أحدى المناسبات الاجتماعية لأحد الأقرباء ،وأصبت بالدهشة وإذا بشاب ما بين الحضور يتحكم عن بعد بطائرة (الدرونز) المصورة، في فضاء الاحتفالية ،وهي تحلق بصورة مرنة لتصوير كل لقطات مراسيم الاحتفال ،من بينها ضحكات العروسين ،وإطلالتهما الجذابة ،ومشاورات وحركات الغيورات من وسامة العروس ،واستذكرت الفيلم الذي شاهدته عن (الدرونز العسكرية) ،وأوصلتني الى ساحة بعيدة عن الظنون بأنني في فضاء حربي ،فحينها عرفت بأنه لا داعي للمفاجئة بفعل التطور التكنولوجي والتي كان لعالم الصحافة،الحصة الكبيرة منه،والذي حولها الى صحافة البيانات ،أو صحافة الموبايل ،أو صحافة المستقبل ،وصحافة الويب، حتى راودتني مقولة وبضحكة خافتة (سأستذكر الصحافة الاعتيادية ،كما أستذكر تراث جدي)
وهذه التحولات لم تقف عن حد التصوير فقط ،فقريبا سوف يزدل الستار على الخبر وسيموت كما يموت الانسان ،ومن كان يتفاخر بإتقان التحرير وفق قوالبه الجميلة،فأن عصر التفاخر قد انتهى،وحلت محلها قوالب عصرية حديثة كالانفوغرافيك والفيديوغراف،والبرودكاستنغ، والملتميديا ،التي قتلت النص المكتوب ،وحولتها الى نص مرئي ،وبموت الخبر ،سيختفي صوت بائع الجريدة ولرائحتها الزكية فلم نعد نسمعه كما بالسابق بكل صباح،منذ أن اقتحم التقنيون والاتصاليون المزعجون عالم الصحافة الجميل ،فالعالم لم يعد يرغب بالقراءة الطويلة، فأصبحت غير مرغوبة ومملة عند الكثير، فلا يوجد الوقت ولا الرغبة ،فالتقنيون مزاجيون ،فحولوا الصورة الكتابية لصورة مرئية كما نشاهدها في الألعاب الالكترونية الحديثة .
تهديدات التقنيون الاتصاليون المزعجون وصل إلى أبواب القنوات الفضائية ،وأصبح التهديد هذه المرة بالإغلاق !! فالأمر أصبح مخيفا حقا، فالقناة التلفزيونية التي تحتاج الى تراخيص ،وأقمار صناعية ،وجيوش الزملاء الصحفيون،وابتسامة مذيعة الأخبار الرشيقة ،وصالون الاستوديو المخيف المدجج بآلاف الكابلات والمايكات أصبح الأمر أبسط مما تتصوره ،فكل ذلك أختزل عبر أنشاء لقناة تلفزيونية على اليوتيوب ،تديرها وأنت ممدد على أريكة البيت،وتشرب الشاي، لمجرد انتاج مضامين أخبارية وترفيهية وتجارية رصينة ،كفيلة بذر أرباحا تجارية غير قليلة، هذا التحول التكنولوجي أصبح مخيفا يا صحافيين ،فقد تم ضرب أبجديات الإعلام وصحافتنا على وجه التحديد عرض الحائط ،وأنهى أرزاق العاملين المساكين،فمقولة “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” لا بد أن نوجهها لهؤلاء الاتصاليون !.
نشرة الأخبار قريبا ربما لم تعد تحتضن جيوشا من العاملين الصحفيين من هم زملاء النشرة ،لد يعد زمانهم ولا مكانهم ،ستختفي ضحكاتهم ،لم يعد لأحبار أقلامهم دورا يذكر في كتابة الخبر الذي يعد (نبض الصحافة) ، فستقلص أعدادهم ،من قبل مالك المؤسسة بعد ضعف ميزانية المؤسسة ،سيكون الزملاء على عدد الأصابع ،أو يديرها صحفي واحد واحد يسمى بـ (صحفي الملتميديا) أو (one way) !!، ،يدير كل هذه الواجبات ،بمجرد إتقانه لـ (الموبايل الذكي) أو الحاسب ،وهو من ينتج الصورة والصوت والمونتاج والإخراج ،وهو جالس في مقهى المدينة ،سيختزل دور هؤلاء الذين عملوا على مدار سنين بالبحث الشاق عن المعلومة لاخبار الناس بها وهم فرحون ، سينتقلون بين ليلة وضحاها الى خانة الصحفي التقليدي ،كل هذا بفعل التقنيون اللعينون الذي ضربوا أساسيات صحافتنا عرض الحائط ،مؤكدا أننا سنستذكر الصحافة الاعتيادية خلال السنوات القريبة كما أستذكر تراث جدي وجدك!!