( قراءة لما يجري )
– جزء2 –
مما ذكرناه أعلاه يتضح ان ماجرى ويجري من أحداث وتحركات على أرض الواقع في المسار السياسي أو العسكري أو الاعلامي ليس مجرد فعاليات آنية أو عشوائية يقوم بها بعض السياسيين أو بعض العساكر كردات فعل لأحداث تحصل على الارض وانما هو برنامج مخطط ومدروس خرج من رحم الطروحات والمشاريع التي ذكرناها اعلاه وهو تخطيط بعيد المدى لتحقيق مصالح أمريكية وأسرائيلية تم رسمها ويجري تنفيذها بعناية منذ عدة عقود وجرى المضي في تنفيذها منذ سنوات طويلة وربما (( قريبا أو أبعد قليلا )) سنرى نتائج مايجري من فعل وفعل معاكس على الارض من جهات مختلفة ومن دول وأطراف مختلفة تتصارع وتتدافع على هذه الارض وفق الاطار المرسوم اعلاه وان اختلفت بعض التفاصيل أو شطت بعض الاحداث لكنها لن تبتعد كثيرا عن هذا الذي رسموه وحركوا لأجله أجيالا من الساسة والمفكرين وكهنة المعابد الذين وفروا الاغطية وفتحوا الطرقات لما مخطط أعلاه بشكل مباشر أو غير مباشر .
والذي جرى في العراق من أحداث منذ ماقبل عصر الجمهورية أو منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الان لايخرج عن هذا الاطار ولايخرج عن اطار الاتفاقيات السابقة المرسومة من قبل الغرب ابتداء من مؤتمر (( كمبل في لندن عام 1905 )) الذي دعت اليه بريطانيا وحضرته الدول الاستعمارية وقتذاك بريطانيا – فرنسا – اسبانيا – ايطاليا وغيرهم من الشخصيات والعلماء والمفكرين تحت شعار معلن هو كيفية نزع سلاح محور الامبراطورية العثمانية والمانيا ، وفي الحقيقة كان هذا المؤتمر الذي استمرت جلساته لوقت طويل لغرض البحث ورسم الخطط المستقبلية التي حصلت فيما بعد للمنطقة بعد ان بدأت بوادر ضعف وشيخوخة الامبراطورية العثمانية وظهور بوادر وعي عربي قومي يسعى للخروج والتحرر من الهيمنة والتركة العثمانية في عدد من الدول العربية . وتم رسم المنطقة لاحقا بموجب المخططات التي تم الاتفاق عليها في هذا المؤتمر من سايكس – بيكو الى وعد بلفور والقضية الفلسطينية وغيرها .
والاحداث اللاحقة في المنطقة وماجرى بعد ذلك من مجريات في الامور سواء في العراق أوغيره من دول المحيط لم تخرج عن هذا الاطار أو الأطر اللاحقة التي ذكرناها في بداية هذا الموضوع .
لقد تم توظيف المنطقة من خلال الاحداث المتصاعدة أو المتضاربة أو المتعاكسة بما يخدم هذه الخطط والمشاريع ، بما في ذلك تم توظيف حتى حركاتنا (( الوطنية )) وتياراتنا النضالية اذ تم استثمار اخطائها وتوظيفها لخدمة هذه الاهداف أو توظيفها بشكل مباشر للخدمة المذكورة اعلاه .
فقد تعاقب علينا الحكام وولاة الأمر الذين تم توظيفهم والاستفادة منهم بشكل مباشر أو غير مباشر – معلن أو خفي – متفق عليه أو غير متفق بما يخدم أغراض وغايات الغرب أعلاه أما بسبب عمالة وتابعية هذه الانظمة للغرب أو بسبب جهلها وعدم قدرتها على تكوين وخلق المشروع العراقي ، أو جهلها في كيفية ادارة وتكوين دولة سليمة متعافية لاتشوبها التشوهات الفكرية أو الخلقية .
لقد أوغلت قرون الأحتلال والغزوات المتتابعة علينا في عمق ذاكرتنا ، وحفرت في شخصيتنا ووعينا وثقافتنا بأشكال مختلفة ، بأختلاف الغازي والمحتل والحاكم ((بأمر الله )) أو (( بغير أمر الله )) ، وأنتجت لنا وعيا (( تابعيا )) ينقاد بأبسط خيوط التابعية ويستأنس بطقوس الوصاية عليه والتحكم به . قرون طويلة لاتحسب بعمر الزمن فقط وانما بعمر تكويننا ونشأتنا وتداول الوعي والتركيب الفكري لدينا ، قادتنا الى تنوع وتمزق مشاريعنا الفكرية وتشظي الرؤى والخيارات والأهداف ، ورسمت لنا ملامح متفاوتة وغير منسجمة ، متناقضة ومتقاطعة ، متناحرة ومتصارعة في أحيان كثيرة .
فعلى أثر الأحتلالات والتمزقات القديمة ، وعلى أثر الاحتلال العثماني ومن ثم تمزق الأمبراطورية العثمانية واستفحال وتنوع النشاطات الأستعمارية في المنطقة ظهر (( الفكر القومي )) ، ظهر (( الوحدويون العرب )) دعاة الوحدة (( العربية )) الشاملة بكل مشاريعهم ورؤاهم ، وظهردعاة الوحدة (( الأسلامية )) الشاملة ، أو دعاة الوحدات ((الأقليمية )) المحددة ، وظهر دعاة الدولة (( القطرية )) ، ودعاة الأتحاد ((العربي)) أو الأتحاد ((الأسلامي)) . برزت الجدالات والنزاعات العقيمة بهذا الخصوص بين (( القطرية أو القومية – الوحدة أم الأتحاد العربي )) ، وبرزت الى الساحة مسميات ومصطلحات متعددة الألوان والمذاهب .
— يتبع جزء 3 —