إن من أهم مقوّمات حياة الانسان الكريمة أن يكون له عمل يدرّ عليه المال ويكفيه الحاجة إلى الاخرين، الا ان الأوضاع الاقتصادية احيانا تأخذ باتجاه النزول حتى درجات شديدة في الفقر فتصبح حياة الانسان وكرامته عرضة للامتهان.
وقد جرت حياة الانسان على هذا النحو حتى وردت النصوص الشرعية بمدح العامل وذم المتكاسل، وعُدّ الأول اكثر تعبداً من الثاني، وان قضى الثاني ساعات يومه في المساجد.
ومن الغريب ان نجد هناك من يناقش في استحقاق الانسان العامل لأجره مهما كان عمله بسيطاً؛ لان هذا الاستحقاق أصبح جزءًا من ثقافة البشر في كل بلدان العالم.
وفي العراق كما في عدد من البلدان كانت السلطة الحاكمة لا ترى حرمة لدماء الناس ولا لأموالهم فكانت تحكم بالحديد والنار على ابسط الاخطاء حتى وصل ان الذي يتهجم على رئيس الدولة في العلن يعاقب بالإعدام وفي السر وقد وشى به بعض الواشين بالسجن المؤبد وفي كلا الحالتين تصادر امواله المنقولة وغير المنقولة.
وقد بلغ ن سخرية الايام ان يدخل الطاغية ثلاثة اسماء ضمن هذا القرار معتبرا ان التهجم عليهم يستحق نفس العقوبة وهم ملك الاردن والرئيس المصري والرئيس اليمني فكان المصري يعاقب بالسجن المؤبد اذا سب حسني مبارك وهكذا الاردني واليمني وفعلاً رأيت بنفسي عدداً من المصريين قد حكموا وفق هذا القانون المثير للسخرية.
وبعد انتهاء تلك الحقبة جاءت السلطة الجديدة وبدأت بسنّ بعض القوانين التي تحاول فيها ان تنصف بعض المضطهدين وكانت هذه القوانين في الغالب لأهداف سياسية انتخابية ووضعت السلطة الجديدة يدها بيد نفس ابناء الجلاد لتاتي ببعض التعويضات وهي في الحقيقة تريد كسب التأييد وليس لها هدف اخر وان شعار انصاف المظلومين انما هو حبر يقرا قبل الانتخابات بأشهر ثم يخبو وهجه حتى الانتخابات القادمة بل عملت هذه السلطة بسبب فسادها ووضاعتها على اعادة الكثيرين من الجلادين لنفس الغاية وهو كسب التأييد لها أو كسب التأييد لمن هو معها من ازلام تلك الحقبة وصار جزءًا من العملية السياسية.
وتعددت تلك القرارات التي تحاول فيها الطغمة الفاسدة كسب رضا الجماهير التي كانت تعاني في زمان الطاغية وكانت بعض تلك القوانين مكلفة ماديا وفيها تعويضات كبيرة لكنّ الفاسدين طبقوا تلك المميزات على ازلامهم من الداخلين في هذا القانون سواء دخلوا بالتزوير أو فعلاً كانت تنطبق عليهم بنود القانون، وبالرغم من هذا كلّه فان أوضاع البلد الاقتصادية كانت تساعد على تمرير مثل هذه القوانين دون ان يشعر أحد بالأمر أو يتضايق من التكلفة.
الا ان عام 2013 شهد سن قانون جديد للتعويض لمن كان في معسكر رفحاء في السعودية لكنّ هذا القانون لم يطبق وتم التحايل عليه بقانون اخر وتم رفضه الا ان جاء من عمل واخرج حيلة جديدة فادخل المذكورين في قانون سابق بعد الاستعانة بفاسد لا يهمه غير البقاء في الكرسي وبعثي لا يهمه غير البقاء في السلطة وبسبب هذه الخطوة تم اعادة رواتب 30 الفا من الاجهزة القمعية( فدائيين ومخابرات وامن وجهاز امن خاص…) فكانت صفقة سرية بدون علم مجلس الوزراء بل ومع رفض مجلس الوزراء لنفس الخطوة الا ان من تحرك لتمرير هذا القانون ما كان يهمه الا ما كان يهم غيره من الفاسدين وهو الفوز بالانتخابات القادمة وفعلاً شارك بعدها مرتين معتمدا على دوره في تمرير هذه الصفقة واعترف انه تمت مساومته لكنّه ما كان يهمه غير تمرير القانون وقد فشل في دورتين انتخابيتين وظل اسمه لهجا على شفاه الفقراء منبوذا ومطرودا بسبب فعلته تلك.
وعندما تأزمت الحالة الاقتصادية في البلد بسبب الحرب ضد داعش تبين حجم الضرر الذي أحدثه هذا التحرك في الوضع العام وصارت الدولة تعاني وتشكو من النفقات خصوصاً بعد ان تبخرت ميزانية 2014 دون ان يعرف أحد كيف تبخرت.
وعندما انتبه الناس إلى القضية بدأت المشكلة الحقيقية وهي ان هذه الرواتب هل هي مستحقة ام لا ؟ خصوصاً وان الفئات التي شملت بالقانون ما كانت مشاركة بالانتفاضة الشعبانيّة الا بنسبة ثلاثة بالعشرة على احسن التقادير ومع وجود اضعاف هذا العدد خرج إلى دول اخرى ومع ذلك لم يتم شموله بالقرار بالإضافة إلى عدم شمول الذين قاتلوا النظام وصمدوا في الداخل على امل حصول فرصة اخرى للانتفاض عليه من جديد ولا زال الكثيرون من هؤلاء يعيشون في البلد والكثير منهم عندهم اصابات في اجسادهم نتيجة القتال مع قوات النظام الصدامي.
وبغض النظر عن ان الموجودين في رفحاء لم يكونوا جميعا من معارضي النظام بل كان البعض منهم من قوات النظام الصدامي ( من الاسرى الذين سلموا انفسهم إلى القوات الامريكية أو كانوا اسرى عند القوات السعودية بعد حرب الكويت وهزيمة الجيش العراقي بل تواجد ايضا معهم بعض السجناء الهاربين من سجون الدولة لما تم فتح سجون التسفيرات ومديريات الامن ومراكز الشرطة ومنهم شخصيات معروفة ) الا ان السؤال يجب ان يكون شاملا لكل الاصناف التي شملت بالقوانين التي اقرت منذ عام 2006 وحتى الوقت الحالي.
وعلى سبيل المثال السجين السياسي اذا كان قد تعرض إلى مصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة فمن الطبيعي أن امواله هذه يجب ان تعود اليه وهكذا الاشخاص الذين تعرضوا إلى اضرار جسدية يمكن تعويضها بالمال ومن الطبيعي ايضا اعادتهم إلى الوظيفة ومثله المعتقل السياسي اذا تعرض لأمور قابلة للتعويض مثل الاضرار الجسدية وهكذا الذين شاركوا في الانتفاضة وتعرضوا إلى مصادرة اموالهم.
ولكن ان يرى السجين او المعتقل او غيره نفسه مميزا عن بقية افراد المجتمع فهذا نهج اول من اسسه الخليفة الثاني عندما ميز بين المهاجرين وغيرهم حتى صار بعضهم يضرب بغناه المثل وصار المال عندهم يكسر بالفؤوس وبقية المسلمين في حاجة وضنك وعندما جاء علي عليه السلام أمر بإعادة كل مال اخذ بهذه الطريقة وساوى بين الجميع بل ساوى بينه وبين عبده الشاب قنبر ومن الغريب ان ننتمي إلى صوت العدالة الانسانية الذي لم يفرق بين الناس ونقبل بمنهج منكري خلافته لأنه يصب في مصلحتنا الضيقة.!!!!!
والقضية الاساسية هل الرواتب التي يأخذها السجين والمعتقل والمحتجز في معسكر رفحاء مستحقة كما هو حال راتب الموظف الذي يقوم بعمل وتنتهي مدّته ثم يتحول إلى متقاعد ؟؟؟
الجواب بشكل واضح الفرق بينهما واضح مثل الفرق بين السماء والارض فان الموظف اخذ راتبه وفق آلية قانونية معروفة وان كل موظف يدفع خلال مدة وظيفته جزءًا من راتبه إلى صندوق التقاعد حتى يستحق هذا الراتب، وبالتالي فالدولة تعيد لهم أموالهم، اما غيرهم (من دون فرق بين السجين وغيره) خصوصاً اذا علمنا ان بعض المشمولين بالقانون كانوا يحصلون على رواتب من الدولة التي احتضنتهم.
ولعل التوجه الحكومي الان هو تتمة لتحرك حصل قبل مدة من اجل مراجعة قوانين المرحلة الانتقالية خصوصاً وان هناك مشكلة أحدثها القانون وهو ازدواج الراتب الذي جعل البعض يستلم اكثر من راتب بحجة هذه القوانين في الوقت الذي منع القانون من ازدواج الراتب، وعندما تتحرك الحكومة لجعل الراتب واحدا لكل عائلة فهذا امر منصف للفقراء في البلد وعندما تتحرك الدولة لتقليل الراتب الخاص بالسجين أو المعتقل أو المحتجز فهذا ايضا امر مقبول جدا خصوصاً اذا تحركت في الوقت نفسه لتقليل مخصصات الرئاسات والنواب ونواب البرلمان والدرجات الخاصة بسبة تتجاوز الستين أو السبعين بحسب تلك المخصصات وهذا ما يبدو من خلال المسودة التي نشرت.
لهذا نقول استحقاق الراتب هو للموظف المتقاعد واما غيره فهو يستحق التعويض اذا تعرض للضرر المادي أو الجسدي ، وان شاءت الدولة ان تعطي رواتب لهم غير التعويض فلابد ان تلاحظ الا يكون مبالغاً فيه فان اعطاء غير المستحق اكثر من المستحق ظلم للمستحق وتمييزاً بالباطل بين ابناء الشعب.