19 ديسمبر، 2024 10:13 م

بغداد.. واشنطن، حوار أم املاءات

بغداد.. واشنطن، حوار أم املاءات

انتهت قبل ايام جلسة الحوار الاولى، والتى دارت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. استغرق الحوار ساعتين لا اكثر. تم فيها الاتفاق على عقد جلسة حوار مباشر في واشنطن، في تموز القادم، ان سمحت الظروف في هذا. البيان الذي صدر من الخارجية العراقية كان بيان غامض، ومختصر، وبلغة انشائية، ورمادية، في الوقت ذاته، كان بيان الخارجية الامريكية، واضحا تماما، بين جميع نقاط الحوار. الذي يلفت الانتباه في بيان الخارجية الامريكية، كان عبارة عن كشف للائحة المساعدات والاسهامات الامريكية في مساعدة العراق، سواء في البناء.. او في قتال داعش.. في الاثنين لا يرى العراقيون، اي اثر جدي وفعال لهما على ارض الواقع. بيان الخارجية الامريكية ركز على الجانب الاقتصادي والامني واجراء انتخابات مكبرة. من جانب ومن الجانب الثاني اكد على سحب البعض من القوات الامريكية، والتفاوض على آلية وجود القوات الباقية. ان اي فاحص او اي قاريء متمعن لما جاء في البيانين، يلاحظ وبكل وضوح؛ ان الجلسة عن بعد لم تكن جلسة حوار بل هي وفي واقع الامر وحقيقته، جلسة أملاءات، وليست جلسة حوار. في السياق ان هذه الجلسة او التى سوف تكون في تموز، جاءت في ظرف تعاني منه الولايات المتحدة من اضطراب داخلي بل الحقيقة ثورة داخلية، ربما تهدد بحرب اهلية. من الجهة الثانية وهي جهة مهمة ومهمة جدا، عرت الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، وجردتها من المعزوفة حقوق الانسان التى طالما عزفت بها على منصات المحافل الدولية، على مر العقود وبالذات في العقدين الاخيرين، من الثورات الملونة الى الربيع العربي، في وقت تعاملت مع ابناء شعبها الذي يطالب بالحرية والكرامة وبالعدل وتساوي الفرص في الحياة، بقسوة. ان من الغريب الاعتماد على الولايات المتحدة في دعم واسناد الديمقراطية في العراق او المساهمة في بناء العراق وهي العاجزة عن نشر العدالة او بلغة اكثر تمثلا للواقع؛ غير عادلة في توزيع فرص الحياة، في المجتمع الامريكي وبالذات الامريكان الافارقة او حتى الاسوين او من الامريكيين اللاتينيين، فكيف تكون عادلة في علاقتها مع دول العالم الثالث، والعراق واحد منه، بكل تأكيد، سوف تكون علاقة التابع والمتبوع، علاقة اللص مع الحارس، في تناغم توافقي، وترضوي. من جانب ومن الجانب الثاني؛ ان الولايات المتحدة هي من اوصلت العراق الى وما وصل اليه في الوقت الحاضر، لهدف استراتيجي كنا قد بيناه في مقال سابق، ألا وهو الحصول على بقاء دائم في الارض العراقية ربما لعقود طويلة قادمة، ولحسابات استراتيجية تتعلق بمناطق نفوذها في المنطقة، وأمن الكيان الاسرائيلي، في ظل تعدد اقطاب الصراع الدولي، النفعي، والمصلحي في العالم. صحيح ان اوراق الضغط التي بيد الولايات المتحدة، اوراق ضغط قوية بل قوية جدا، والسبب هو اقطاب العملية السياسية، وايضا كما اسلفنا الولايات المتحدة. لكن ومن الجهة الثانية، ان الولايات المتحدة، وفي الايام الاخيرة، انزلق مجتمعها الى الصراع بين الاغلبية المظلومة وبين الفئة الظالمة، او بتوصيف يجسد الواقع، بين انتفاضة المظلوم على ظلم الظالم، والتى كشفت عن الانقسام العميق في المجتمع الامريكي، حتى وصل الامر الى الحرق والنهب. وهذا لايعني السود فقط بل اكثر الفقراء من البيض وبالذات في الولايات الجنوبية. ان مستقبل الولايات المتحدة لايبشر بخير لها، فهي تتراجع وعلى مختلف الصعد سواء في الاقتصاد او في المجال الدولي الحيوي. حتى العملة التى كانت رمز قوتها المالية وهي كذلك حتى الآن، لكنها بدأت تتراجع بقوة امام العملات البديلة، كعملة الرقمية الصينية ونحن هنا نتحدث عن المستقبل القريب، وامام التكتل الاقتصادي في اوراسيا وفي البريكس، والتى بدأت البعض من الدول الاعضاء فيه، تتعامل بالعملة المحلية بدل الدولار. العالم سئم الجبروت الامريكي، والكبرياء الفارغ الامريكي، والاستغلال الامريكي، حتى باتت اغلب الدول بما فيها حلفاءها تتطلع الى الفرصة التى تفض هذا (التحالف) او (الصداقة) كي تبحث لها عن طريق مستقل يحمي ويصون مصالحها.. الولايات المتحدة وفي هذا الظرف مهددة بالحرب الاهلية ونحن هنا لانتمنى ذلك، لشعبها ولكن هذا هوالواقع الذي صنعه الظلم وانعدام العدالة. جو بايدن المرشح الديمقراطي يقول، انه سوف لن يعترف بترامب حتى لو فاز في الانتخابات القادمة، ويؤكد لا أنا ولا الديمقراطيين، و لا الولايات الجنوبية، نعترف بترامب ان فاز في الانتخابات، رئيسا للولايات المتحدة الامريكية. وهذا تصريح ان كان صادقا في التنفيذ فهو خطير جدا، ربما يقود الى الحرب الاهلية، وبالذات بين ولايات الشمال ولايات الجنوب. في الصدد، في الوقت الذي في حوزة الامريكان اوراق ضغط في الحوار، (وهو ليس حوار بل املاءات) كذلك لدى المفاوض العراقي (ونحن هنا نفترض افترضا بان هناك حوار وليس منصة املاءات)، اوراق ضغط حتى وان كانت ضعيفة ظرفيا، لكن تفعيلها بقوة لحظية، ولجهة المستقبل؛ تشكل مطرقة على ذراع الارادة الامريكية، مما يضطرها الى سحب هذه الاذرع كي لاتنكسر، وبالتالي تفقد فعلها في التأثير المستقبلي؛ اولا، الولايات المتحدة تهدد العراق بالعودة به الى الفصل السابع عن طريق مجلس الامن الدولي( وهو تهديد مضمر وغيرمعلن بوضوح..لكن الولايات المتحدة ترسل به، رسائل للتأثير التفسي..) وهذا امر بعيد الاحتمال اي ليس لدى امريكا القدرة في تفعيل هذا البند في المجلس اعلاه، لمعارضة الصين وروسيا بما تقتضيه مصالحهما، ان جرى التلويح الفعلي لهما بها، ولأنه صار جزءا من الماضي الذي تجاوزته الاحداث..وذات الامر ينطبق على التجارة والمال والنقد اي هناك البديل عنها في المحيط الدولي، في ظل الصراعات الدولية، التنافسية،على المنافع والمكاسب والنفوذ.. ان اي قطيعة في الحوار بين العراق والولايات المتحدة، سوف تضر ضررا بلغيا في العراق، ولكنها ومن الجهة الثانية سوف تسبب أضرارا كثيرة وعميقة على الولايات المتحدة، لجهة المستقبل. عندما تتأكد الولايات المتحدة، بان العراق في حالة القطيعة معه، سوف يمد الجسور مع القوى الدولية الاخرى، في التنمية والتسليح والعلاقات الاخرى، وتتأكد ايضا من وحدة وصلابة الموقف العراقي اي المفاوض العراقي، سوف تضطر في البحث عن الحلول الوسط، بما يحفظ للبلد حقه في السيادة والاستقلال والكرامة، حتى يتم العبور به من ضفة الضعف والانقسام الى ضفة القوة والوحدة. ان الوجود العسكري الامريكي غير مقبول بالمطلق، ويجرج جسد السيادة، لذا، على المفاوض العراقي ان كان جادا في اخراجهم اي الامريكيين من ارض الرافدين العظيمين، البحث عن اي طريقة ووسيلة لأخراجهم حتى اخر جندي امريكي من هذه الارض.

أحدث المقالات

أحدث المقالات