تسعة رؤساء وسليم بصري واحد بالرغم من كل ما اشارت اليه اقلام تقييم النقد الفني لمدرسة المرحوم سليم البصري واداءه المميز التلقائي ، والذي امست الكثير من جمله عباره عن لازمة يستخدمها المواطنون العراقيون باختلاف مستوياتهم الثقافية واعمارهم ، فلقد تفوق على ابناء جيله ومن سبقه ولحقه بدخوله الى بيوتات الناس دون استئذان كأنه صديق واب واخ للاسرة العراقية ، دليله الدائم.
( عبوسي ) الذي لم تظهر اي ملامح لصلة قرابة او دم بينهما طيلة حلقات ( تحت موس الحلاق ) ، مما يسلط الضوء على جانب مهم من ثقافة تلك المرحلة وابجدياتها في المجتمع العراقي المليء بقيم الانسانية والتلاحم ، بالاضافة الى الكم الهائل والدسم من العفوية في الاداء والحوار ، مما يجعلك طيلة الوقت مشدودا الىالمسلسل ، كي لا تغادرك في لحظة سهو ( تحشيشة ) من البصري المعلم الكبير ، وبالرغم من بساطة الادوات المستخدمة في حينها كاكسسوارات وديكور وانارة وزوايا كاميرا ، الا ان البصري حجب رؤية المشاهد تماما عنها وجعله متبسمرا امام الشاشة يتقبل الافيهات والنكات بشيء عالي من الاسترخاء ، لقد مرت على سليم البصري ومحله للحلاقة و ( چراويته ) البغدادية عشرات السنوات الا انها لازالت راسخة في ذهن العراقيين كجزء من موروث الذاكرة الجميلة وحنين لماضي اجمل ، اكثر ما يمكن وصفه بأنه مرحلة الزمن الجميل ، على مستوى الوضع الاجتماعي الذي اختزله ابداع سليم البصري في حلقات معدودة ، نسج من خلالها بخيوط الحرير صورة جميلة لمرحلة عاشها وترجمها البصري استمرت خالدة لمراحل لحقتها حتى بعد مماته ، تركت بصمتها الدائمة للفرح بإنعكاس اجتماعي مبني على الفطرة الانسانية النظيفة المصفاة من ملوثات العصر الذي زامنها مع تقلبات سياسية ،وعمليات الصراع و ( السحل ) واعمدة الكهرباء التي تحولت الى مشانق لرقاب العراقيين ، والتصفيات الجسدية والاغتيالات والحروب الطائفية ، لقد احتوت مرحلة سليم البصري حقبة الستينات برحمانييها والسبعينات ببكرها ، واستمرت خالدة في عقل ووجدان المواطن العراقي لغاية الان فاخترقت المرحلة الصدامية وما بعدها من علاويها وجعفريها ومالكيها وعباديها وعبدالمهديها وكاظميها ، فوثق البصري صورة اجتماعية نقية وجميلة للمرحلة ، ولقيمة الفنان الذي احتوى الشعب ، فضمه الشعب في ضميره وقلبه ، بدون ان يضع جيوشا على بواباتهم او يسلط عليهم عشرات القنوات التلفزيونية والاف من الطبالين ، كما فعل تسعة من رؤساء العراق ، الذين تفوق عليهم سليم البصري بحب الناس وامتلاء ذاكرتهم به ، فنال اثرا طيبا وذكرى متلألأة ، ولم ينالوا الحكام من الشعب سوى الاثر السيء ، وافضوا به الى صورة من التوحش والسوداوية ، سليم البصري وفنانين كثيرين هم رسالة هادئة سامية ودائمة ، امام صورة هيجان الحكام وجبروتهم وزوالهم الحتمي من الوجود والذاكرة ، الذين لم يخلف التاريخ لهم شيء يذكر سوى اللعنة.