تاريخ الإسلام – قراءة جديدة – شيعة علي – سنام العرب
واحدة من أشد أنصار علي بن ابي طالب وأعرقهم كانت قبيلة ( ربيعة ) . ومواطنها التاريخية من مدينة الغراف في الناصرية حتى مدينة الكوت ، تجاورها من الشرق قبيلة طيء ، ومن الجنوب بكر بن وائل ، وبين طيء وبكر الموالي من نبط العراق ، ومن الشمال والغرب همدان ومذحج والنخع وأسد والأنصار .
جاء انه ( حين مرّ علي بأهل الرايات يوم صفين فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس، وقال: لمن هذه الرايات؟ قلنا: رايات ربيعة. قال: بل هي رايات الله، عصم الله أهلها وصبرهم وثبت أقدامهم[1] ). وقال في اهم ليلة من ليالي صفين وأشدها : فخر طويل لك يا ربيعة . وكان امير المؤمنين علي بن ابي طالب قد سار بين رايات ربيعة في صفين ، فتعاهدوا على الموت الا يصاب وهو فيهم . وأحاطوا بأمير المؤمنين حياطة بياض العين بسوادها. وقد اشترط سبعة آلاف منهم الا يعودوا الا ان أزالوا فسطاط معاوية ، فلما رأى معاوية جلادتهم هرب الى بعض مخيم العسكر وخلى لهم عن فسطاطه بمشورة عمرو بن العاص . فقال لهم علي : أنتم رمحي ودرعي .
قال في الكامل في التاريخ ( … كر عبيد الله بن عمر وقال : يا أهل الشام إن هذا الحي من أهل العراق قتلة عثمان وأنصار علي . فشدوا على الناس شدة عظيمة ، فثبتت ربيعة ، وصبروا صبرا حسنا ، إلا قليلا من الضعفاء والفشلة ، وثبت أهل الرايات وأهل الصبر والحفاظ ، وقاتلوا قتالا حسنا ، وانهزم خالد بن المعمر مع من انهزم ، وكان على ربيعة ، فلما رأى أصحاب الرايات قد صبروا رجع ، وصاح بمن انهزم ، وأمرهم بالرجوع فرجعوا ، وكان خالد قد سعى به إلى علي أنه كاتب معاوية ، فأحضره علي ومعه ربيعة ، فسأله علي عما قيل ، وقال له : إن كنت فعلت ذلك فالحق بأي بلد شئت ، لا يكون لمعاوية عليه حكم . فأنكر ذلك . وقالت ربيعة : يا أمير المؤمنين ، لو نعلم أنه فعل ذلك لقتلناه ، فاستوثق منه علي بالعهود ، فلما فر اتهمه بعض الناس ، واعتذر هو بأني لما رأيت رجالا منا قد انهزموا استقبلتهم لأردهم إليكم ، فأقبلت بمن أطاعني إليكم . ولما رجع إلى مقامه حرض ربيعة ، فاشتد قتالهم مع – ضد – حمير وعبيد الله بن عمر ، حتى كثرت بينهم القتلى ، فقتل سمير بن الريان العجلي ، وكان شديد البأس ، وأتى زياد ( بن عمر ) بن خصفة عبدَ القيس فأعلمهم بما لقيت بكر بن وائل من حمير ، وقال : يا عبد القيس لا بكر بعد اليوم ، فأتت عبد القيس بني بكر ، فقاتلوا معهم ، فقتل ذو الكلاع الحميري وعبيد الله بن عمر )[2] . ومنه نعلم ان عبيد الله بن عمر يشير بصورة مباشرة الى ربيعة في مقتل عثمان بن عفان ، لا لأنهم كذلك فعلاً بل لما يعلمه من معارضتهم لحكومة عثمان واخلاصهم في دعم علي . ودعمهم لعلي واضح في محاكمتهم لأحد زعمائهم امام علي على الدين والعقيدة ، وهو امر يذكرنا بما فعله الأنصار في بعض مواقفهم عند رسول الله . خطب فيهم ( أبو عرفاء ) يوم صفين قائلاً ( … و إنّ الجنة لا يدخلها إلا الصابرون، الذين صبروا أنفسهم على فرائض اللّه و أمره، و ليس شيء مما افترض اللّه على العباد أشد من الجهاد، هو أفضل الأعمال ثوابا. فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا. ويحكم، أ ما تشتاقون إلى الجنة، أ ما تحبون أن يغفر اللّه لكم؟ ) فشد وشدوا معه فاقتتلوا قتالا شديدا، و أخذ الحضين يقول:
شدوا إذا ما شد باللواء* * * ذاك الرقاشي أبو عرفاء
فقاتل أبو عرفاء، حتّى قتل. و شدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها[3]. وهو لم يحرك فيهم الدنيا ، بل الآخرة بذكر الجنة ، وهو امر يكشف عن عظيم عقيدتهم في علي بن ابي طالب .
ومن ربيعة ( جميل بن كعب الثعلبي ) كان من سادات ربيعة، و شيعة عليّ، و أنصاره. حضر صفّين والجمل[4] . وكذلك ( الحضين ابن المنذر بن الحارث بن وعلة البصري الرقاشي الأنصاري) المتوفى 97 ه. محدّث يكنّى أبا ساسان، و هو صاحب راية عليّ (عليه السلام). ثقة صحيح، عن أبي بصير قال، قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ارتد الناس إلا ثلاثة، أبو ذر، و المقداد، و سلمان، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) فأين، أبو ساسان، و أبو عمرة الأنصاري. و كان قليل الحديث. ولاه أمير المؤمنين (عليه السلام) إصطخر، و كان من سادات ربيعة مات في 97 ه. و له شعر حسان. و فيه قال الشاعر حين دفع (عليه السلام) إليه الراية يوم صفين و هو ابن تسع عشرة سنة:
لمن راية سوداء يخفق ظلّها* * * إذا قيل قدّمها حضين تقدما
و يوردها للطعن حتّى يزيرها* * * حياض المنايا تقطر الموت و الدّما[5]
ومن قمم ربيعة ( زيد – أبو عبد اللّه – ابن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن الحدرجان بن ليث بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس الربعي العبدي ) قتل في 36 ه. محدّث أدرك النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و صحبه. و كان فاضلا دينا سيدا في قومه . قطعت يده في القادسية، و قتل يوم الجمل، فقال: ادفنوني في ثيابي، فإنّي مخاصم. قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): «من سرّه أن ينظر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة، فلينظر إلى زيد بن صوحان». و أعقب: صعصعة . زيدا. سيحان. عبد اللّه، قتل سيحان، و عبد اللّه، يوم الجمل مع أبيهم، قتلهم عمرو بن يثربي، و أخذ أسيرا فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بقتله فقتل. و كانت ربيعة من أخلص الناس في ولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) و كذلك آل صوحان فقد كانت متهالكة في ولائه جميعهم[6] .
و لما انتهى عليّ (عليه السلام) إلى رايات ربيعة يوم العاشر، من أيام الحرب بصفين، قال ابن لقيط: إن أصيب عليّ فيكم افتضحتم و قد لجأ إليكم و ليس لكم يا معشر ربيعة، عذر في العرب إن أصيب عليّ فيكم، و منكم رجل حيّ، إن منعتموه فحمد الحياة ألبستموه، فقاتلوا قتالا شديدا لم يكن قبله مثله حين جاءهم عليّ، ففي ذلك تعاقدوا و تواصوا ألا ينظر رجل منهم خلفه حتّى يرد سرادق معاوية. فلما نظر إليهم معاوية قد أقبلوا قال:
إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت* * * كتائب منهم كالجبال تجالد
ثم قال معاوية لعمرو : ماذا ترى ؟ قال : أرى الا تحنث أخوالي الْيَوْمَ . فخلى معاوية عنهم ، وعن سرادقه . وخرج فاراً لائذاً الى بعض مضارب العسكر ، فدخل فيه[7] .
وكان من سادات ربيعة وهي الجبهة العظمى ( كردوس بن هانئ البكري ) القائل في فتنة التحكيم في صفين : ( أيها الناس ، إنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه ، ولا تبرأنا من علي منذ توليناه . وإن قتلانا لشهداء ، وإن أحياءنا لأبرار ، وإن علياً لعلى بينة من ربه ، ما أحدث إلا الإنصاف ، وكل محق منصف ، فمن سلم له نجا ، ومن خالفه هلك )[8] .
ومنهم ( مجزأة بن ثور بن عفير بن زهير بن عمرو بن كعب بن سدوس السدوسي ) صحابي. شاعر. فارس. و كان رئيسا شريفا، اشترك في صفين، و حارب أهل الشام مع ربيعة. فقد جاء أنّ ربيعة بعد مقتل أبي عرفاء، شدت شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها. و في ذلك قال مجزأة:
أضربهم و لا أرى معاوية* * * الأبرج العين العظيم الحاوية
هوت به في النار أم هاوية* * * جاوره فيها كلاب عاوية
أغوى طغا ما لا هدته هادية[9]
فيما كانت من ربيعة قبيلة العراق الأشهر ( بكر بن وائل ) تستميت في الدفاع عن حق علي بن ابي طالب ومنهجه . وموطنها في جنوب ذي قار حيث مدينة الناصرية الحالية ، ويمتد أعرابها الى الصحراء الممتدة بين العراق ونجد ، تجاورها من الغرب في السماوة قبيلة كلب ، حيث كان علي يجعل عليهما من يجبي صدقاتهما معاً احيانا[10] ، ومن الجنوب قبائل قيس عيلان وعمرو بن تميم ، ومن الشرق أنباط العراق الموالي ، ومن الشمال ربيعة . لذلك كان لهم دور مهم في قتال الخوارج في المثلث الواقع بين الديوانية والناصرية والسماوة[11] . وقد هاجر قسم كبير منها الى الموصل وشمال العراق وجنوب تركيا . بل كان قسم كبير من ربيعة في الجزء الشمالي الشرقي لجزيرة شمال العراق قبل الإسلام[12] . وقد كانت بكر بن وائل وعشائرها ( عجل ) و ( شيبان ) سبب انتصاف العرب من العجم في يوم ذي قار العظيم ، الذي حفظت فيه الأرض والعرض ، لا سيما ( عجل )[13] .
ومنها ( شقيق بن ثور بن عفير بن زهير بن كعب بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل ) المتوفى 64 ه. سيد فاضل، ساد قومه بعد قتل سويد بن منجوف بن ثور، و كان أول من دعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة. و كان رئيس بكر بن وائل، و رايتهم معه يوم الجمل، و صفّين. مات عام 64 ه، بعد يزيد بن معاوية. و حمل الراية مولاه رشراشة. و ذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو من الثقات عند رجال الحديث. و قدم على معاوية في خلافته. و مات عام 64 ه[14] . ويصفه الذهبي ( الأمير أبو الفضل السدوسي ، سيد بكر بن وائل في الإسلام ، وكان رأسهم يوم صفين مع علي ، ويوم الجمل )[15] .
و( الأسود بن بشر بن خوط ) البكري عند التباس الامر يوم الجمل بين الإيمان الواعي والإيمان الساذج كان فارسا، و صاحب لواء عليّ (عليه السلام) يوم الجمل، فقتل فأخذه ابن عمه عبد بن بشر بن حسان بن خوط، فقتل فأخذه الحارث بن حسان بن خوط، فقتل. فأخذه ابنه عديس بن الحارث، فقتل. فأخذه ابن عمهم زهير بن عمرو بن خوط، فقتل. فتحاماه زهير بن عمرو بن مالك، فأخذه حفصة بن قيس بن مرة، فضرب بالسيف فقطع أنفه، و عاش بعد ذلك زمانا )[16] . و بشر بن حسان بن خوط بن مسعر بن عتود بن مالك بن الأعور بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر الشيباني مقاتل، كان مع أبيه حسان في معركة الجمل، و شهدها مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، و حين برز إلى القتال يومئذ، قال:
أنا ابن حسان بن خوط و أبي* * * وافد بكر كلّها إلى النبيّ[17]
وحارث بن حسان بن خوط بن مسعر بن عتود بن مالك بن الأعور بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر الشيباني المقتول في 36 ه مقاتل كأبيه و إخوته، و كان مع والده حسان في وقعة الجمل، و قاتلوا، و قتلوا جميعا ، و جاء أن كانت راية بكر بن وائل في بني ذهل، مع الحارث بن حسان ، و كان الحارث يقول:
أنا الرئيس الحارث بن حسان* * * لآل ذهل و لآل شيبان
و كان لواء عليّ (عليه السلام)، مع حسين بن محدوج بن بشر بن خوط، فقتل فأخذه أخوه حذيفة فقتل، فأخذه عمهما الأسود بن بشر بن خوط فقتل، فأخذه عنبس بن الحارث بن حسان بن خوط فقتل، فأخذه وهيب بن عمرو بن خوط فقتل، و أخذه الحارث و قتل[18]. ومنه نعلم مرتبة قبيلة بكر في التشيع ، ومنه ايضاً نعلم نوع الرجال الذين اختاروا علي بن ابي طالب .
و ( حسان بن خوط بن مسعر ) فارس، و كان شريفا في قومه. شهد الجمل مع أولاده، الحارث، و بشر، و أخوه بشر بن خوط، و أقاربه. و كان حسان هذا وافد بكر بن وائل إلى النبي[19] .
وحين وجه معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره ان يقطع هيت ويأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها فأتى هيت فلم يجد بها أحدا ، ثم اتي الأنبار وفيها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل وقد تفرقوا ، ولم يبق منهم إلا مائتان ، لأنه كان عليهم كميل بن زياد فبلغه ان قوما بقرقيسيا يريدون الغارة على هيت فسار إليهم بغير أمر علي ، فأتى أصحاب سفيان وكميل غائب عنها وخليفته ( أشرس بن حسان البكري ) ، فطمع سفيان في أصحاب علي لقتلهم ، فقاتلهم فصبروا له وقتل صاحبهم أشرس وثلاثون رجلا [20]. ويبدو واضحاً انتشار بكر في جيوش علي وبقاؤهم جنبه عند غياب الناصر .
ومن بكر بن وائل ايضاً ( حريث بن جابر الحنفي البكري ) فارس، شاعر، رئيس بني حنيفة، و من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) المخلصين في ولائه. شهد صفين و أبلى فيها بلاء حسنا. و أمره عليّ (عليه السلام) على لهازم البصرة يوم صفين. و جاء أنّه قتل عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب. و كان حريث نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء، و كان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن و السويق و الماء، فمن شاء أكل أو شرب. و له أخبار تدل على ثباته في طاعة علي (عليه السلام).[21]
ومن بكر بن وائل كانت قبيلة ( شيبان ) الموالية ، ومركزها حيث تقطن قبيلة البدور الْيَوْمَ في محيط مدينة البطحاء . وهذه النسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. قبيل كبير من بكر بن وائل ينسب إليه خلق كثير من الصحابة و التابعين و الأمراء و الفرسان و العلماء في كل فن[22]. وكانوا ممن قام مبكراً لقتال الخوارج مع علي بن ابي طالب ، اذ قام ( صيفي بن فسيل الشيباني ) فقال : يا أمير المؤمنين نحن حزبك وأنصارك نعادي من عاديت ونشايع من أناب إلى طاعتك فسر بنا إلى عدوك من كانوا وأينما كانوا فإنك إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد ولا ضعف نية اتباع[23] .
ومن بكر ( نعيم بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل الشيباني ) فارس كأخيه مصقلة، الذي هرب إلى معاوية، و استعان به على إغراء ربيعة. و نعيم كان شديد التشيع، كتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب اسمه حلوان، يقول له: إنّ معاوية قد وعدك الإمارة و الكرامة، فأقبل ساعة يلقاك رسولي، و السلام. فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرّحه إلى عليّ. فقطع يده فمات. و كتب نعيم إلى مصقلة يقول:
لا ترمينّ هداك اللّه معترضا* * * بالظن منك فما بالي و حلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع* * * و هو البعيد فلا يحزنك إن خانا
ما ذا أردت إلى إرساله سفها* * * ترجو سقاط امرئ لم يلف و سنانا
قد كنت في منظر عن ذا و مستمع* * * تحمي العراق و تدعى خير شيبانا
عرّضته لعليّ أنّه أسد* * * يمشي العرضنة من آساد خفانا
لو كنت أديت مال القوم مصطبرا* * * للحق أحييت أحيانا و موتانا
لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا* * * فضل ابن هند و ذاك الرّأي أشجانا
فاليوم تقرع سن العجز من ندم* * * ما ذا تقول و قد كان الذي كانا
أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة* * * لم يرفع اللّه بالبغضاء إنسانا
قتل نعيم سنة 66 ه ست و ستين[24] . وسعره يُبين شدة ولاء شيبان ووعيهم واخلاصهم .
منهم ( يزيد بن الحارث بن رويم بن عبد اللّه بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل الشيباني ) المتوفى 68 ه . قائد فارس من الأمراء، و شاعر فاضل، أدرك عصر النبوّة، و أسلم على يد أمير المؤمنين (عليه السلام): و شهد اليمامة، و نزل البصرة، ثم كان أميرا على (الريّ) قصبة بلاد الجبال. و لما استباح الخوارج ما بين اصفهان و الأهواز، يقتلون و ينهبون قصدوا الريّ، و رأى يزيد كثرتهم فدخل المدينة فحاصروه، و طال عليه الحصار فخرج إليهم فقاتلوه. و انقلب أهل الريّ على يزيد، فأعانوا الخوارج، و انتهت المعركة بمقتل يزيد و أعقب حوشب، و ابن حوشب العوام المحدّث[25] . ويبدو انه بسبب تعاونه مع ( ال الزبير )[26] لاحقاً لم يتفاعل معه أهل العراق فتركوه لأهل الري والخوارج .
وفِي الجنوب العراقي التاريخي من ربيعة ايضاً كانت قبيلة ( عبد القيس ) – التي هي اصل البحرين والأحساء والقطيف وجزء كبير من البصرة الْيَوْمَ[27] – في اخلاص منقطع النظير لعلي . وكانت تحيط بهم قبائل تميم وضبة وأزد عُمان وقيس عيلان .
وقد كانوا يردون مدينة رسول الله في اول الدعوة الإسلامية ، فقد وردوها بعد معركة احد بيوم وفِي غزوة حمراء الأسد[28] ، ولا يعقل – وهم بهذه الرجاحة والارتكاز العقلي التوحيدي التاريخي والإخلاص اللاحق – الا انهم اسلموا من اول الامر على مراحل .وحين قيل: يا رسول الله هؤلاء وفد عبد القيس قال مرحبا بهم نعم القوم عبد القيس اللهم اغفر لعبد القيس اتوني لا يسألوني مالا هم خير أهل المشرق ورئيسهم عبد الله بن عوف الأشبح وكان دميما فقال رسول الله ص انما يحتاج من الرجل إلى أصغريه قلبه ولسانه وقال له فيك خصلتان يحبهما الله الحلم والأناة[29] . وقد قرأ ملك البحرين ( المنذر بن ساوى العبدي ) كتاب رسول الله بنفسه على قومه ودعاهم الى الإسلام[30] .
وفي معجم البلدان القطيف هي مدينة بالبحرين هي اليوم قصبتها وأعظم مدنها وكان قديما اسما لكورة هناك غلب عليها الآن اسم هذه المدينة ولما قدم وفد عبد القيس على النبي ص قال لسيديها الجون والجارود وجعل يسألهما عن البلاد فقال يا رسول الله دخلتها قال نعم دخلت هجر وأخذت إقليدها [31]. ونساء عبد القيس هن اللواتي ارسلهن علي بن ابي طالب عشرين امرأة مع ام المؤمنين عائشة الى المدينة بعد انتصاره في معركة الجمل عليهن العمائم والسيوف[32] . وقبل ذلك التحمت قبيلة عبد القيس بجيش طلحة والزبير قبل قدوم جيش امير المؤمنين علي . اذ اقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحاب عائشة رماحهم، وأمسكوا ليمسك حكيم وأصحابه، فلم ينته وقاتلهم وأصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها[33] .
وقد نُقل ان الأشرف بن حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس من أهل البصرة ، فارس، قتل مع أبيه حكيم بن جبلة قبل مجيء عليّ (عليه السلام) إلى البصرة، قتله أصحاب ام المؤمنين عائشة مع سبعين رجلا من عبد القيس، و كانت عبد القيس، مخلصة في ولاء أمير المؤمنين (عليه السلام). فكان كأبيه من خلّص شيعة عليّ (عليه السلام)[34] . وكذلك ( الرعل بن جبلة العبدي البصري ) استشهد يوم الجمل سنة 36 ه. قتله أصحاب الجمل، قبل مجيء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة، مع أخيه حكيم بن جبلة، و سبعين رجلا من عبد قيس. و كان حكيم، و أخوه الرعل من خيار الشيعة[35].
ومنها ( عمرو بن مرجوم بن عبد مر بن قيس بن شهاب بن رباح بن عبد اللّه بن زياد بن عصر العبدي ) صحابي، فارس، و كان والده من أشراف عبد القيس، و رؤسائها في الجاهلية، و كان ابنه عمرو، سيّدا شريفا في الإسلام، و هو الذي جاء يوم الجمل في أربعة آلاف، و صار مع عليّ (عليه السلام) و كان على عبد القيس . و لما كتب أمير المؤمنين كتابا إلى ابن عباس، و إلى أهل البصرة فقرأ عليهم كتاب عليّ (عليه السلام)، قام إليه عمرو بن مرجوم فقال: وفق اللّه أمير المؤمنين، و جمع له أمر المسلمين، و لعن المحلّين القاسطين، الذين لا يقرءون القرآن، نحن و اللّه عليهم حنقون، و لهم في اللّه مفارقون، فمتى أردتنا صحبك خيّلنا و رجلنا[36] .
و عندما خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في البصرة قبيل المعركة، و أنذر أصحاب الجمل ثلاثة أيام ليكفوا و يرعووا قام إليه ( شداد بن شمر العبدي ) فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنّه لما كثر الخطاؤون تمرد الجاحدون، فزعنا إلى آل نبينا الذين بهم ابتدأنا بالكرامة، و هدانا من الضلالة، الزموهم رحمكم اللّه و دعوا من أخذ يمينا و شمالا، فإنّ أولئك في غمرتهم يعمهون، و في ضلالهم يترددون[37] .
ومنهم ( صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن الحدرجان بن عساس العبدي الكوفي ) التابعي الكبير، العالم الجليل، الخطيب الأديب، الفصيح البليغ المتكلم. مات في خلافة معاوية. بعد أن حضر جنازة أمير المؤمنين (عليه السلام) و بكى عليه و رثاه بكلمات، و أثار على رأسه التراب. و جاء أنّ المغيرة نفاه بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين فمات بها. و له مع معاوية مواقف حاسمة. قال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب، و جاء أنّه قام صعصعة يوما إلى عثمان بن عفان، و هو على المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين ملت فمالت أمتك، اعتدل يا أمير المؤمنين تعتدل أمتك. و له شعر في المعاجم. و منه قوله في رثاء عليّ (عليه السلام):
ألا من لي بانسك يا اخيّا* * * و من لي أن أبثّك ما لديّا
طوتك خطوب دهر قد توالى* * * لديك خطوبه نشرا و طيّا
فلو نشرت قواك لي المنايا* * * شكوت إليك ما صنعت إليّا
بكيتك يا عليّ بدرّ عيني* * * فلم يغن البكاء عليك شيّا
كفى حزنا بدفنك ثم إنّي* * * نفضت تراب قبرك من يديّا
و كانت في حياتك لي عظات* * * و أنت اليوم أوعظ منك حيّا
فيا أسفي عليك و طول شوقي* * * ألا لو أنّ ذلك ردّ شيّا[38]
وقد استأذن صعصعة على علي ع وقد اتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه إذن فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا لقد كان الله في صدرك عظيما ولقد كنت بذات الله عليما. فابلغه الآذن فقال قل له وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المئونة كثير المعونة[39] .
ومنهم ( المثنى بن مخرمة العبدي ) القائل لابن الحضرمي رسول معاوية لأهل البصرة والذي اثار الشغب فيها ضد امير المؤمنين علي بن ابي طالب بغياب ابن عباس واليه عليها : ( لا و الّذي لا إله إلّا هو لئن ترجع إلى مكانك الذي أقبلت منه لنجاهدنّك بأسيافنا، و أيدينا و نبالنا، و أسنة رماحنا، نحن ندع ابن عمّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و سيد المسلمين، و ندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ ! و اللّه لا يكون ذلك أبدا، حتّى نسيّر كتيبة، و نفلق السيوف بالهام )[40] .
وقد خرجت عبد القيس وبكر بن وائل ترد جيش طلحة والزبير وام المؤمنين عائشة عن البصرة بعد ان عاث فيها فساداً وقتلاً ونهباً لبيت المال وشراء الذمم ، قبل وصول جيش امير المؤمنين علي اليها ، فخرجوا حتى كانوا على طريق علي يؤمنونه[41] . وحين أقام علي بذي قار ينتظر محمدا ومحمدا قبل الجمل أتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق ، فقال : (عبد القيس خير ربيعة وفي كل ربيعة خير وقال:
يا لهف ما نفسي على ربيعة * ربيعة السامعة المطيعة
قد سبقتني فيهم الوقيعة * دعا علي دعوة سميعه
حلوا بها المنزلة الرفيعة )[42]
ويبدو ان واحداً من اعظم أصحاب علي بن ابي طالب وهو ( رُشيد الهجري ) ينسب الى هجر من بلاد البحرين تلك التي كانت تقطنها عبد القيس . عن قنوا بنت رشيد الهجري قالت: ( سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة؟ فقال: يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة، قالت: والله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتبر أمنه، وقال له الدعي: فبأي ميتة قال لك تموت؟ فقال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني فقال: والله لأكذبن قوله قال: فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملت أطرافه يديه ورجليه، فقلت: يا أبت هل تجد ألما لما أصابك؟ فقال لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس، فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله فقال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم القيامة فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات رحمة الله عليه في ليلته[43] ) . وقد كان الامام علي يسميه رُشيد البلايا ، وقد ألقى اليه علم البلايا والمنايا . وقد كان بنو امية يفرضون على عرفاء الاقوام والجماعات تسليم المعارضين لظلمهم[44] , وكان هؤلاء الدعاة يذهبون غدرا , حتى انه وميثم التمار وحبيب بن مظاهر الأسدي كانوا يحدثون الناس كيف هو مقتلهم[45] . وهو لا شك دور مهم لعبه أمثال رُشيد واصحابه هؤلاء في إيصال علوم علي بن ابي طالب وبالتالي رسول الله الخفية الى الناس او الى مستحقيها منهم .
ومن ربيعة كان القبيلة المتذبذبة بسبب حركتها في الأعراب ( عنزة ) ، والتي تزوج علي منها[46] ليأتلفها ، والتي سنعلم من حالها بأذن الله مستقبلاً الكثير . وكان بصفين من عنزة وهي من قبائل ربيعة أربعة آلاف محجف ، والذين وجهتهم ربيعة مع بعض القبائل لكسر طوق أهل الشام على جيش علي بعد ان أرسل اليهم الأشتر يحثهم ، ففر أهل الشام كاليعافير . لكنهم – عنزة – كانوا اول من خرج على علي ، اذ خرج الأشعث بذلك الكتاب – كتاب التحكيم بصفين – يقرؤه على الناس ويعرضه عليهم ، ويمر به على صفوف أهل الشام وراياتهم فرضوا بذلك ، ثم مر به على صفوف أهل العراق وراياتهم ، حتى مر برايات ( عنزة ) وكان منهم بصفين مع علي ع أربعة آلاف محجف فقرأه عليهم ، فقال معدان وجعد العنزيان فتيان اخوان منهم : لا حكم الا لله . ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما حتى قتلا على باب رواق معاوية. ثم مر بها على ( مراد ) فقال صالح بن شقيق من رؤسائهم : – ما لعلي في الدماء قد حكم * لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم – لا حكم الا لله ولو كره المشركون. ثم مر على رايات بني ( راسب ) فقرأها عليهم ، فقال رجل منهم : لا حكم الا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين . فقال رجل منهم لآخر : اما هذا فقد طعن طعنة نافذة . وخرج عروة بن أدية أخو ( مرداس بن أدية التميمي ) فقال : أ تحكمون الرجال في أمر الله لا حكم الا لله فأين قتلانا يا أشعث . وشد بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه وضرب به عجز دابته ضربة خفيفة وصاح به الناس ان أمسك يدك فكف ورجع الأشعث إلى قومه فمشى إليه رجال من بني تميم فيهم الأحنف بن قيس واعتذروا إليه فقبل منهم .
ومن الواضح ان هذه القبائل تشترك في البداوة وكونها من الفئة التي عرفت الإسلام ولم تعرف علي بعد ، وقد احتاج بعضها الى سنين طويلة ودم الحسين للانتقال من المستوى الابتدائي للإسلام الى مستوى معرفة الإمامة[47] . حتى ان احد زعماء بعض تميم كان من الذين يثبطون الناس عن علي في الكوفة في حربه ضد معاوية الى جانب ابي موسى الاشعري[48] .
فيما كانت قبيلة ( بني اسد ) التي وفد وفدها الى رسول الله طائعاً دون ان يرسل اليهم النبي من يدعوهم[49] . وهي من اعظم القبائل تأثيرا في التاريخ القديم والحديث للمسلمين ، لا سيما الشيعة ، ويكفي انها احد اهم عوامل الحسم في معركة القادسية ضد الإمبراطورية الفارسية ، وهي المعركة المفصلية في تاريخ الشرق الإسلامي ، سبقتها ممهدة بكسر جيش الفرس جارتها ربيعة لا سيما منها بكر بن وائل[50] ، على تفصيل سيأتي بأذن الله .
وكانت بنو اسد تقطن كربلاء والحلة ، الى جوار النخع ، وجنوبها همدان ومذحج ، وشرقها طيء . وقد أسست بالتعاون مع النخع الدولة المزيدية في الحلة ، ثم هاجر قسم كبير منها مع قسم كبير من النخع ايضاً الى عمق الأهوار العراقية حيث مدينة الچبايش – الجزائر – الحالية .
يقول أبو جهمة الأسدي يرد عليه من أبيات كعب بن جغيل شاعر أهل الشام الذي اساء لبكر بن وائل وبني اسد :
وقد صبرت حول ابن عم محمد * لدى الموت شهباء المناكب شارف
فما برحوا حتى رأى الله صبرهم * وحتى أتيحت بالأكف المصاحف
بمرج ترى الرايات فيه كأنها * إذا جنحت للطعن طير عواكف
وقد غدا يوم صفين ( قبيصة بن جابر الأسدي ) في بني أسد ، وهم حي الكوفة بعد همدان ، فقال : يا معشر بني أسد أما انا فلا اقصر دون صاحبي وأما أنتم فذلك إليكم . ثم تقدم برايته وهو يقول:
قد حافظت في حربها بنو أسد * ما مثلها تحت العجاج من أحد
أقرب من يمن وأنأى من نكد * كأننا ركن ثبير أو أحد
لسنا بأوباش ولا بيض البلد * لكننا المحة من ولد سعد
كنت ترانا في العجاج كالأسد * يا ليت روحي قد نأى عن الجسد
فقاتل القوم ولم يكونوا على ما يريد في الجهد ، فعدلهم على ما يحب ، فظفر . ثم أتى عليا ع ، فقال : يا أمير المؤمنين ان استهانة النفوس في الحرب أبقى لها والقتل خير لها