علم التفاوض هو مجموعة علوم متداخلة ومتناسقة، ومنها العلوم السياسيّة، والعلاقات الدوليّة، والاجتماع، والإدارة، والنفس وغيرها من العلوم التي تتّصل بقضايا الدول والإنسان.
والتفاوض هو محادثات بين طرفين، أو أكثر حول موضوع معيّن، أو عدّة مواضيع، أو مشاكل بقصد الوصول إلى اتّفاق.
ويوم أمس الخميس انطلقت، عبر دائرة تلفزيونيّة مغلقة، المفاوضات المرتقبة ما بين بغداد وواشنطن، ومن المقرّر أن تستمرّ في مرحلتها الأولى ليومين!
والملاحظ أنّ الحوار انطلق بعد شهر من تسنم مصطفى الكاظمي لمهامه كرئيس لحكومة بغداد، الذي يقال بأنّه قريب من واشنطن، وكذلك في ظلّ أجواء غير صحّيّة، وبالذات مع تفشي فيروس كورونا في العراق، والأزمة الماليّة الخانقة، واستمرار قمع المتظاهرين واستهدافهم في بغداد ومدن جنوب!
ويوم الأربعاء الماضي كشفت قناة الحرّة الأمريكيّة، وفقاً للموفد الأميركيّ الخاصّ إلى التحالف الدوليّ جيمس جيفري، أبرز النقاط التي سيتطرّق إليها الحوار العراقيّ – الأمريكيّ، ومنها:
– حماية الدبلوماسيّين والعسكريّين الأميركيّين وقوّات التحالف الدوليّ لهزيمة “داعش” العاملة في العراق.
– وقف اعتماد العراق على إيران لاستيراد الطاقة الكهربائيّة، ووجوب الإسراع في إيجاد البدائل.
– دور إيران المزعزع للاستقرار في العراق والمنطقة، وضبط وكلائها، والميليشيات المدعومة من قبلها، ووضع حدّ للتدخّل الإيرانيّ في الشؤون العراقيّة.
– انفتاح العراق على محيطه العربيّ.
هذه النقاط الأمريكيّة أكدتها أيضاً وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، أمس الخميس، حيث كرّرت دعمها للعراق في المؤسّسات الماليّة الدوليّة، معلنة أنّ ” الحكومة العراقيّة جدّدت التزامها بحماية القوّات الأمريكيّة المتواجدة على أراضيها، وأنّ الحوار مع العراق بحث السياسة والأمن والاقتصاد، وسعي الولايات المتّحدة لترتيبات أمنيّة ثنائيّة مع العراق، ودعمها لمساعدة بغداد في تطبيق الإصلاحات”!
وقبل يومين من بدء المفاوضات كان هنالك اتّصالا مهمّا بين وزير الخارجيّة الأمريكيّ مايك بومبيو ورئيس حكومة بغداد تعهدت فيه واشنطن بمساعدة العراق ماليّاً لتجاوز محنته الماليّة، وهي تعهّدات ليست مجّانيّة وستقود لإضعاف، أو نزع حرّيّة القرار، أو الموقف العراقيّ في المفاوضات الحاليّة!
(الكارهون لأمريكا) يريدون الخلاص من التواجد العسكريّ الأمريكيّ في العراق، ونسي هؤلاء، أو تناسوا، أنّ واشنطن هي جاءت بالغالبيّة المطلقة منهم للحكم، ونأمل أن لا تكون الضغوط الإيرانيّة وراء هذا الإصرار شبه الرسميّ والمليشياويّ العلني على خروج الأمريكان، وبالمحصّلة هي ليست رغبة وطنيّة خالصة!
وبعيداً عن الصعوبات والعقبات المرافقة للمحادثات، وربّما الغموض، نأمل أن تسلط المفاوضات الضوء على قضايا جوهريّة، ومنها:
الحفاظ على سيادة العراق، إنهاء التدخّل العسكريّ الأجنبيّ، والتسلّط السياسيّ الخارجيّ.
مطالبة الولايات المتّحدة بالاعتذار للشعب العراقيّ عن كارثة الغزو وتدمير العراق، وتعويضه عن الخسائر المترتّبة على الاحتلال، خصوصاً مع قول الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب قبل ثلاثة أيّام في هجومه على وزير الخارجيّة الأمريكيّ الأسبق (كولن باول)” ألم يقل (باول) إنّ العراق امتلك أسلحة دمار شامل؟ العراق لم يمتلكها، لكنّنا ذهبنا إلى الحرب”! وهذا اعتراف رسميّ يكفي للمطالبة بالتعويضات!
عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران.
القضاء على التمايز السياسيّ الطائفيّ، وإعادة التوازن للعمليّة السياسيّة العراقيّة.
حسم ملفّ المليشيات، وحصر السلاح بيد الدولة، وتخليص الأجهزة الأمنيّة من المجرمين والمليشياويين.
تقديم كافّة قتلة العراقيّين بعد العام 2003 إلى العدالة.
مراجعة قضايا السجناء وفق المادة (4) إرهاب، وإصلاح النظام القضائيّ.
الحفاظ على الثروات الطبيعيّة الموجودة فوق الأرض وتحتها.
تشجيع دول الجوار على الاستثمار في العراق بعد توفير بيئة استثماريّة ملائمة.
– حسم ملفّات المهجرين في داخل العراق وخارجه وتعويض المتضرّرين منهم.
تطبيق مبدأ (تخادم المصالح) في بقيّة القضايا المطروحة بين الجانبين!
وحتّى الساعة لم يصدر أيّ بيان بخصوص المفاوضات.
وخلال الساعات القليلة الماضية يقال بأنّ الوفدين العراقيّ والأمريكيّ أنجزا ما أطلقوا عليه (وثيقة المبادئ الأساسيّة)، وسيتمّ تطويرها قانونيّاً، وأنّ هنالك جلسات تفاوض لاحقة في الشهر القادم، لحين استكمال الاتّفاقيّة، لتوقيعها في الخريف المقبل!
المفاوضات إن لم تكن واضحة، وتخدم حاضر العراق ومستقبله فلا خير فيها، وإن وقعت تحت طائلة الأجندات الخارجيّة والعرقيّة والطائفيّة والحزبيّة فهي مفاوضات خاسرة وليست مثمرة!