18 ديسمبر، 2024 10:51 م

الحرب الباردة بين دول البريكس والولايات المتحدة الأمريكية

الحرب الباردة بين دول البريكس والولايات المتحدة الأمريكية

هل سيكون العالم أمام حرب باردة بين دول البريكس والولايات المتّحدة الأمريكيّة؟، وهل سنكون أمام حرب عالميّة ثالثة؟، وما سلاحها وأدواتها؟، وما أبعادها؟.
فقد سبق أن أشرنا إلى الحرب الباردة بين واشنطن وبكّين، والآن هل سيشهد العالم حرباً يمكن أن نطلق عليها حرباً باردة بين دول البريكس والولايات المتّحدة الأمريكيّة؟.
فقد لاحظنا أنّ الحرب الباردة بين بكّين والولايات المتّحدة بدأت بينهما بأسلوب تجاريّ، وانتقلت بعدها لتأخذ بُعداً عسكريّاً، عندما تمّ تزويد تايوان بأسلحة متطوّرة، ومثّل وباء كورونا أحد الاستراتيجيّات في الحرب البادرة بين الدّولتين، وجاء قول بومبيو وزير الخارجيّة الأمريكيّ في فترة سابقة بأنّ تسلُّلاً صينيّاً يدخل الولايات المتّحدة الأمريكيّة ليبرز حالة تلك الحرب.
وأعتقد أنّ جائحة كورونا ستغيّر النّظام العالميّ للأبد، وكذلك فإنّ دول البريكس تسعى لتغيير العالم، وسيكون لها تأثيرها في مختلف الجوانب الاقتصاديّة والسّياسيّة على العالم برمّته ، وإن كان كثير من المحلّلين لا يعيرون اهتماماً لتكتّل بدا أنموذجاً لإيجاد نظام عالميّ جديد متعدّد الأقطاب ضمن إطار منظومة دول البريكس ( brics )، وسيكون وجوده مؤشّراً حقيقيّاً لبداية حقبة عالميّة جديدة ينتهي فيها النّظام العالميّ الحالي ذو القطب الواحد الموحَّد الرُّؤى بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وهذا ما يدعو لتشكّل نظامٍ متعدّد الأقطاب، وتكون الصّين وروسيا قوّتين بارزتين في مواجهة الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً.

كما أعتقد أنّ هذا سيخلق إشكاليّة حقيقيّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة في نزوع روسيا والصّين لتزعّم قوى إقليميّة وعالميّة جديدة، ويكون دورهما استراتيجيّاً ومؤثّراً في العالم في مرحلة لاحقة، ولا أعتقد أنّ هذا يطول، وسيظهر بوضوح وجلاء خصوصاً بعد حالات الفشل الأمريكيّ والانقسام والرّكود الاقتصاديّ.
وتختصر دول البريكس أسماء تلك الدّول في أوّل حروفها، فقد تأسّست في شهر حزيران عام 2009م مع انعقاد أول اجتماع لرؤسائها ضمن الأراضي الرّوسيّة في مدينة ( ييكاتيرينبرغ )، وكان الهدف تأسيس نظام عالميّ جديد ثنائيّ القطبيّة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصّين وانضمّت جنوب إفريقية إلى ذلك التّكتّل في عام 2010م، ليغدو اسم التّكتّل ( دول البريكس ) بعد أن كان دول ( بريك )، فما أهداف تلك المنظومة من الدّول؟، وما غاياتها؟، وهل تستطيع استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية؟.، ولاحظنا أنّ دورهما برز بوضوح مع الفوضى الخلّاقة، وخصوصاً في الحرب على سورية ومحاربة الإرهاب، ولعلّ الفيتو الصّينيّ الرّوسيّ المشترك كان ضربة مؤلمة للولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها أكثر من مرّة، ولا بدّ أنّ الرّكود الاقتصاديّ الأمريكيّ سيلقي بظلاله على العالم أيضاً.

لعلّ من أبرز أهداف تلك الدّول تشكيل نظام اقتصاديّ متعدّد الأقطاب، يكون مؤثّراً في رسم السّياسة العالميّة الجديدة، وله القدرة على الصّمود في وجه ما يعتري العالم من أحداث اقتصاديّة عالميّة، والعمل على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للإسهام في نموّ الاقتصاد العالميّ وتعزيز التّعاون الاقتصاديّ والسّياسيّ والثّقافيّ لتحقيق مصالح تلك الدّول المشتركة.

ومن المعلوم أنّ دول البريكس أنشأت بنكاً جديداً موقعه في شنغهاي الصّينيّة سمّي “بنك التّنمية الجديد”، وصندوقاً أُطلِق عليه “صندوق بريكس”، وهما يماثلان البنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّوليّ، وقد تأسّس البنك في الخامس عشر من شهر تموّز عام 2014م ، برأس مال قدره (مئة مليار دولار)، ورأس مال مساهم قيمته (خمسون مليار دولار)، مقسّمة بالتّساوي بين الدّول الأعضاء، وتمّ إنشاؤهما لدعم النّموّ والتّنمية على المستوى العالميّ، وربّما كان الهدف غير المعلَن لذلك التأسيس يتمثّل في إنشاء مؤسّسة دوليّة رديفة للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة الحالية، أي البنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّوليّ، لتحرير العالم من قيودهما وتأثيراتهما. وما من شكٍّ أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة تسيطر عليهما في رسم سياستهما العامة بما يخدم مصالحها.

ولعلّ من الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أنّ دول البريكس تمتلك خمس النّاتج القوميّ العالميّ، وإنّ ما نشهده اليوم وفي ظلّ العقد الماضي واستعمال (الفيتو) الصّينيّ – الرّوسيّ المزدوج بما يخدم مصلحة سورية، هو تأكيد وجود تلك الدّول في محاولتها لرسم معالم العالم الجديد، وبما يخدم تطبيق القانون الدّوليّ واحترامه واحترام ميثاق الأمم المتّحدة واحترام شعوبها، ولعلّ من شبه المؤكّد أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة لن تسلّم بالتّغيير بسهولة، وجاءت الأحداث التي تعصف بها الآن لتمثّل بداية انهيار العالم القديم، وربّما نشهد فترة انتقال رأس المال الأمريكيّ إلى تلك الدّول لإحداث تغييرات عالميّة متسارعة تصبّ في مصلحة دول البريكس ونموّ اقتصادها المتسارع بما يلبّي تغييرات منظومة الاقتصاد العالميّ الحالي لبناء اقتصاد عالميّ متعدّد الأقطاب، وهذا ما تسعى له دول البريكس، ومن الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أنّ بعض المحلّلين أكّدوا أنّه بحلول عام ألفين وخمسين ستنافس دول البريكس أغنى دول العالم، فهل سيكون لذلك البنك والصّندوق ومن خلفهما دول البريكس أثرهما في رسم السّياسة الاقتصاديّة العالميّة وإدخال إصلاحات في البنك الدّولي الحاليّ وصندوق النّقد الدّوليّ؟، وما أثرهما أو تأثيرهما في هجرة رأس المال الأمريكيّ إلى تلك الدّول أو البنوك الجديدة المنشأة حديثاً في ظلّ دول البريكس؟.

لعلّ من شبه المؤكّد أنّ الدّولار الأمريكيّ بدأ يتراجع مع الرّكود الاقتصاديّ العالميّ، وبات نشوء البنك والصّندوق الدّوليين الجديدين أكثر جذباً لرأس المال الدّوليّ، وهذا ما يسهم في القدرة التّنافسيّة المتصاعدة، وكذلك فإنّ أسواق دول البريكس ستكون بالتّالي أكثر حرصاً على اجتذاب رؤوس الأموال العالميّة بما يرسم سياسة عالميّة اقتصاديّة جديدة تؤسّس لنظام عالميّ جديد، وما علاقة ما يجري حاليّاً في الولايات المتّحدة الأمريكيّة من أحداث تعصف بها في ذلك السّياق؟، وهل ستسلّم الولايات المتّحدة بهزيمتها أما تعاظم الدّور القادم لدول البريكس؟، وهل تستطيع دول البريكس كسر الهيمنة لمجموعة الثّماني الكبار العالميّة؟.

وممّا لا ريب فيه أنّ دول البريكس حاليّاً تنافس الاتّحاد الأوربيّ نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة التي لا يزال يعاني منها، وأعتقد أنّ أصحاب رؤوس الأموال العالميّة وخصوصاً الأمريكيّة سواء عائلة روتشيلد أو روكفلر أو أستور أو روك فيللر وغيرها من عائلات متحكّمة بالاقتصاد العالميّ، قد عرفوا أو أدركوا أنّ مركز الثّقل الاقتصاديّ يتجه شرقاً خصوصاً ودول البريكس عموماً، ولاحظنا أثر حرب الأسعار في الاقتصاد الأمريكيّ، والولايات المتّحدة الأمريكيّة من الدّول المحرّكة للاقتصاد العالميّ، وعملتها (الدّولار)، وهي العملة المعتمدة في التّعامل الرّسمّي الدّوليّ، ورغم ذلك فإنّ الرّئيس الأمريكيّ ترامب أوقف الدّعم الاقتصاديّ لمنظمّة الصّحّة العالميّة قبل فترة نتيجة حالة الرّكود التي يعانيها الاقتصاد الأمريكيّ ، وإنّه كمثال يعاني من ركود اقتصاديّ، وهذا ما صرّح به رئيس صندوق النّقد الدّوْليّ، ولعلّ ذلك ما يثبت الخسائر المتلاحقة للاقتصاد الأمريكيّ.
وأكّد روجر داو مدير تنفيذيّ لجمعية السّفر الأمريكيّة لشبكة ( c n n ) بتاريخ 18/3/2020 م أنّ الخسائر الأمريكيّة بلغت بفترة بسيطة ثمانمئة مليار دولار، ولا بدّ أنّ الرّكود الاقتصاديّ الأمريكيّ سيلقي بظلاله على العالم أيضاً، وسيكون للحرب الباردة أثرها الإقليميّ والدّوليّ العالميّ، وربّما نشهد ويشهد العالم أفول نجم الدّولار الأمريكيّ وبزوغ اليوان الصّينيّ، وقد نشهد العملات الرّقميّة بديلةً للورقية المعمول بها حاليّاً، وهل سنشهد أيضاً هجرة لرأس المال الأمريكيّ أو العالميّ عموماً لدول البريكس وبنكها وصندوقها؟.
علينا أن نتابع ونترقّب القادم