لم تبقى قضية من بين الالاف القضايا المتعلقة بالفساد وعمليات النصب والاحتيال ، وصفقات تجارية مزيفة ، الا وأثارها الاعلام و الكتاب في مقالات مطولة خاصة بشأنها ، حتى غدا الحديث عن وزارة التجارة بمسالة طبيعية لدى الشارع العراقي بعد ان اقرت العديد من المسؤولين الكبار بالحكومة وقادة الكتل والاحزاب السياسية بصحة ما جرت في فترة وزيرها السابق والمختفي عن الانظار بقدرة(قلم) قادر ، وما تجري فيها الآن من إساءة لسمعة الدولة وهيبتها في نظر مواطنيه بسبب ضعف هذه الوزارة في تنفيذ ما عليها مهام وظيفية ورسمية بضرورة تزويد المواطن بما له من حقوق انسانية واجتماعية التي ترتبط بحياته الطبيعية المشروعة …
ما يؤسف حقيقة هي ان هذه الوزارة اثبتت بلا شك انها من اضعف الوزارات العراقية بعد عملية الاطاحة بنظام صدام في نيسان عام 2003 ، بدليل ان كل من استوزر على راس هذه الوزارة كان يفضل ان يملأ جيبه الفارغ قبل ان يفكر في ملء بطون الفقراء والمساكين الذين ينظرون الى البطاقة التمونية على انها هبة الله عليهم قبل ان تكون مشروعا حكوميا خاصا تقلل من شدة الضغوطات المعيشية التي يعانونها بسبب ارتفاع اسعار المواد الغذائية من جهة ، وتفشي ظاهرة البطالة التي سببت في انحدار مستوى الفقر في العراق الى ادنى مستوياتها….
واليوم حين نحاول ان نضع مقارنة بمستوى هذه البطاقة الغذائية لمدعومة من قبل الدولة للمواطن مع فترة النظام السابق واثناء فترة وزيرها المتقاعد محمد مهدي صالح الذي اطلق سراحه اخيرا بعدم ثبوت ادلة على ادانته بكل انواع الجرم التي ادينت بها شلة النظام ، نجد ان هذه الفترة بكل تفاصيلها هي كانت ملائمة ان تكون هذه الوزارة من وزارات النظام السابقة بالاستناد الى فشلها وطبيعة عملها ، وحجم الفساد المستشري فيها ، والكيفية التي تديرها اشخاص غير متخصصين بالتجارة ، و لا يعرفون شيئا عن كيفية ادارتها بما يتناسب مع حجم معاناة المواطن ، وافتقاره الى مقومات الحياة المعيشية البسيطة ، في حين نجد عكس ذلك تماما فان وزير التجارة في النظام البعثي السابق استطاع بفعل خبرته الواسعة ان ينظم العمل في وزارته بشكل يتناسب مع حجم امكاناته وزارته المادية والبشرية ، وان يوفر مفردات البطاقة التموينية بكامل فقراتها ، ولم يتلكأ في توفيرها بشكل منظم بما ينسجم مع ضرورة المواطن العراقي وحاجته الماسة لها ، بمعنى آخر انه وفر الى حد كبير المواد الغذائية التي انقذ بها العديد من العوائل الفقيرة من خطر الجوع الذي سببه الحصار الاقتصادي على العراق ، وهذا يعني ان الشخصية القيادية لمهدي صالح في وزارته قد لعب دورا كبيرا في كبح جماح التجار وجشعهم في حينها ، مما انعكس ايجابا على واقع السوق العراقية ، رغم كل مساوئ النظام واساليبه الشريرة تجاه مواطنيه …
ولكن الآن ما يؤسف انه رغم الامكانات المادية الهائلة التي تنعم بها العراق ، ومساحة تحركه الاقتصادي والتجاري الواسع ، نجد ان وزارة التجارة تعاني من خلل كبير في تمويل هذا الاسواق بالمواد الصالحة والصحية للاستهلاك البشري ، فالعقود التجارية التي تبرمها هذه الوزارة مع الشركات والمصانع الغذائية خالية من الرقابة والسيطرة النوعية ، مما مهد السبيل للتجار ان يستغلوا هذا الفراغ وينعموا بالفرصة ، ويتخذوا منها وسيلة للاستهانة بالمواطن العراقي ، ويطرحوا له ((الاعلاف الحيوانية )) بدلا من الغذاء والدواء ، ومفردات البطاقة التموينية لم تصله بانتظام وبشكل يتناسب مع حجم حاجته لها ، في وقت وقد اختفت تماما مادة السكر من بين تلك المفردات ، ولم يعلق اي مسؤول في التجارة عن اسباب اختفاءها ، مما سبب ارباكا واضحا للعديد من المواطنين الذين يعيشون الى الآن تحت خط الفقر ، ويبحثون في اكوام النفايات عن العلب الفارغة كوسيلة للرزق ، ولا يملكون ما يسد حاجتهم ، رغم كل الوعود التي تقطعها هذه الوزارة بتحسين وتهيئة المواد الغذائية اللازمة ، الا ان الوعود تلك أفقدت من قيمة الوزارة ووزيرها لأنها تفتقر الى المصداقية ، وانعدمت ثقة المواطن بها بالتمام والكمال ، وهذا بحد ذاته مؤشر واضح بان وزارة التجارة عاجزة تماما عن الايفاء حتى بالوعود ، وغير قادرة على الاستجابة لمتطلبات المواطن العراقي وهو يعيش في احلك الظروف رغم التحسن النوعي من الناحية المادية الا انها لا تتناسب مع حجم الغلاء الفاحش للمواد والسلع الغذائية وارتفاع الايجارات ، وصعوبة ايجاد فرص عمل في ظل الفلتان الامني الذي اثر سلبا على حركة العمل في العراق عموما …
ولهذا فأنه من الطبيعي ان يشمئز المواطن من الوزارة ووزيرها والعاملين في مؤسساتها بسبب انعدام المهنية في عملها ، واعتمادها على مبدأ المحسوبية والمنسوبية في منح العقود التجارية ، متجاوزا الضوابط والشروط الخاصة بالاستيراد التي سببت ان تكون الاسواق العراقية واحدة من بين اسوأ الاسواق الرديئة في المنطقة بكل جوانبها ، ومن حيث العرض والطلب ، بسبب اعتمادها على مصانع الخردة الغذائية و التجارية الغير المعتمدة اساسا في اسواق التجارة العالمية …
وعلى هذا الاساس نجد ان الاصوات المطالبة بإلغائها هي اصوات لا شأن لها بالبطاقة ومفرداتها الغذائية ، وغير معنية بها من الناحية العملية ، بمعنى انها ليست بحاجة لها مثلما يحتاجها المواطن المغلوب على امره ، وانما اطراف تحاول ان تغلق الباب في وجه الغارقين بالنعم الكبيرة من جراء الفساد المالي والاداري المستشري في وزارة التجارة والصفقات التجارية الكبيرة التي تدر بالفوائد المالية على وجهائها ، وهم محرومون منها ، وان الغائها لا تنقذ العراق من حالته المزرية بل يزيده تعقيدا على ما هو عليه ،
ومن هنا يبدو ان السؤال حق مشروع عن عدم اهتمام الحكومة بهذه المسالة المهمة التي تعني المواطن العراقي اولا واخيرا ..؟؟ وما هي اسباب تلكأ الحكومة في محاسبة هذه الوزارة على فشلها وعجزها في تلبية حاجة المواطن وتحسين مفردات البطاقة التموينية ..؟؟ وثم أين البرلمان من حق المواطن في وزارة التجارة التي تهضم منذ اكثر من عشر سنوات ..؟؟
وعليه فاذا كان الجميع عاجزون لنقرأ السلام ، ونغلق الابواب ونتهيأ لمواجهة الاسوأ …!!!
[email protected]