یُراد بالفتوى كلّ موقف شرعي تجاه القضايا المختلفة. وأما الواجب الكفائي فهو قسم من أقسام الواجبات الدينية المطلوب فيه القيام بالفعل من أي مكلف كان، بحيث لو صدر عن بعضهم سقط عن البعض الآخر، وفي حالة أداء الواجب الكفائي يسقط الوجوب عن الآخرين ويحصل من أشترك بهذا الواجب على الثواب، وإذا لم يقم أي شخص بهذا الواجب سوف يكون الجميع مستحقين العقاب.
يبني السيد السيستاني نظريتهُ في رؤية بزوغ هلال أول الشهر على تعدد الأفق، والظاهر أنهُ يبني نظريتهُ في الجهاد كذلك ” بعد إصدار الفتوى بأيام قلائل، أعلن السيد مرتضي الكشميري ممثل السيد السيستاني في بريطانيا أن ما نُقل عن المرجع السيستاني خلال الأيام الأخيرة هو الوجوب الكفائي في الدفاع عن الوطن تحت إشراف الحكومة والمؤسسات الرسمية وإنه خاطب فقط أبناء الشعب العراقي القاطنين في البلد وليس المسلمين الشيعة أو العراقيين في خارج البلاد”
“لقد تجند عدد كبير من الميليشيات الشيعية رداً على فتوى أية الله العظمى السيد السيستاني التي دعت جميع العراقيين اللائقين صحياّ إلى الدفاع عن بلادهم حينما انهار الجيش العراقي وسقطت الموصل في قبضة تنظيم داعش في يونيو 2014. تجاوباً مع ّ ذلك، تأسس تنظيم ُ ميليشياوي عرف باسم قوات الحشد الشعبي تنظيماً يعمل بإذن من الدولة ويأتمر بأمر الحكومة الاتحادية”
بعد القضاء على داعش كتنظيم ممنهج، وتحرير المناطق التي كانت تحت سيطرتها، بدأت أطراف سياسية وحكومية عراقية تتحدث عن احتمال حل الحشد الشعبي، ولكن جدد المرجع الديني السيد علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي، حيث اعتبر أن هذه الفتوى لقتال تنظيم داعش ما تزال نافذة، مبررا في بيان تجديد الفتوى باستمرار موجبها. وقال: “قد أفتينا بوجوب الالتحاق بالقوات المسلحة وجوبا كفائياً للدفاع عن الشعب العراقي وأرضه ومقدساته، وهذه الفتوى ما تزال نافذة لاستمرار موجبها، على الرغم من بعض التقدم الذي أحرزه المقاتلون الأبطال في دحر الإرهابيين” وكان هذا الإعلان على لسان السيد أحمد الصافي وكيل السيد السيستاني في كربلاء من خلال خطبة صلاة الجمعة وفي الذكرى الخامسة لصدور الفتوى.
تداعيات الفتوى والتحرير:
نورد هنا فقرات مهمة لبيان المرجعية الدينية العليا بمناسبة ذكرى صدور فتوى الجهاد الكفائي، الذي تلاه ممثل المرجعية السيد أحمد الصافي خلال خطبة صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف وسوف نعلق على بعضٍ منها:
في مثل يوم أمس الثالث عشر من حزيران من عام 2014_أي قبل خمسة أعوام_ انطلق من هذا المكان المقدس، نداء المرجعية الدينية العليا وفتواها الشهيرة بوجوب الدفاع الكفائي، حيث دعت العراقيين القادرين على حمل السلاح للانخراط في القوات الأمنية، للدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته، أمام هجمة الارهابيين الدواعش، الذين كانوا قد اجتاحوا مساحات شاسعة في عدد من المحافظات، وباتوا يهددون العاصمة بغداد ومحافظات أخرى أيضاً، فهبّ رجال العراق الابطال شيباً وشباناً ومن مختلف الشرائح الاجتماعية، واندفعوا الى ساحات القتال بحماس منقطع النظير، وهمّة لا توصف، وخاضوا لأزيد من ثلاثة اعوام عشرات المعارك الضارية بكفاءة عالية، تجلّت فيها البطولة بأروع صورها وأسمى معانيها، وقد قدّموا في هذا الطريق عشرات الآلاف من الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى والمصابين، انقاذاً للوطن الغالي وفداءً للحرمات والمقدسات، حتى منّ الله عليهم بالنصر المؤزر، وتمكنوا من دحر الارهابيين وتخليص الاراضي المغتصبة من رجس المعتدين والقضاء على دولتهم المزعومة.
ولم يكن ليتحقق هذا الانجاز التاريخي العظيم لولا تكاتف العراقيين وتلاحمهم وتوحيد صفوفهم، وتجاوز القوى السياسية لخلافاتهم وصراعاتهم، وتعاليهم على المصالح الشخصية والفئوية والقومية والمناطقية أمام المصلحة العليا للوطن والمواطنين من مختلف المكونات. بالإضافة الى تعاون الدول الشقيقة والصديقة ومساهمتهم الفاعلة في مساعدة العراق على دحر الارهاب الداعشي.
(في هذه الفقرة اشارت المرجعية الى دور التكاتف الذي ساهم بشكل فعال في تحقيق النصر)
ان تطبيع الاوضاع في تلك المناطق وتوفير الأمن فيها على أسس مهنية تراعي حرمة المواطن وتمنحه فرصة العيش بعزّ وكرامة وتمنع من التعدي والتجاوز على حقوقه القانونية يتسم بالضرورة القصوى، وبخلاف ذلك تزداد مخاطر العود بالبلد الى الظروف التي لا تنسى آلامها ومآسيها.
(في هذه الفقرة حذرت المرجعية من الإهمال وسوء التعامل مع المناطق المحررة وبالفعل تحقق ما تنبأت بهِ المرجعية فقد عاود تنظيم داعش نشاطه في رمضان/ نيسان 2020)
ان على الجهات المعنية بالملف الامني أن تكون حذرة جداً مما يمكن أن يحدث نتيجة للعوامل المشار اليها وأن تتعامل بمهنية تامة مع هذا الملف المهم، وتولي عناية خاصة للجهد الاستخباري لإحباط مخططات الارهابيين قبل تنفيذها، وتوفر مراقبة دقيقة للمناطق التي يمكن أن تكون محطة لتحركاتهم، ولا تسمح بأي اهمال أو تقصير في هذا المجال.
(وفق التوجيه الواضح في هذه الفقرة تمكن الابطال من صد هجومات داعش والقضاء عليها بفضل الله ورعايته)
اعتبار صدور الفتوى عيد وطني:
في الذكرى الخامسة لصدور الفتوى صوّت مجلس النواب العراقي بالإجماع، على صيغة قرار باعتبار يوم 13 حزيران من كل عام مناسبة وطنية، والذي يصادف ذكرى “فتوى الجهاد الكفائي”. وألقى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أثناء افتتاح جلسة البرلمان كلمة قال فيها: “كان العراق يعيش التحدي الأكبر عبر تاريخه الحديث حين تجمع الآلاف من المتطرفين والمجرمين الذين اتخذوا الإجرام وسيلة لنشر افكارهم [ولكن] ببضع كلمات من المرجع الديني الأعلى علي السيستاني بفتوى الجهاد الكفائي […] استطاع العراقيون تحقيق النصر على الاٍرهاب وطرد قوى الشر”