كل المتتبعين الاعلاميين والمحللين السياسيين وخبراء الاستراتيجيات الدولية يجمعون على ان المملكة المغربية في عهد الملك محمد السادس ، تقوى تاثيرها افريقيا واصبحت تنافس كبريات الدول الكبرى في تحديد توجهات القارة السمراء . فالمعطيات الاقتصادية المتعلقة بتواجد الشركات المغربية في افريقيا والمعطيات الماكرو اقتصادية كلها تؤكد على ان المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس بذل جهودا مضنية من اجل ضمان تواجد مغربي وازن ومؤثر في الاوساط الافريقية، يكفي ان نعرف بان المغرب وقع اكثر من 3010 اتفاقية ثنائية وشكل عشرات اللجن المشتركة بينه وبين عدد من البلدان الافريقية وان الملك محمد السادس قام باكثر من 30 زيارة رسمية للبلدان الافريقية تكللت كلها بالنجاح والتوفيق .
فالقارة الافريقية اصبحت مثار انتباه الفاعلين الدوليين منذ عقد من الزمن حيث تسجل القارة معدلات نمو اقتصادي كبير ومشجع لكل اقتصاديات الدول الكبرى في وقت يعرف فيه الاقتصاد العالمي انكماشا ملحوظا في اوروبا و اسيا وامريكا اللاتينية . فبناتج داخلي خام يقارب 2000 مليار دولار امريكي تسجل القارة الافريقية معدل نمو سنوي بمعدل 6 في المئة واصبحت القارة تستقطب استثمارات خارجية سنوية مهمة تقارب اليوم 70 مليار دولار بعدما كانت في حدود 56 مليار دولار سنة 2013 والمبادلات التجارية الدولية تجاوزت 1500 مليار دولار بعدما كانت في حدود 600 مليار سنة 2006 .
اصبحت الصين الشريك الاقتصادي القوي الذي يسعى جاهدا لبسط نفوذه المالي والاقتصادي على القارة الافريقية . حيث ان رقم معاملات الصين اليوم مع افريقيا يتجاوز 500 مليار دولار متجاوزة بذلك بكثير الولايات المتحدة الامريكية و الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا وعدد من الدول الاخرى التي باتت تهتم بالاستثمار في افريقيا. المغرب بدوره في عهد الملك محمد السادس اتبع استراتيجية ديبلوماسية واقتصادية فعالة ومبنية على الشراكة الدائمة والتعاون والتكامل الاقتصادي، مستثمرا العلاقات التاريخية والروحية التي تربط المملكة المغربية بعدد من الدول الافريقية ، فانتقلت بذلك السياسة المغربية من سياسة التاثير في افريقيا الى مقاربة تشاركية مبنية على المصالح المشتركة بمنطق رابح رابح. فالمغرب واع تمام الوعي بان افريقيا تتمتع بسوق داخلية واعدة بساكنة تتجاوز مليار نسمة وتسجل القارة معدلات قوية في التهيئة العمرانية والتطور الاقتصادي يؤهلها لتعلعب ادورا طلائعيا في الاقتصاد العالمي ، المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس استثمر عدة معطيات لصالحه ومنها الديبلوماسية المغربية الكلاسيكية التي يعرف بها المغرب والذي ينأى بها عن الصراعات الداخلية للدول وينهج سياسة معتدلة متوازنة في كل القضايا الدولية ، كما استثمر المغرب بفعالية العلاقات الاخوية التي تربط ملك المغرب بعدد من زعماء الدول الافريقية ولعل حفاوة الاستقبال الذي حظي به المغرب خلال زيارته لعدد من الدول الافريقية دليل على ذلك سواء في زيارته الاولى في فبراير ومارس 2014 او زياراته الاخيرة .
الشركات والمؤسسات المالية المغربية لها تواجد كبير في القارة الافريقية ولها استثمارات مهمة في المجال البنكي ومجال الاتصالات و التامينات و قطاع الطاقة والعقار . الاستثمارات المغربية في افريقيا الوسطى وافريقيا الغربية تتجاوز ملياري دولار وهي مرشحة للارتفاع لانها تستقطب استثمارات اخرى كبيرة وهي استثمارات تتركز اساسا على تاهيل البنيات التحتية وشبكة المواصلات وتقوية الربط الجوي بين المغرب ومدن وعواصم القارة الافريقية . لكن رغم المجهودات المبذولة في اتجاه تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية المغربية اتجاه دول القارة الافريقية مايزال رقم معاملات الميزان التجاري المغربي مع الدول الافريقية في حاجة الى المزيد من الجهود حيث رقم المبادلات التجارية المغربية مع دول القارة لا يتجاوز 5 مليار دولار سنة 2018 والمغرب هو الشريك رقم 45 لافريقيا وراء كل من الجزائر وتونس ومصر . فماتزال اوروبا تستحوذ على اكثر من 60 في المئة من المبادلات التجارية الخارجية المغربية وخاصة فرنسا واسبانيا ثم اسيا ب 12 في المئة وامريكا ب 20 في المئة فيما لايتعدى رقم معاملات المغرب مع افريقيا 3 في المئة بقيمة مالية تناهز 15 مليار دولار سنة 2018 رغم تواجد اكثر من 930 شكرة مغربية في افريقيا.
الفاعلين الاقتصاديين المغاربة والشركات المغربية في افريقيا مدعوة الى استثمار التوجه الملكي في اتجاه افريقيا المبني على الشراكة الاستراتيجية والتعاون في القطاعات التي راكم فيها المغرب تجربة وخبرة هامة وان تقوي الشركات من تواجدها في جميع البلدان الافريقية و تنوع استثماراتها لتشمل قطاعات استراتيجية ذات اهمية اقتصادية مؤثرة. لان من شان ذلك ان يعطي للمغرب فرص اقتصادية وسياسية كبرى في افريقيا التي بات نموها الاقتصادي قويا ، خصوصا وان القارة الافريقية تشهد بداية نشوء طبقة متوسطة ذات طابع استهلاكي وثقافي واعد في سوق دولية استهلاكية واعدة برهان كبير وحيوي امام منافسة اجنبية تتعاظم يوم بعد يوم .
ما فتئ المغرب منذ استقلاله يعبر عن انتمائه الافريقي ويضع تنمية وازدهار وقوة القارة الافريقية ضمن اولويات سياساته الخارجية ، لذلك احتضن المغرب منذ 1961 مؤتمر الدارالبيضاء الذي جمع فيه المرحوم محمد الخامس كل زعماء التحرير بافريقيا وقد ساهم ميثاق الدار البيضاء المنبثق عن هذا الاجتماع في بداية تاسيس اجهزة سياسية وديبلوماسية ترعى الدفاع عن مصالح القارة واستقلالها المالي والاقتصادي والسياسي ، وفي نفس السياق وبروح ميثاق الدارالبيضاء تاسست منظمة الوحدة الافريقية سنة 1963 التي لعبت ادور مهمة قبل ان يصيبها ما اصابها من اختلالات في الثمانينات . وقد تعمقت العلاقات المغربية الافريقية واخذت منعطفا جديدا في عهد الملك محمد السادس مما يجعل المغرب مرشح في السنوات القليلة المقبلة ان يلعب ادوار طلائعية في قيادة افريقيا عن طريق بوابة الشراكة والتعاون وتبادل الخبرات.