قد يكون هذا العنوان صادم للكثير من العراقيين؟! الذين يرون في العهد الملكي بأنه كان نظاما مثاليا عادلا نزيها بالمقارنة مع كل الأنظمة الجمهورية التي حكمت العراق بعد العهد الملكي منذ 1958 ولحد الآن!.، ويلقون باللوم وحتى بالسب والشتم على من قاموا بثورة تموز عام 1958!، ويرون بأن هذه الثورة هي من فتحت بوابة الموت وأنهر الدم بالعراق! وهذه هي وجهة نظرهم. وقبل الدخول في تفاصيل المقال لابد من القول، بأنه لا يوجد نظام حكم بالعالم يمتلك صورة الكمال أن كان ملكيا، جمهوريا، برلمانيا، فلا بد من وجود ثغرة هنا وثغرة هناك، ويبقى تقييم هذه المسألة نسبيا بين دول العالم. فمثلما نجد نظام حكم راقي وعالي المستوى ويمكن أن يكون المثال الذي يحتذى به في علاقة الحكومة بالشعب، وهذا ما نجده في الكثير من أنظمة الحكم في أوربا وباقي دول الغرب، حيث أستطاعت أن تقدم أجمل صور الحكم عدلا ونزاهة وأنسانية. بالمقابل نجد من أنظمة الحكم ما هو الأسوء على مستوى العالم!، كما في غالبية حكومات الدول العربية والأسلامية! وبعض الدول الأسيوية. وبصورة عامة يمكن أن نتفق جميعا وأن أختلفنا في بعض التفاصيل، بأن نموذج الحكم الناجح والمثالي، هو الذي يقوم على أساس ( العدل والمساواة والنزاهة والشفافية)، لدى الطبقة السياسية الحاكمة، ومدى جديتها في تطبيق القوانين على جميع المواطنين بلا أية تفرقة بين هذا وذاك، بعيدا عن المحسوبية والحزبية والمذهبية والدينية والقومية والعنصرية. فالدول التي حظيت ليس بأحترام شعوبها فقط بل في أحترام العالم لها، سارت على شعار( العدل أساس الملك)، وجعلته منهاجا لعملها اليومي لكل طاقمها الحكومي، دون أن تكتب ذلك الشعار وترفعه وتتباهى به!. حيث عملوا بهذا الشعار بوحي من أنسانيتهم وضمائرهم الحية وأيمانهم بأن ( الأنسان بنيان الله ، ملعون من يدمره!). عكس ما نجد ذلك في الكثير من أنظمة الحكم العربية الأسلامية حصرا!، التي طالما تتبنى شعارات العدل والنزاهة والشرف والمساواة، وتكتبها باليافطات العريضة على واجهة الوزارات أو بلوحات وبعناوين بارزة تعلق فوق رؤوس المسؤولين في مكاتبهم!، وهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن ذلك!. وصدق من قال ( الحاكم الكافر العادل، أفضل من الحاكم المسلم الجائر!)، لأن الأول كفره له وعدله للناس، والثاني أسلامه له وظلمه وجوره على الناس. والعراق كواحد من دول العالم مرت عليه أنظمة حكم كثيرة منذ تأسيس دولة العراق عام 1921 من ملكية الى جمهورية، ومثلما أختلفت أراء الناس في تقييمهم لتلك الأنظمة وعلى قدر كرههم أو محبتهم لهذا النظام أو ذاك، كما في مثلنا الدارج ( حب وأحجي وأكره وأحجي)!، فنظام الحكم الذي تراه جيدا قد يراه غيرك سيئا والعكس بالعكس، فقد أختلفت أيضا أراء الباحثين والمؤرخين في تقييم ذلك أيضا!. وقد كان للتداعيات الخطيرة للأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 على المستوى السياسي والأقتصادي والأمني والأجتماعي والثقافي والديني والمذهبي والقومي أثره الكبير على العراقيين الذين باتوا يحنون الى كل ماضي من أنظمة الحكم التي مرت عليهم مهما كان فيها من عيوب وما عليها من مآخذ، ويحاولون تجميلها بأزالة الكثير من القبح عنها!، وذلك بأختلاقهم عشرات بل مئات الأعذار لذلك النظام!، وفي الحقيقة أن حنينهم هذا يمثل صورة من صور الهروب من واقعهم الحالي المرير الذي يعيشونه، رغم معرفتهم بأن الماضي السياسي لبلادهم على مر التاريخ لم يكن مثاليا ولا ورديا أبدا!. ولكن هذا هو الأنسان وهذه هي طبيعته. وبعيدا عن آراء الناس وتناقضاتهم وأختلافاتهم، فأن من الثوابت التاريخية والمنطقية هو أن الأسوء لا يلغي السيء أبدا!. ندخل الآن الى صلب الموضوع، فلا زال الكثير من العراقيين يرون في النظام الملكي في العراق (1921 – 1958 )، وبتصور لا يخلوا من الوهم والسذاجة!!، بأنه كان نظاما مثاليا في نزاهة رجالاته ووطنيتهم وكذلك في تطبيقهم للقوانين وأقامة العدل والمساواة!؟، أذا ما قورن مع رجالات الحكم والسياسة لمن جاءوا من بعدهم. ولكن قد يتفاجأ هؤلاء عما سنورده عن فساد الطبقة السياسية اللملكية التي حكمت العراق!!. (((وسأنقل لكم نص ما نشره الدكتور هادي حسن عليوي عن مقال له بعنوان ( رؤوساء الوزراء المتهمون بالفساد في العراق المعاصر). وقد أعتمد في ذلك على مصادر تاريخية موثقة ويتفق عليها الجميع مثل: المؤرخ المعروف حنا بطاطو/ في كتابه/ الطبقات الأجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، والمؤرخ الذائع الصيت عبد الرزاق الحسني، في كتابه / تاريخ الوزارات العراقية، وكذلك الأساتذة عبد المجيد حسيب القيسي/ في كتابه/ التاريخ يكتب غدا، ومير صبري في كتابه/ أعلام السياسة))). وأدناه ما ذكره الدكتور هادي حسن عليوي عن بعض رجالاات العهد الملكي:
1- جعفر العسكري : رئيس وزراء العراق (1923 – 1936): فقد أستحوذ على مناطق واسعة من منطقة ( العطيفية) أرقى مناطق بغداد من دون وجه قانوني، حتى أن السفير البريطاني في العراق رفع مذكرة الى الملك فيصل الأول يشير فيها، بأن جعفر العسكري أستحوذ على هذه الأراضي من دون سند قانوني، وحتى لم يدفع الرسوم البسيطة لتسجيلها، وكان الملك فيصل الأول يعلم بالموضوع لكن لم يتخذ أي قرار ولا حتى يطلب من جعفر العسكري دفع الرسم على الأراضي الحكومية التي تباع.
2 – ياسين الهاشمي: رئيس وزراء العراق (1936): أنتشرت في عهد وزارته المحسوبية وأبتزاز الأموال، حتى أن ياسين الهاشمي نفسه ووزير داخليته (رشيد عالي الكيلاني) تنامت ثروتهما عن طريق حصولهما على أراضي أميرية جديدة. فقد أستولى ياسين الهاشمي على أراضي حكومية ، وصار هو ورشيد عالي الكيلاني من كبار الأقطاعيين.وأتبعت حكومة ياسين الهاشمي أسلوب الرشاوي والمكافآت، أذ أغدقت على رؤوساء العشائر الموالية لها الأموال والأراضي والأعفاء من الضرائب. كما صادرت حكومة ياسين الهاشمي الأموال والأراضي وفرضت الغرامات على رؤوساء العشائر المعارضة لها ومعظمها لا يسجل واردا للحكومة.
3 – رشيد عالي الكيلاني: رئيس الوزراء (1933 – 1941 ): أستغل وجود ثغرات في قانون العقارات والأراضي الأميرية ليستحوذ على مزارع وأراضي زراعية شاسعة في عدة محافظات، أضافة الى أستحواذه على مناطق راقية في بغداد والأعظمية. وقد ثبتها المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه( تاريخ الوزارات العراقية)، ولم يستطع نوري السعيد رئيس الوزراء من أعادتها الى الدولة بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، لأن الكيلاني أستطاع تسجيلها بشكل أصولي مستغلا منصبه.
4 – أرشد العمري: رئيس الوزراء (1946 – 1954 ): أستغل منصبه كأمين العاصمة/ بغداد في العام 1941 ليستحوذ على مناطق وأراضي في أرقى مناطق بغداد في منطقة بارك السعدون، دون أن يدفع فلسا واحدا.
5 – نوري السعيد: رئيس وزراء العراق منذ 1932 ول 14 مرة: يتحدث الكثيرين عن نزاهة نوري سعيد، لكن هناك أتهامات برشاوي وفساد سجلت عليه منها: أنه أخذ رشوة من شركة نفط العراق، وكذلك أستخدم السعيد ميزانية الدولة لأغراضه الشخصية. وأيضا بأن نوري السعيد عندما يرشح نفسه لرئاسة الوزراء يشترط أن يكون هو وزير الدفاع أيضا، حتى يستطيع أقامة الدعوات والحفلات وغيرها ، فمخصصات هذه الوزارة مفتوحة . فضلا عن فساد أبنه صباح.
6 – بعض رؤوساء الوزراء الآخرين أتهموا أيضا بالأثراء غير المشروع مثل : توفيق السويدي ومصطفى العمري وغيرهم ولكن لم يجر التحقيق معهم كزملائهم الآخرين ، وبالتالي لم تثبت أدانتهم، وهذا لا يعني أنهم أبرياء.
الى هنا أنتهى ما كتبه الدكتور هادي حسن عليوي وتم نقله نصا. وأترك للقاريء الكريم رأيه بذلك؟! والله من وراء القصد.