ما سبق من تطورات وأحداث في ليبيا من قتل ودمار للبشر وللأرض والمقدرات ومن خلال المعلومات التي تتوارد كل يوم فقد بدأت تتبين الصورة هناك واتضحت خيوط المؤامرة، حيث كان هناك تخطيط مسبق لما تم من أحداث من خلال تجنيد العملاء والمرتزقة وممن لا ضمائر لهم بهدف تدمير وتفتيت ليبيا.
في هذا السياق ظهرت أطماع الرئيس التركي في ليبيا خلال الآونة الأخيرة الذي سعى بدوره إلى إطالة أمد الصراع من أجل الحفاظ على مصالحه هناك، وعدم تقدم الجيش الليبي الى المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة الموالية للوفاق والمدعومة من تركيا وحلفاءها.
وبما أن أنقرة لا تتمتع بعلاقات جيدة مع دول شرق المتوسط واليونان، فقد عملت على إيجاد شريك لها يمكنها من رسم خريطة افتراضية للحدود المائية شرق المتوسط، ووجدت أنقرة في حكومة الوفاق ضالتها، والتي قدمت دعماً عسكرياً ساعد حكومة الوفاق الضعيفة قتالياً على الدخول في مواجهات مع قوات الجيش الوطني الليبي.
وفيما تعتبر تركيا أنها قادرة على تحقيق النصر على قوات الجيش الليبي والتصعيد العسكري ضد داعميه الإقليميين والدوليين، فإن موسكو ترى أن كل من يتدخل بالشؤون الداخلية الليبية سيغرق وينهار هناك، لذلك بينما تقوم تركيا بالتدخل في الصراع الليبي عبر أدوات مختلفة منها دعم ميليشيات الوفاق بالسلاح والمرتزقة من السوريين، فإن موسكو تقوم على دعم الجيش الوطني الليبي للمحافظة على مصالحها ولا تسمح لأنقرة باستغلال الأزمة الليبية للتأثير السلبي على مصالحها هناك. لذلك شهدت الساحة الليبية انحسارا للأدوار الغربية، لحساب كل من تركيا وروسيا
لا يخفى على أحد أن العلاقات التركية والروسية اتخذت منحنى صراعياً منذ عام 2015، حينما تدخلت روسيا عسكرياً بالوقوف إلى جانب الجيش السوري ضد الجماعات المسلحة التي تدعمها أنقرة، لدرجة أن تركيا قامت بإسقاط مقاتلة عسكرية روسية بعد أن دخلت الأجواء التركية، ما دفع روسيا لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا و إيقاف عدد من مشاريع التعاون العسكري مع أنقرة، وبعد ذلك اتخذ الطرفان نمطًا تعاونياً لإنهاء الحرب وإيجاد الحل السياسي في سورية.
بما أن الأمم المتحدة تدعم التسوية السلمية للنزاعات ووقف دائم لإطلاق النار والبدء الفوري في التسوية السياسية فأن السيناريو المقترح للعلاقة بين روسيا وتركيا في ليبيا هو دعم العملية السياسية على غرار ما حدث في سورية، وعقد مؤتمرات دولية بعيداً عن منصة الأمم المتحدة أو الدول الأوروبية، بالإضافة إلى دعوة مختلف الأطراف الليبية، على أن تكون روسيا وتركيا دولتين ضامنتين لوقف إطلاق دائم للنار وإطلاق العملية السياسية التي تضمن تشكيل لجنة دستورية ومن ثم إجراء انتخابات محلية في ليبيا.
الرهان على ذلك ربما ارتبط بطبيعة الموقف الأوروبي من الملف الليبي، ويرى الأوروبيون أن مصالحهم الحيوية والإستراتيجية قد تتضرر على نحو مباشر بتدهور الأوضاع في ليبيا بسبب قضايا أمن الطاقة وتهديدات الجماعات الإرهابية وقضايا اللاجئين التي باتت تشكل هواجس لدى الحكومات الأوروبية.
وباختصار شديد. إن البعض لا يريد لليبيا الأمن والاستقرار والخروج من الأزمة وإنما يريدونها تشتعل ناراً، لذلك فإن العاصمة طرابلس هي عاصمة كل الليبيين وترسيخ الأمن والاستقرار فيها واجب على الجميع تفرضه المسئولية الوطنية فالعبث بأمنها واستقرارها هو إستهتار وعبث يتحمل مسؤوليته الجميع.