22 نوفمبر، 2024 6:10 م
Search
Close this search box.

كورونا والنظام الدولي

كورونا والنظام الدولي

اليوم تتوحد مشاعر المجتمعات البشرية بأحاسيس مشترك بما ينتابها من حالة الإحباط والقلق والاضطراب النفسي الحاد اثر تفشى وباء (كورونا) القاتل دول العالم؛ لتعيش تداعيات سلوكية خطيرة فرضت عليها العزلة والانفراد لتسود حالة الخوف والرعب والذعر لا مثيل له في التاريخ المعاصر .

بعد إن اضطرت معظم دول العالم إعلان حالة الطوارئ والكوارث الصحية وحظر أنشطة السفر وغلق الحدود والمطارات أمام الدول والمواطنين والحد من حركة السيارات والقطارات ومنع التجول وإغلاق المنتجعات والمرافق السياحية وإيقاف جميع الفعاليات والأنشطة الرياضية والثقافية والفنية والأدبية؛ وتم فرض الحجر الصحي على المواطنين ليبقوا في منازلهم ومنع التواصل الاجتماعي المباشر مع الآخرين، لتشهد الأسواق والمقاهي وصلات السينما إغلاقا وركودا بسبب حالة الخوف والهلع الذي ينتشر في عديد من دول العالم، ولا يكسر الصمت والسكون الذي يعم الطرقات وإحياء المدن إلا حركة الإسعافات الطبية وسرعة سير سياراتها وهي تطلق صفاراتها هنا وهناك؛ بعد إن تم في كل مدن العالم اتخاذ إجراءات استثنائية بفرض الحجر الصحي العام للمواطنين لتتوقف حركة المجتمع برمته؛ بعد إن واجهت المجتمعات البشرية برمتها أزمة نفسية هستيرية في تخزين السلع والمواد الغذائية خوفا من سيناريو غلق الأسواق والحدود لفترة طويلة وذلك لمواجهة المخاطر المترتبة على انتشار فيروس (كورونا) القاتل .

كورونا.. يربك النظام الدولي

فعالمنا اليوم فوجئ بأكبر تحدي واجهت المجتمعات البشرية والنظام الدولي مس صيم انجازاتهم في العلم والمعرفة والتكنولوجيا والثقافة والفن والاقتصاد والحريات وحقوق الإنسان؛ لتعيش المجمعات أزمة انهيار (النظام الدولي) فرضته جائحة (كورونا) لاستشراق معطيات جديدة ستغير – لا محال – معطيات النظام الدولي بأسره في مرحلة ما بعد (كورونا)، وبدون شك سيكون ذلك نقطة انطلاق لنقاشات مفاهيم معمقة في الفكر الفلسفي.. والسياسي.. والاقتصادي.. والاجتماعي.. وما سيؤول إليه العالم ما بعد الجائحة (كورونا) القاتل؛ لا سيما على المستوى الاقتصادي والسياسي واللذان سيؤثران تأثيرا كبيرا على الحياة الاجتماعية وعلى طبيعة الأنشطة المجتمعية وتداعيات الأزمة وأسبابها وتجلياتها والإجراءات المتخذة لاحتواء مثل هكذا كوارث الواسعة النطاق لبناء تصورات مستقبلية لحياة البشرية ما بعد (كورونا)، والتي كحاصل تحصيل ستطرح ضمنا من خلال هذه الأزمة جملة من أسئلة في غاية الأهمية لما تواجه المجتمعات من تداعيات اجتماعية خطيرة؛ والتي سيدور حولها نقاشات معمقة في زمن ما بعد (كورونا) ومن جملة تلك الأسئلة :

هل في زمن ما بعد (كورونا) سيتم إعادة ترتيب ميزان القوى في العالم واستراتيجياتها التي فشلت في مواجهة أزمة (كورونا) ……….؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) ستعطى الأولوية للمصلحة الوطنية بدلا عن المصلحة الدولية، وان تم ذلك فلا محال فان هذا الفعل سيربك (النظام الدولي) في كيفية تعامل الدول مع بعضها البعض؛ بعد أن يشرع المواطنون في الالتفاف حول حكومات بلدانهم لحماية مصالحهم و بدوافع قومية عنصرية، وهذه النزعة ستطبع على السياسات الدولية……….؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) سيتم تراجع منظومة (العولمة) ليصبح العالم أقل انفتاحا وأكثر تزمتا باتجاه الحريات وتقبل الأخر بما يؤدي إلى إصدار تعليمات مشددة بمنح الفيزا والإقامة وممنوع الدخول الأجانب حتى لإغراض السفر والسياحة ناهيك عن منع استثمار الأجانب في البلدان التي ستطغى عليها الطابع القومي ……….؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) سيواصل الاقتصاد نموه، أم انه سينهار وسيتراجع بسبب أرباك المنظومة (الاقتصادية) بما يمهد لتفاقم حدة الصراعات والخلافات بين دول العالم؛ الأمر الذي يؤدي إلى تقويض البنية الصناعية لدول العالم؛ والى تراجع الشركات والمصانع وتقليص خطوات الإنتاج والإمداد والتوريد ……….؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) سيتم فقدان الأمن الدولي وعدم قدرة أعظم دول العالم من حماية أمنها، وان تم ذلك فكيف سيكون حال الدول الضعيفة……….؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) سيتم ظهور المد (القومي) الذي سيفرز حالة من الصراع والتنافس بين الدول؛ والذي سيؤثر في رسم سياسات الدول؛ وسيؤدي إلى إذكاء الخلافات بين مختلف الأيديولوجية وبين الدول الغربية تحديدا قبل الشرقية، وخاصة بين (القوميين ومعارضي العولمة) و بين (الليبراليين والمدافعين عن العولمة) ……….؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) ستظهر استقطاب مجتمعي وسياسي مؤثرة داخل المجتمعات تهدد امن الدول؛ نتيجة تفاقم الأوضاع الاقتصادية والذي سيعكس سلبا على الأوضاع الأمنية لأغلب دول العالم وعلى سلطة الحكومات فيها كما يحدث في هذه الأيام من نهاية شهر( أيار) الجاري في أكثر من ستته ولاية أمريكة، حيث تعم لفوضى والاضطرابات وعمليات سلب ونهب واسعة النطاق وإحراق سيارات الشرطة والمحلات التجارة الكبرى، الأمر لذي اضطرت الحكومة الفيدرالية استدعاء الحرس الوطني والجيش للانتشار في المدن المضطربة للحفظ الأمن؛ بعد إن تم تصاعد وتيرة الإحداث بشكل دراماتيكي اثر مقتل مواطن (اسود) على يد شرطي (ابيض) تعمد على قتلة بالضغط على عنقه وهو يصرخ طوال ثماني دقائق (لا استطيع التنفس) ليتوفى اثر عملية اختناق مقصودة، وعلى اثر ذلك عمت الاحتجاجات وتصاعدت حد التوتر بين المدنيين ورجال الأمن والجيش والحرس الوطني؛ بما تنبئنا هذه الإحداث التي تفاقمت تحت حدة الوطأة النفسية والسلوك النفسي على الإنسان التي خلفتها جائحة (كورونا)؛ والتي على أثرها أثرت تأثيرا سلبيا على السلوك المجتمعي بانتشار البطالة وتفاقم لأوضاع الاقتصادية للمواطنين، و هذه البوادر ما هي إلا مؤشرات لبداية مرحلة الانفصال وتقسيم ولايات (الأمريكية) الخمسين؛ لإعلان استقلالهم وانفصالهم عن (أمريكا) – عاجلا أم أجلا – ليعاد سيناريو في تقسيم وتفتيت (أمريكا) كما حدث في الاتحاد السوفيتي عام 1991…………..؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) ستتفاقم مظاهر العزلة والانفراد الاجتماعي؛ لتتمحور سلوكياتها نفسية غريبة اجتماعيا؛ لتكون بمثابة ظواهر مجتمعية ستسود لفترة ليست بالقصيرة داخل كل المجتمعات لدول العالم؛ وهو ما سيترتب عنه ظواهر أخلاقية يصعب التعامل معها بين الإفراد………..؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) سيتم تفكيك (الاتحاد الأوربي) نتيجة زحف (المد القومي) نحو كل البلدان الأوربية؛ بعد إن ظهرت أولى بوادرها وتحديدا بعدما تفاقمت أزمة تكاليف الرعاية الصحية بين (إيطاليا) و(إسبانيا) مع باقي دول الاتحاد؛ وعدم تقديم يد العون والمساعدة لهذه الدول المنكوبة بالوباء؛ إضافة إلى قيام كل دولة بغلق حدودها مع دول الاتحاد اثر تفاقم أنشار وباء (كورونا)، وهذا ما إربك وحدة النظام (الاتحاد الأوربي)، بعد إن كان أساسا يعاني من مشاكل لا تعد ولا تحصى؛ ومنها بما يتعلق بعدم استطاعتهم التغلب على مشكلة تفاوت الإمكانيات الاقتصادية والمالية بين الدول (الاتحاد الأوروبية)، وكان لخروج (بريطانيا) من الاتحاد خير دليل على بداية انهيار (الاتحاد الأوربي) ………..؟

هل في زمن ما بعد (كورونا) سينهار النظام (الليبرالي) بعد إن أصبحت أغلبية دول العالم تأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات السياسية في تعاملاتها الاقتصادية، وان مؤشرات هذا الانهيار للنظام (الليبرالي) قد انطلق حين قامت دول (الاتحاد الأوربي) الموحدة بغلق الحدود فيما بينها اثر تفشي وباء (كورونا) لتبرز حجم نهضة (الفكرة الأنانية الوطنية المتلونة بالنزعة القومية) بين بلدان (الاتحاد الأوربي) وهو ما سيعجل من تفكيك النظام (الليبرالي) ……..؟

وهل في زمن ما بعد (كورونا) ستظهر نظم متعددة الأقطاب بدلا من القطب الواحد المتمثل اليوم بـ(أمريكا) بعد إن اخذ دورها يتقوقع وتنطوي على ذاتها؛ وبعد إن أخذت ترفع شعار (أمريكا أولا)، فبوادر ذلك بدا يتبلور في مبادرة (الصين) بتشكيل نظام دولي والذي عملت على تطويره وبناءه منذ مطلع الألفية الثالثة تحت اسم (بريكس) الذي يضم دول نامية ولكن تتميز باقتصاديات واعدة بالنمو والازدهار؛ والتي تدرج ضمن نطاق (التنمية المستدامة)، ويضمن هذا التكتل كل من (الصين ) و(الهند) و(روسيا) و(برازيل) و(جنوب إفريقيا) .

وهناك الكثير من الأسئلة التي تثار اليوم حول مستقل (النظام الدولي) والى أين تسير تطورات الإحداث بعالمنا في زمن انتشار وباء (كورونا) وما بعد زمن (كورونا)، ولكن لا يسع لنا في هذه الأسطر القليلة طرح مزيد من هذه الأسئلة التي تثيرها الأوضاع القائمة في هذه المرحة الحساسة من تاريخ الفكر المعاصر………!

كورونا.. وتحديات التي تواجه النظام الدولي

فالنظام الدول وفق كل التحليلات الفكرية التي تدور اليوم في المحافل الأكاديمية وفي المنتديات الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تدور حول مصير (النظام الدولي) والتحديات الخطيرة الذي سيواجهه في بقاء منظومته على ما هي علية اليوم في زمن ما (كورونا)، وأول تحديات التي ستواجه (النظام الدولي) في التغيير سيكون متعلق بطبيعة بقاء منظومة النظام (الليبرالي) في زمن ما بعد (كورونا) الذي دعمته (الرأسمالية) وعملت على تسويقه منذ نهاية (الحرب العالمية الثانية) بكل الوسائل الممكنة ليتحول تدريجيا إلى وحش مفترس في السوق المفتوح مع إطلالة دخول المجتمعات القرن الواحد والعشرين……..!

فالدول (الرأسمالية) وفي مقدمتهم (أمريكا) سوقت لهذا النظام – أي (النظام الليبرالي) – لتشكيل تحالفات بين هذه الدول؛ تكون قوته بما تخص تحديدا في التبادلات (الاقتصادية) و(الأمن الغذائي العالمي) و(الصحة العالمية) .

ولم تستطع أية دولة في العالم من معارضة هذا الاتحاد بين الدول (الرأسمالية)؛ بعد زوال (النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي)، ولم يظهر أي تهديد ضد انتشار (النظام الليبرالي) في دول العالم إلا بظهور جائحة وباء (كورونا)، هذا الوباء القاتل – الغير المرئي – وانتشاره السريع شكل تهديدا حقيقيا له؛ ولكل الأسس والقواعد التي قام عليها (النظام الليبرالي) المدعوم من قبل الدول (الرأسمالية) وفي مقدمتهم (أمريكا)، من إغلاق الحدود.. إلى إعلان حالة الطوارئ.. ونزول الجيوش إلى الشوارع والمدن.. ومنع التجوال والسفر.. وإيقاف الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية.. وإغلاق المدرس والمحلات والمتنزهات والمعامل الخاصة؛ لتواصل هذه الخطوات التعسفية والتي تنتهك أبسط قواعد حقوق الإنسان والحريات الشخصية بدون إن نجد من يعارض من الجمعيات والمنظمات الحقوقية والإنسانية أو من الأحزاب المعارضة لهذه الإجراءات؛ والتي جلها تعارض مبادئ التي قام عليها (النظام الليبرالي) المدعوم من الدول (الرأسمالية) .

لنستشف من خلال هذه الإجراءات التي تمس صميم الحريات وحقوق الإنسان؛ التي قام عليها وأسس جوهر (النظام الليبرالي)، لنصل إلى حقيقية من خلال استقصاء مظاهر التي أفرزتها هذه الأزمة بانتشار جائحة (كورونا)، بان كل ما قيل ووصف (النظام الليبرالي) ما هو إلا (وهم) و(خيال) طبلت علية (الرأسمالية)، لان (النظام الليبرالي) ومن خلال أزمة جائحة (كورونا) كشف الغطاء عن جوهر وغاية؛ وبما كانت تسوق إليه (الرأسمالية)، لان جل ما كانت تبحث عنه (الرأسمالية) من خلال (النظام الليبرالي) هو متعلق بدا وانتهاء بـ(الاقتصاد) فحسب .

كورونا.. كشف القناع عن الوجه الحقيقي للرأسمالية المتوحشة

فحين شعرت (الرأسمالية) تهديدا خطيرا يمس هذا (الاقتصاد)؛ وان اقتصاديات اغلب الدول (الرأسمالية) أصبحت محصورة في زاوية حرجة للانهيار التام و(انخفاض معدل الإنفاق العالمي) باعتباره هو المحرك الأساسي للاقتصاد نتيجة لهذه المبادلات، وهذا يعني أن الأضرار الاقتصادية لأي دولة من دول (الرأسمالية) ستكون أضرار مشتركة، مع اختلاف في قدرة (الاقتصاد) لهذه الدولة أو تلك على تحمل نتائج وتبعات الخطيرة لهذه الأضرار، سواء على المدى القريب أو البعيد، ولهذا وفي لحظ زمنية فاصلة (ضحت) بكل ما سوقته خلال الحقبة الماضية من مفاهيم المتعلقة بالحريات.. وحقوق الإنسان.. وحرية التعبير.. والى أخره، من اجل عيون (الاقتصاد)، لان (الرأسمالية) تضع قيمة عليا على (الاقتصاد) حتى وان كان على حساب الأرواح البشرية، ولهذا دأبت وبكل الإشكال لإعادة المعامل والمصانع إلى العمل؛ بحجة – عدم وجود مخاطر تخص حياة وأرواح العمال – وذلك بقيامها بإجراءات وقائية أمنية عالية المستوى من التباعد الاجتماعي وبوضع كمامات الوجه ولبس قفازات اليد وهي إجراءات شكلية لا تقدم ولا تأخر من شيء؛ بقدر ما يكون أمرها تعسف بحق الحريات الشخصية؛ لان تفشى الوباء – الغير المرئي – ينتشر ويفتك بأرواح البشرية بشكل مثير ومرعب؛ بدون إن يكون لحد الآن أي علاج أو دواء حقيقي للقضاء على فيروس (كورونا) القاتل .

ومن خلال كل هذه الإجراءات التعسفية بحق الحريات الشخصية كشف القناع عن الوجه الحقيقي لـ(النظام الليبرالي) و(الديمقراطية) و(الحريات) و(العولمة) و(النيوليبرالية) المرتبطة بـ(الرأسمالية)؛ بعدا عجزت هذه (الرأسمالية) المتوحشة عن احتواء هذه الأزمة التي فرزتها جائحة (كورونا) وحماية شعوبها بطرق فعالة وعملية؛ بقدر اهتمامها بـ(النظام الاقتصادي) كي لا ينهار، ولكن – لا محال – فان كل قراءات للمشهد السياسي والاقتصادي القائم بعد تفشي وباء (كورونا) وبدون وجود دواء فعال للعلاج من مخاطر هذا الوباء القاتل على المدى القريب؛ فان (النظام الليبرالي ) في طريقه إلى الانهيار بانهيار المنظومة (الاقتصادية) الذي يعتمد أساسا عليها؛ والذي سوق نفسه بكونه نظاما داعما لديمقراطيات.. وحقوق الإنسان.. والحريات.. ونظام الحكم العادل؛ والتي – و كما قلنا سابقا – ظهرت حقيقة هذه المقولات زيفها في أول محنة حقيقية مس جوهر النظام (الليبرالي) الذي تبنته وسوقته (الرأسمالية)، وكما انهار (النظام لشيوعي) سينهار (النظام الليبرالي) لا محال، لان ما يحدث اليوم في طبيعة البنية المجتمعية أفرزت معطيات وجلها تتجه باتجاه تبني منظومة جديدة لإحداث تغيير لعدم تكرار التجربة القاسية التي تمر بها كل المجتمعات البشرية بانتشار وباء (كورونا) القاتل؛ وهي لقادرة على إحداث (التغيير) .

لان (حركة التاريخ) تنبئنا بان (المنظومة الاجتماعية) التي ضمنا تحتوي على تركيبات متنوعة من شرائح المجتمع، وهي وحدها لقادرة على مواجهة النظم القائمة وتغييرها، ولهذا إن (التغيير) الذي تتجه إلية أنظار وتطلعات شعوب الأرض؛ لا يكون بناءه قائم على أنقاض النظم السابقة أو بالتضاد معها سواء للنظم (الشيوعية) أو (الرأسمالية) أو (الليبرالية)، بل يجب إن يقوم (التغيير) على تحسين وتفعيل مرتكزات الناجعة في (ايدولوجيا) واعية تحيط بكل جوانب النظم السابقة؛ لكي تستطيع بـ(براكماتية) إن تقف على ارض صلبة لا تنهار من تحت إقدامها في أول خطوة تخطوها في زمن ما بعد (كورونا)، لكي لا تقع في وهم التظليل كما حدث في النظام (الليبرالي) حين دعمنا توجهاتها الاجتماعية والإنسانية وأغفلنا تركيزاتها المبنية بدا وانتهاء على (الاقتصاد) حيث جندت كل المفاهيم (الاجتماعية) و(السياسية) من اجل (الاقتصاد) بحد (ذاته) وليس من اجل الإنسان وحريته وكرامته وحقوقه المدنية .

ولهذا لابد لأي فهم معاصر يستحدث في زمن ما بعد (كورونا) إن يحيط علما وإدراكا ووعيا بكل الجوانب لإيديولوجيات السابقة لبناء منظومة قابلة للحياة بفلسفتها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وتتبنى قيم الإنسانية العادلة ولا تضحي بالفرد مهما كان السبب لتمنح له الإحساس بالعدل والأمان؛ ليتم تطوير حقوق الإفراد والاعتراف بالحقوق الإنسانية؛ ليتم وفق ذلك تطوير منظومة الحياة في كوكبنا سواء عبر بناء أسس أكثر رصانة في (الأمم المتحدة) أو (منظماتها) لتخدم مصالح الشعوب في عموم بلدان العالم لا مصالح التي تفرض عليها من قبل الحلقات المتسلطة على رقاب الشعوب من المتحكمين في السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية في العالم، ليتم في كل مرحلة من مراحل التاريخ تهديد (النظام الدولي) بأسره كما يحدث اليوم تهديده بوباء (كورونا) القاتل الذي تم صناعته من قبل الدول الصناعية اتخذت من (الاقتصاد) كل شيء في الحياة لبسط نفوذها الاستعمارية حتى وان كان على حساب أرواح البشر ومستقبل الحياة على كوكبنا .

كورونا.. وشكل النظام الدولي في زمن ما بعد كورونا

فما هو شكل (النظام الدولي) الذي سيظهر – لا محال – في زمن ما بعد (كورونا) ………..؟

وما هو نمط الاتجاه الذي ستتخذه العلاقات الدولية التي تتعدد تصنيفاتهم وتوجهاتهم بتنوع النظم السياسية في العالم؛ بعد إن وقع (النظام الدولي) تحت وطأة تأثيرات جائحة وباء (كورونا) القاتل؛ التي فرض وقائع سلوكية مجتمعية مس صميم واقع الحياة وعلى كل الأصعدة السياسة والاقتصادية والاجتماعية ……….؟

وعلينا من خلال تفاقم وباء (كورونا) القاتل الذي أوقع خسائر جسيمة في أرواح البشرية؛ وما زالت المجتمعات البشرية في كل إنحاء العالم تعيش تحت وطأة هذا الوباء وعدد الإصابات والوفيات مازالت أيضا في تزايد يومي مستمر تتعدى ألاف والملاين من البشر بما يهدد حياة البشرية جمعاء على كوكبنا، والأمر لم يكتفي على هذا نحو الخطير؛ بل إن ما رافق هذه الكارثة ظهور أزمة بشرية حادة تحمل في طياتها تهديدا خطيرا لجميع الأنظمة السياسية والاقتصادية في العالم تمس في كيفية ديمومة الحياة من ناحية حصول على قوت العيش بعد إن توقف عجلة الحياة الاقتصادية وفرض مزيد من خطط الطوارئ في تقيد حركة المواطنين والأنشطة التجارية والصناعية، الأمر الذي خلف أزمات اجتماعية واقتصادية لكل دول العالم بتزايد تراكم الديون والفوائد المالية ونقص السيولة التي ستثقل كاهل البنوك المركزية بعد انتكاس الذي يشهده القطاع الصناعي والمالي والتجاري وأسواقها؛ وستزداد الأمور تعقيدا وانتكاسا كلما امتدت الأزمة لشهور قادمة والعالم يعيش تحت وطأة الإغلاق الجزئي والشامل لآلاف المصانع والشركات وغلق الأسواق وتسريح عشرات الملايين من العمال وبقائهم بدون مورد………..!

فهل ما يحدث اثر تفشي وباء (كورونا) القاتل؛ وتفاقم الأزمة بين دول العالم بانعدام الثقة؛ والمبادرة بغلق الحدود؛ والانكفاء على الحدود القومية؛ وعدم التعاون لمعالجة الأوضاع القائمة؛ وكل دولة تحاول معالجة الأوضاع الوبائية القائمة بوسائلها الخاصة وبدون أي تعاون دولي فيما بينهم؛ وهو أمر وجدناه من خلال دول (الاتحاد الأوروبي) وتخلي دول الأعضاء عن مساعدة (إيطاليا) و(إسبانيا) وهم في ذروة الأزمة الوبائية؛ ليشكل هذا البعد الغير الإنسان إلى تفتيت (الاتحاد) بعد الأزمة الراهنة بسبب بروز النظرة (العنصرية) و(القومية) بين دول الاتحاد وفرض وجودها على المشهد وهم في ذروة الأزمة الوبائية، مما خلق هذا الوضع – ليس فحسب لدول (الاتحاد الأوربي) بل بين دول العالم اجمع – وضعا مضطربا مليئا بالتناقضات والمفارقات بعيد عن القيم الإنسانية، ولهذا فان العالم الذي يفقد توازنه ويتجه بعيدا عن التعاون وعدم بذل جهود دولية مشتركه لتخفيف من وطأة الكارثة الوبائية؛ هو بمثابة لحظة انتكاس وتراجع في مسار (النظام الدولي) القائم الآن؛ ومرحلة مفصلية في التاريخ الفكر الإنساني المعاصر…………….؟

ومن هنا علينا ان نسأل:

هل حقا إن العالم يتجه نحو مجتمع دولي أكثر انغلاقا وعنصرية وتشددا وتنافرا وانقساما ………..؟

نعم، لأننا اليوم نتجه بهذا الاتجاه، لان من اخطر تداعيات وباء (كورونا) القاتل كشف القناع عن الوجه الحقيقي لكثير من المفاهيم التي ظللت وخدعت المجتمعات البشرية وعلى رأسها (الرأسمالية) التي تهيمن على اقتصاديات اغلب دول العالم إن لم نقل اجمعها، فـ(الرأسمالية) اخفت ملامحها القبيحة بقيم (الديمقراطية) و(الحريات) و(العولمة) و(الليبرالية) و(النيوليبرالية)، لتسوق نفسها بأنها تدافع عن الفرد وتسعى الإيجاد كل وسائل لتمكينه معنويا وماديا؛ بينما هي في الخفاء تعمل من اجل مصالحها الاقتصادية والإنتاجية والمالية فحسب، وان في حالة تهديد هذه المصالح فإنها ستضحي بهذا الفرد وبكل المفاهيم التي سوقت نفسها بها زورا وبهتانا، كما يحدث اليوم حين تحاول تضحية بالإنسان من اجل إن لا ينهار الاقتصاد؛ فتسعى إلى فتح مصانعها وإعادة العمل رغم يقينها بأنها في ظل هذه الظروف الوبائية ستعرض حياة العمال إلى مخاطر إصابة بالوباء (كورونا) القاتل .

ولهذا فان ابرز ملامح التي أفرزته هذه الجائحة هو تدهور العلاقات الدولية بدا بقيامهم بغلق الحدود وعدم التعاون والعمل كل دولة وفق مصالحها الخاصة؛ بما عزز الدوافع (العنصرية) و(القومية) في الدول العالم دون استثناء؛ لا المصنفة بـ(الاشتراكية) ولا المصنفة بالدول (الرأسمالية)، بمعنى إننا بدئنا فعليا نغلق باب بوجه (العولمة)، ونستطيع القول بأننا بدئنا فعلا إعلان عن (وفاة) هذا النظام العالمي في زمن ما بعد (كورونا)، بعد إن أعلن عن غلق كل شروط التجانس بين الأمم والشعوب وثقافات والتعاون المشترك عن نفسها؛ وظهور النزعة العنصرية على كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والقانونية أو الثقافة والنفسية .

فهل ملامح ما تمر به حضارتنا تتجه نحو التراجع، أم إننا نسير من اجل تصحيح المسار من اجل بناء مستقبل لعالمنا أكثر أمانا وعدلا………؟

نعم إن تاريخ الذي مر على المجتمعات البشرية؛ تاريخ أدرك بان ليس هناك في المطلق طريق مسدود الذي نجد أنفسنا فيه اثر تعرضنا لازمات؛ وكما اليوم يمر عالمنا بأزمة وباء (كورونا) القاتل، لان التعاون والتفاهم والتضامن المجتمع داخل حدود الدول أو عبرها يكمن وراءه أيضا حسابات تتعدى ذلك بكثير من قيمة التعاون الاقتصادي والمكاسب المتبادلة منه ومن خلال تبادل معلومات التقنية والتقدم العلمي والتكنولوجي؛ وهو أمر الذي يجعلنا إن نفكر بشكل أعمق في قيمنا الإنسانية ومصيرنا على هذا الكوكب، لان يقينا ما أفرزته أو ما ستفرزه أزمة وباء (كورونا) القاتل؛ منحتنا درسا للمستقبل ولكل المجتمعات؛ لتحسين واقعنا وقدراتنا وإمكانياتنا كمجتمع دولي للمواجهة المخاطر مجتمعية لها إبعاد كونية؛ التي ولطبيعة الحياة التي ليس لها حالة ثابتة – فلا محال – سنشهدها، وفي هذه الحالة علينا أن ننظر إلى هذه الجائحة لوباء (كورونا) القاتل من زاوية (الضرورة) و(الافتراض) والحاجة إلى التأمل بنمط الإدارة وبطبيعة النظام الراهن وما سيؤول إليه النظام العالمي ما بعد (كورونا) .

هل ستكون السيطرة قادمة من قطب (أمريكي) بعيد عن (الاتحاد الأوربي)، أم سيكون بالتعاون معا………..؟

أم السيطرة ستكون لصالح (الصين)، بكون كل المؤشرات تشير بان (الصين) بتصاعد قوتها وفرض هيمنتها الاقتصادية على دول العالم بعد إن اعتمدت هذه الدول اعتمادا كليا على (الصين) بتحويل كبرى مصانعهم إليها بسب قلة أجور الأيدي العاملة وبتالي مكنتها ببناء اقتصادا ضخما ومتطورا هو الذي اليوم يسيطر على الاقتصاد العالمي ويؤثر عليه ………….؟

أم إن الأمور ستتجه إلى تصاعد مناخ (الحرب الباردة) بين قطبين (الصين) و(أمريكا) باعتبارهما يهيمنان على الاقتصاد العالمي بتراجع قوى (دول الاتحاد الأوربي) و(روسيا) في مجال الاقتصاد ……….؟

في وقت الذي يرافق تطورات الحاصلة في مجال الاقتصاد في زمن (كورونا) وما بعده، تصاعد وتيرة الأزمة على المستوى (الجيوسياسية) بين دول العالم بظهور إيديولوجيات (شعوبية) و(قومية) وتراجع (ألليبرالية) و(النيوليبرالية) ونظام (العولمة) وبتقهقر الديمقراطيات المتبناة وتراجع الحريات وحقوق الإنسان والتعاون الدولي؛ بعد إن عجز (النظام الدولي) الحالي من مواجهة كارثة تفشي وباء (كورونا) القاتل واهتزاز ثقة الإنسان بالنظم القائمة؛ بعد فشل حكومات دول العالم وعجز نظامهم الصحي – ودون استثناء من مواجه الوباء – بعدم إمكانياتهم من بتوفير متطلبات العمل مع واقع الأزمة، لنستشف مدى حجم الغياب التعاون والتنسيق والتضامن الدولي ليعم الفوضى في إدارة القضايا المتعلقة بمصير البشرية، لتفرز الأوضاع القائمة مدى عجز (العولمة) التي غابت عنها (القيادة) لتنظر إلى واقع البشرية الذي يهدد بوباء (كورونا) القاتل؛ دون تنظيم إعمال الدول العالم للحد من تفاقم الأزمة وصد توسيع نطاق الجائحة (كورونا) التي زعزعت الأمن المجتمعي وفي مناطق واسعة من العالم؛ فأثار الارتباك؛ رغم التقدم العلمي والتكنولوجي ووفر المواد البشرية المادية، ولكن كان (التخبط) سيد الوقف من النظام (العولمة) ومن عمل على تصديره وتسويقه – (واعني الرأسمالية المتوحشة) – في مواجهة هذا الوباء القاتل؛ دون إن تتمكن دول العالم بكل ما في حوزتها وما تملكه من إمكانيات لتدخل السريع ومحاصرة الوباء دون تردد وتضيع الوقت قبل تفشيه في كل بقاع العالم، ولكن لان قادة (العولمة) تعودوا على تسويف قضايا التي كانت لا تقل خطورة من تفشي هذا الوباء القاتل، وخاصة بما يتعلق بقضايا تلوث (البيئة) و(المناخ)، فأنهم لم يكترثوا بأمر تفشي هذه الجائحة منذ اللحظة الأولى بإعلان انتشار وباء (كورونا) القاتل، وكل ذلك يعود لعدم شعورهم بالمسؤولية وعدم التعاون والعمل المشترك؛ رغم أنهم كانوا يسوقون هذه الشعارات لكل دول العالم تحت معطيات (العولمة)، لتظهر حقائق الكامنة من وراء نظام (العولمة) بكونه نظام يخص أولا وأخيرا لتنشيط النظام (الاقتصادي) ليس إلا، لان الغاية من ذلك هو الحصول على الإرباح التي تجنى من وراءه؛ وهو منطق (الرأسمالية) التي اخفت وجهها القبيح خلف نظام (العولمة) والتي تشبثت به (الرأسمالية) للقضاء على النظم الاجتماعية القيمة والمعتدلة؛ على حساب تعظيم فوائد الربح الاقتصادية مهما كان سياقه لديمومة تحريك عجلة الإنتاج والإرباح؛ حتى وان كان على حساب السعادة البشرية ومستقبلهم ومصيرهم، ففتحوا الأبواب على مصراعيه في صناعة الأسلحة وسخروا (فن السياسة) لخلق النزاعات والفوضى وأعداد الحروب؛ ليكون لهم سوق نشطا في تصدير الأسلحة بما يدير لهم أرباح فائقة في تنشيط حركة صناعتهم .

فهذه العقلية (الرأسمالية) تدار من قبل مؤسسات تحت تسمية (العولمة) و(الليبرالية) و(النيوليبرالية)، وجل توجهات هذه الأنظمة كان بمثابة قناع غطى وجه (الرأسمالية) القبيحة؛ التي جل غاياتها في تصدير هذه هياكل من النظم؛ هو التوجه لنمو وتوسيع دائرة الإرباح والسلع، والتي وفقها تنظم طبيعة العلاقات في المجتمعات (الرأسمالية) والتي تجاهلت المكتسبات الحضارية والإنسانية وهضمت حقوق الإنسان الحقيقية؛ والتي اليوم نجني حجم المخاطر الذي ترتب عن هذه الوحشية في صناعة فيروس (كورونا) الوبائي قاتل؛ والذي كان يعد له مسبقا لإغراض التنافس الاقتصادي وتدمير اقتصاديات المنافسة لجهة المصدر، ولكن لأخطاء فنية بحته خرج أمر الجهات المصنعة لهذا الفيروس عن السيطرة؛ ولعدم وجود تعاون دولي ووقوع منظمة الصحة الدولية تحت نفوذ الدول الكبرى؛ تم شراء ذمم أصحاب القرار فيها مبتعدين عن أخلاقيات الفكر والإنسانية والمسؤولية، فتفشى الوباء (كورونا) ليهدد مستقبل العالم بعد خروجه من نطاق السيطرة لتنتج عنه مخاطر تسير بسرعة نحو الانفجار .

ومن خلال هذا الفهم وعلى مر التاريخ وجدنا بان عقب كل انتشار للأوبئة تحدث اضطرابات مجتمعية خطيرة تؤثر تأثرا كبيرا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بما يخلفه الموت من حالات مروعة يؤدي إلى انهيارات مجتمعية تنتهي في الغالب إلى اندلاع حروب؛ بعد إن يتغذى الجانب النفسي للإنسان مشاعر سخط وغضب وتعزز في دواخله نزعات قومية وعنصرية وكراهية للأجانب؛ والتي جلها تفاقم من حدة الأزمة، ولهذا فان (العولمة) والنظم (الليبرالية) خلال عقود الأخيرة كانت سمة أساسية لأغلب دول العالم في رسم سياساتها الداخلية والخارجية؛ وكما قلنا بان (الرأسمالية) غطت وجهها القبيح بقناع (الليبرالية) و(العولمة) لتدعيم الاقتصاد بكل الإشكال الممكنة، فاستقطبت العمال من كل حدب وصوب وطعمت مجتمعات الدول الصناعية بأنماط وشرائح مجتمعية من مختلف دول العالم بالقوى العاملة و كقوة أداتيه لديمومة الاقتصاد وإدارة مصانع القوى (الرأسمالية) التي كانت في صلب توجهاتها وسياسات العامة إدارة المصانع والشركات بكامل طاقاتها الإنتاجية مستغلين في ذلك الأيدي العاملة ليعملوا بأجور زهيدة ولفترات طويلة وفي ظروف يائسة وقاسية للحصول على اكبر قدر من الإرباح والسلع الإنتاجية، لتصبح هذه القوى بين ليلة وضحاها على المحك اثر تفشي وباء (كورونا) القاتل؛ بعد إن أغلقت المصانع والشركات أبوابها؛ فتم تسريح العمال ولم يتمكنوا بعد إن استمر الوباء بالتفشي ولم تتمكن المصانع من إعادة العمل، ليجد هؤلاء العمال – والذي يتراوح إعدادهم بعشرات الملاين – أنفسهم عاطلين من دون إن يتمكنوا من تغطية نفقاتهم المعيشية، بل إن كل مؤشرات توحي بأنهم قد لا يحصلون على فرص عمل مواتية للتعويض عما خسروه من مصدر دخل؛ بعد إن أعلنت غالبية هذه الشركات والمصانع إفلاسهم، وهذا ما ترتب عنه مشكلة مجتمعة خطيرة في تفاقم النزعات (العنصرية) و(القومية) و(كراهية الجانب)؛ في وقت الذي أصبحت هذه الدول عاجزة من إيجاد حلول ناجعة؛ بقدر كون اغب دول العالم اليوم لا تستطيع التوازن بين أولوياتها في حماية الاقتصاد بما فيه من إرباح ومواد مالية ومتطلبات الطبقة (البيروقراطية) وبين مشكلة انتشار وباء (كورونا) القاتل وحماية المجتمع والمواطنين وإدامة الصحة العامة .

كورونا.. يضع النظام الدولي على المحك

ولهذا فإننا نجد بان كل النظم القائمة في عالمنا اليوم على المحك؛ وستواجه – لا محال – تغييرا في سياساتها العامة، وان معطيات الرؤية الجديدة ستظهر؛ لان جائحة (كورونا) كشفت فشل (النظام الدولي) بغياب (قيادة) لنظام (العولمة) الذي سيطر على العالم؛ وكما ادعى بكونه نظام حول العالم إلى (قرية صغيرة)، لنكون اليوم أمام حقيقة قاسية بان هذه (القرية بدون قيادة) وان الأمور منفلتة فيها إلى أقصى حدود، بعد إن غاب دور (أمريكا) التي كانت تزعم بكونها تمسك قيادة العالم، لتجد بين ليلة وضحاها بأنها لا تستطيع السيطرة على أوضاعها الداخلية وخاصة في المجال (الصحة) و (الصحة النفسية)؛ وان اقتصادها يسير نحو الهاوية؛ وان ملايين العمال في الشوارع بدون عمل، لتتنصل عن هذه الزاعمة بإرادتها؛ بعد إن رفعت شعار (أمريكا أولا) لتجنح نحو قيم (الشعوبية) و(العنصرية) و(الكره ضد الأجانب) متخلية عن قيم (الليبرالية) و(الديمقراطية) و(النيوليبرالية) التي سوقت له قرن كامل لتضرب كل ذلك عرض الحائط في أول أزمة حقيقية تواجهها وانهزمت إمامه، ليكشف القناع المزيف التي احتمت خلفه طول هذه الحقبة بشعارات مزيفة في (الليبرالية) و(الديمقراطية) و(النيوليبرالية) و(العولمة) وما قامت وما فعلت بتلويث المفاهيم (الشيوعية) و(الاشتراكية) و(الديمقراطية الاشتراكية والاجتماعية) بنعت هذه النظم بسلبيات لا حدود لها لإثارة ردود فعل ضدها عند كل المجتمعات؛ وعملت وجندت كل ما في وسعها لتقويض معطيات هذه الأفكار عند شعوب الأرض قاطبة وبدواع (إيديولوجية) بحته، لتكون (العنصرية) و(الشعوبية) ملامح حقيقية لـ(الرأسمالية) التي تنحصر جل معطياتها في الصناعة والإنتاج والإرباح والمال وفائض القيمة وعلى حساب أرواح ومستقبل البشرية، ووفق هذه البرامج البعيدة عن القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية؛ تطلعت في تصدير وتسويق (الرأسمالية ) المتوحشة حول العالم .

لتكون (الرأسمالية) التي تقودها (أمريكا) اليوم في دائرة تنافس مع غول متوحش أخر أكثر قسوة منها؛ وهو غول (الصين) بنظامها الشمولي القاهر لـ(الحريات) و(الديمقراطية) و(حقوق الإنسان) و(اللاجئين)، ليظهر التنافس الحقيقي فيما بينهما؛ وقد يتطور إلى حالة (حرب)، وما إفرازات الوبائية لجائحة (كورونا) القاتل إلا إحدى استنتاجات هذه (الحرب)، التي استشف معطياتها من خلال قراءتنا لحالة حركة التاريخ؛ ومن خلال تاريخ حركة الشعوب، ومن المؤكد بان ابرز ملامح هذا الصراع الذي سيدور بين قطبين المتصارعين اليوم (أمريكا) و(الصين) ينطلق خلفياته من النزعات (القومية) و(الشعوبية) مداره تكنولوجي وحماية الاقتصادية؛ والذي يأتي ضمن أيطار التنافس (الأميركي) و(الصيني)، بينما تبقى بلدان (الأوربية) تلتقط أخر أنفاسها في (الاتحاد الأوربي) القائم فيما بينها؛ لتتشتت بين هذا الطرف وذاك أو تتقوقع في أيطار (القومي) و(الشعوبي) وتخلق الحدود على نفسها وسط حالة من الركود (الجيوسياسية) لا يودي فحسب إلى اتساع نطاقه (أوربيا) بل سيمتد تأثيره على سياسات عالمية .

أنها لحظة انكسارات حقيقية في (النظام الدولي) بما ينجم عنه من اضطرابات اقتصادية وزعزعة الاستقرار العالمي والمجتمعي؛ وسيحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة لإعادة التنظيم السياسي والاقتصادي الجديد للمجتمعات وللعالم؛ يبنى وفق معايير تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطنين وبشكل مغاير لكل النظم التي تعودنا رؤيتها وقراءتها في مسار حركة التاريخ، وفي اغلب الضن سيقوم هذا النظام الجديد وفق حالة (الافتراضات) على مبادئ (الأخلاق وفلسفة القانون والسياسة والتاريخية)، وعلينا إن نفهم مستفيدين من خلال تجربتنا القاسية التي نمر بها اليوم في ظل جائحة (كورونا) القاتل؛ كيف نكون أناس بإنسانيتنا؛ ولا يكون ذلك ما لم نفهم إنسانية الإنسان الحر المستقيم القوي بأخلاقه وقيمه النبيلة، لأننا سنمر بتفشي هذا الوباء؛ فترة من (الانطواء) و(العزلة) وهذه القيم النفسية ستطبع في ذات الإنسان طبائع ستعكس في صميم علاقتنا مع العالم الذي يظهر وفق هذه المعطيات؛ بكونه عالم مغلق لا تجد فيه مشاعر الانفتاح والألفة؛ ومتجه نحو الانغلاق وبعيدا عن الحرية، لأن (النظام الدولي) اليوم يتعرض لضغوط كثيرة بسبب هذه (الجائحة) وبما يخلفه من تراجع الاقتصادي لأغلب دول العالم؛ لتكون مثقلة بالديون التي تزداد وتتراكم فوائدها يوم بعد أخر؛ وان بنوك العالم ستواجه نقص حاد في السيولة مع تفاقم الأوضاع الصحية وانتشار الوباء وعدم وجود أفق للوصول إلى لقاح له؛ وفي كل شهر إضافي يمر من زمن جائحة (كورونا) القاتل سندرك حجم تدهور الذي سيصيب الاقتصاد العالمي وحجم تأثيراته على المجتمعات الذي سيشكل تهديدا خطيرا لكل الأنظمة السياسية والاقتصادية في العالم .

وهنا ستكون كل النظم على المحك إزاء ما تفرزه هذه (الجائحة) من تعقيدات مجتمعية تنظر بعيون مختلفة عما كان قبل الجائحة (كورونا)، فـ(النظام الشمولي) و(النظام ألتعددي) هي نظم كانت لهم تصورات بقدراتهم للوصول إلى مرحلة من النجاح ومن القوة والإمكانية في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن الاختبار الحقيقي لهذه الأنظمة كانت تأتي دوما اثر تصادمها بأزمات حادة وحقيقية ليكون تقيم برامج هذه الأنظمة؛ في كيفية احتواء الأزمات وخاصة بما يخص انتشار (الأوبئة) أو ما يخص (الاقتصاد) وما يصاحبها من تهديد مجتمعي يمس مصيرهم في الحياة، فالسيطرة ومسك زمام الأمور في الأنظمة (الشمولية) يكون أسهل من ناحية إصدار الأوامر وتنفيذها قياسا للنظم (التعددية) ومنها (الليبرالية)، وهنا يكون تقييم المجتمع والمواطن الذي وجد نفسه وهو في ظل (الأنظمة الليبرالية) تائها كما وجدناه أمام تفشي وباء (كورونا)، وهو الأمر الذي اهتزت ثقته بالنظام وخطط الحكومة وبنفسه؛ وهو يرى فشل في التعامل وتوفير مستلزمات ومتطلبات الأزمة الوبائية لـ(كورونا) وكيف دفعت أزمة (كورونا) دول العالم إلى أزمات (سياسية) أكثر صعوبة من الأزمة (الاقتصادية) و(الاجتماعية) دفعتهم لتبني مواقف يسارية أو يمنية .

ولهذا نرى بان المجتمعات وتحديدا (الأوربية) منها؛ ترى بان التيارات السياسية (اليسارية) لها مواقف ضعيفة اضعف من المتطرفين من الجناح (اليميني)؛ ولها ضاعت البوصلة بين هذا الجناح وذاك، وهو ما اثر سلبا في بهذا الشكل أو ذاك إلى تراجع (الدول الأوربية) و(أمريكا) وعدم قدرتهم إيجاد المناخ الاقتصادي الذي يوازي التوافق بين الجناحين (اليميني) و(اليساري) وبما يساهم في استقطاب الأيدي العاملة بأسعار منخفضة لتنشيط حركة الاقتصاد داخليا؛ وهو الأمر الذي حول اتجاه (دول الأوربية) و(أمريكا) لاستثمار وتحويل مصانعهم إلى (الصين) لرخص الأيدي العامة هناك وتجنبا للمضاربات الاقتصادية بين أطراف (اليمين) و(اليسار)، والتي رويدا – رويدا استغلت (الصين) هذا العامل في الصناعة والإنتاج؛ لتكتسب خبرة عظيمة مكنتها من إيجاد بدائل توازي ما يتم الطلب منها في الأسواق التجارية وبأسعار منافسة؛ لتظهر (الصين) كعملاق مؤثر في الاقتصادي العالمي، ولعدم قدرة (الدول الأوربية) و(أمريكا) منافستها لظروف داخلية بحتة؛ أخذت (الصين) تفرض وجودها في الأسواق التجارية العالمية وفي تبادلات المال والمصارف، بل إن معطيات هذا الظهور لـ(الصين) هو ما يرجح وضمن واقع (الافتراضات) بكون إنتاج فيروس (كورونا) جاء صناعته في مدينة (ووهان الصينية) ليتم تهديد اقتصاديات دول العالم وعلى رأسها (أمريكا) و(الدول الأوربية) لسيطرة على الأسواق العالمية، وهو واحد من ابرز الأسباب مهد ويمهد لصعود مكانة (الصين) على حساب (الولايات المتحدة) وحلفائها (الأوربيين)، بل إن (الصين) حاولت منافسة (أمريكا) و(الدول الأوربية) بإيجاد نظام اقتصادي جديد منذ مطلع الألفية الثالثة – كما قنا سابقا – سمي بنظام ((بريكس)) وهو مختصر اخذ من حروف الأولى لهذا النظام المتكون من (برازيل) و(روسيا) و(هند) و(الصين) و(جنوب أفريقيا)، وهذه الدول تعتبر أقطابا رئيسية في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب ليصلوا إلى (مسار التنمية المستدامة( ، لذلك فان (أمريكا) ترى في نظام (بريكس) كيانا يهدف إلى إضعافها لأنه نظام (الجيوسياسية)؛ ونموذج للقوة الصاعدة وغايته هو إرسال رسالة إلى (أمريكا) بان زمن الهيمنة (الأمريكية) الأحادية القطب قد انتهى؛ وان العالم بحاجة إلى نسق دولي متعدد الأقطاب كما أتى في توجهات (الصين) .

وهنا سنسلط الضوء إلى (الصين) باعتبارها من الأقطاب النشطة في (بريكس) ومن مؤسسيه دون تقليل فاعلية الأقطاب الأخرى؛ بكون رؤيتهم تتماشى وتتوافق مع منطلقات (الصينية)، ولو إن (الصين) لها أطماع وطموح وغايات ابعد بكثير من أبعاد هذه الدول؛ ولكن (الصين) أرادة من هؤلاء الدول مشاركتها ليكونوا غطاء لما هو أعمق من ذلك، وان (الصين) بأي شكل من الإشكال قادرة على الهيمنة على هؤلاء في أية لحظة تريدها؛ بفعل إمكانياتها الاقتصادية ولما لها من ايدولوجيا شمولية ولكثافة سكانها التي تتمتع بها، لان اليوم (الصين) تقف ندا مباشر مع (أمريكا)، ولهذا دأبت بتوسيع نطاق اقتصادها وعلى نحو شامل وعلى كل المستويات، لذلك نجد (الصين) أقدمت إلى تطوير منافذ توسيع اقتصادها في التصدير والحصول على المواد الأولية والخام من دول الصديقة لها واستثمار فيها بهذه المجالات؛ وذلك بإيجاد خطوط امتداد واتصال سريع يربطها بدول العالم من خلال أعادة أحياء طريق (الحرير) القديم؛ من خلال تنفيذ شبكت من طرق المواصلات العملاقة والحديثة تصل إلى عمق القارة (الأوربية) ودول غرب قارة (أسيا) وشمالها، إضافة إلى توسيط نطاق (المواصلات البحرية) بنظام متطور وفتح موانئ عملاقة وحديثة تمتد من محيط (الهندي) باتجاه موانئ (باكستان) ومواني (جنوب إفريقيا) ومواني (برازيل) .

وهو الأمر الذي اليوم فجر صعود (التيار اليميني المحافظ) أو (اليسار الراديكالي) سواء في (أمريكا) أو في (دول الأوربية) بعد إن فشلت (الدول الأوربية) بنظامهم (الليبرالي) و(النيوليبرلي) المعزز بالمبادئ الديمقراطية في إيجاد حلول لمشاكلهم؛ وخاصة في ظل انتشار وباء (كورونا) القاتل؛ و فشلوا في حل الأزمة التي أفقدت كثير من (الأوربيين) وظائفهم؛ بل عجزوا من مساعدة الدول المتحالفة في (الاتحاد) والمتضررة بالوباء، وتم إغلاق الحدود بين كل دول (الاتحاد الأوربي)، ولهذا اخذ (التيار اليمين المتطرف) بصعود ليطرح أفكاره التي تنادي بـ(القومية)، وان تصاعد هذا التيار في (أوروبا) لا محل سيصاحب خروج بعض الدول من (الاتحاد الأوروبي) مما ينذر بتفكك (الاتحاد) لا محال، كما إن بروز (اليسار الراديكالي) على الشارع في (الولايات المتحدة الأمريكية)؛ كما نلاحظه اليوم في تظاهرات التي تعم في أكثر من ولاية (أمريكة) ينذر إلى تفكيك (أمريكا) وانفصالها عن (أمريكا) عاجلا أم أجلال .

وهناك عامل أخر لا يقل أهمية مما سبق إن لم يكن من العوامل الرئيسية لتصاعد الأصوات (اليمين المتطرف) أو (اليسار الراديكالي)، فبعد عام 1991 حين انهيار (الاتحاد السوفيتي) توجهت (أمريكا) من خلال نظامها (الرأسمالي) لفرض هيمنتها على الأسواق في كل دول العالم؛ فعملت على تسويق وتصدير نظام (العولمة) عبر سياسية (الليبرالية) و(النيوليبرالية) ومن خلال الاقتصادي (الرأسمالي) الذي سوقته تحت خطاء الحريات والديمقراطية وحرية التعبير باعتبارها مفاهيم حرم منها الإنسان في ظل الأنظمة الشمولية الشيوعية والاشتراكية واليسارية، و بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة لفرض رؤيتها على دول العالم واستقطاب الجماهير إليها – بغض النظر عن الجنس والعرق وطبيعة المجتمع – ليكون هدف (الرأسمالية) من كل هذه الإجراءات التي هي في الغالب شكلية وبعيدة عن جوهر الفكر، هو تنشيط حركة الاقتصادية والإنتاج الذي هو الهدف الأساسي من كل ما تروج عنه (الرأسمالية) المتوحشة، فامتدت الشركات وتوسع نطاقها الإنتاجي بما فاق على إنتاج النظم (الشمولية)، بكونهم منحوا لمواطنين حرية الحركة والتجارة بلا حدود وبلا ضوابط؛ مما أتيح للمهاجرين واللاجئين فرصة للجوء إلى (أوربا) و(أمريكا) وبشكل واسع النطاق؛ وهذا ما اثر سلبا لسكان الأصليين؛ الذي فقدوا وظائفهم بسبب إن اللاجئين كانوا يتقاضون رواتب اقل بكثير من هؤلاء، ولهذا عملت الشركات والمصانع بالتشبث بهم؛ على حساب السكان الأصليين ومن دون إن تقدم هذه الدول خطط لمعالجة ظروف العمل واللجوء بشكل الذي لا يؤثر على طبيعة المجتمعات التي استقطبت هذه الموجات، لكون مشكلة اللاجئين من ابرز ملامح التي تفاقمت اثر تفشي جائحة (كورونا) القاتل وخاصة على المستوى الاقتصادي والأمني، لان الدول الغربية في مقدمتها دول (الأوربية) وقفت عاجزة أمام الأزمة الاقتصادية التي تأثرت بسبب وباء (كورونا) وهذا ما دفع الشعوبيين من (اليمين المتطرف) لإحداث قلاقل مجتمعية خطيرة؛ ليتم تغيير النظم باتجاه إعادة أحياء (النظم الشمولية)، لان وصول (اليمين المتطرف) أو (اليسار الراديكالي) وأحزابهم إلى سدة السلطة وخاصة في (الدول الأوربية) و(أمريكا) و(أمريكا ألاتينية) سوف يؤدي بنظم هذه الدول أو بالأحرى بأغلبية دول العالم إلى تحول أنظمتهم وإدارتهم للسلطة من سياق النظام الديمقراطي تعددي أو وفق سياق اتجاهات اليسارية التقدمية إلى نظم سلطوية بطابعها العنصري والشعوبي، ليتم تغيير اتجاه تنظيم الحياة السياسية في بلدانهم تغييرا جذريا وبعكس الاتجاه تماما، وهي فرصة قد تكون مواتية لعودة النظام (الشيوعيين) إلى الساحة الدولية علما بأنهم يحملون أفكار هائلة وعظيمة من الفكر (الماركسية – اللينينية) ويمتلكون الخبرة وايدولوجيا في كل مفاهيم الحياة وخاصة (الاقتصادية)؛ لنتذكر كيف تمكن (ستالين) تحويل (روسيا) من (دولة محراثيه) متخلفة إلى (دولة نووية) عظيمه وبفترة قصيرة؛ وتم بناء اقتصادا هائلا قل مثيله في العالم للفترة ما بين الحرب الأولى والثانية، ولهذا إن عودة (الشيوعيين) لا يمكن استبعاده من منظومة (النظام الدولي الجديد) لان كل ما في الأمر يتطلب فقط وجود قائد وقيادة تمتلك الشجاعة والقوة مثل (ستالين) العظيم؛ تمكنهم مسك الأمور بعد الاستفادة من الإخفاقات التي واجهوها فيما سبق، لذا فان العالم ما بعد (كورونا) عالم يكون بعيدا كل البعد عن (العولمة) و(الليبرالية) وهي نظم ولدت من رحم (الرأسمالية ) والتي سوقتها في العالم كواجهة لها ليس إلا، وان اخطر ما ستوجهه النظم الديمقراطية والتيارات اليسارية المعتدلة؛ لعدم قدرتهم على اتخاذ إجراءات حازمة أو اتخاذ حلول ناجعة تهم المواطنين؛ هو تفشي حالة من اضطرابات مجتمعية وسياسية تسببه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وانتشار البطالة والتي ستتدهور بشكل خطير بما تسببه وما سببته جائحة (كورونا) القاتل؛ من إرباك سياسي واجتماعي واقتصادي في كل بلدان العالم .

لذلك كلما مضى الوقت دون وجود حلول لهذه الجائحة التي تفتك بالمجتمعات اقتصاديا واجتماعيا – فلا محال – فالجانب السياسي سيتأثر بشكل مباشر وسيكون المناخ مواتيا لصعود (اليمين المتطرف) أو (اليسار الراديكالي) إلى السلطة وباتجاهاتهم المتطرفة سيتم تقوض النظم (النيوليبرالية) و(الليبرالية) الديمقراطية بعد إن يستطيعوا هؤلاء من اهتزاز ثقة الإفراد بهذه النظم التي أخفقت إخفاقا عظيما في مواجهة أزمة (كورونا) سواء في الجانب الصحي والمجتمعي والاقتصادي، حيث تصاعدت البطالة بين إفراد المجتمع؛ وان الأسواق شهدت ركود اقتصاديا؛ والمجتمعات اختنقت بظاهرة توافد اللاجئين الذي زاد من أزمة البطالة في المجتمعات التي نظمها ديمقراطية؛ والتي شرعت واستقطبت هؤلاء ليتم الاستفادة منهم في إدارة المصانع وزيادة الإنتاج بأقل تكلفة، بعد إن سببوا هؤلاء الوافدين مشكل لا تعد ولا تحصى على سوق العمالة وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل مباشر .

ولكن يقينا إن مخارج التي تتجه إليها المجتمعات تنطلق من خلال حالة الإخفاقات التي أفرزتها الجائحة (كورونا ) القاتل؛ ولن تكون علاجا لأساس الأزمة الناجمة، لان (اليمين المتطرف) سيخلف أوضاعا أكثر قسوة في المجتمعات من وباء (كورونا) القاتل؛ ولن تدوم الحياة لهم ولن يكتب لهم النجاح إلا لفترة قصيرة، لان أي حل يجب إن يأتي للارتقاء بمستوى القيم الإنسانية لا إن نعالج التطرف بالتطرف، لان مثل هكذا علاجات ما هي إلا حالة من هستريا الخلاقة ملوثة بمزيد من التخبط الأعمى والفوضى ومزيد من الاختناقات وفشل .

وعلينا بدا إن نراجع خيارتنا للارتقاء إلى مستوى التعاون ألأممي؛ لان معالجة أزمة جائحة (كورونا) القاتل – التي تهدد البشرية والحياة على كوكبنا والتي خلقت أوضاع مربكة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في منظومة العالم – لا تأتي ما لم تتكاتف كل المنظمات الصحية في دول العالم؛ ليتم تبادل المعلومات وصولا إلى هدف واحد هو إيجاد علاج فعال يقضي على فيروس (كورونا) القاتل، والوصول إلى هذا الهدف يتطلب مشاركة دولية تنطلق بوعي ومسؤولية والتزام أخلاقي متبادل، لان الحضارات الإنسانية في عالمنا وحدت المسافات واختصرت الأزمنة بقيم العدالة.. والعدالة الاجتماعية.. والحرية.. والتحرر.. والمساواة.. والبناء.. والتطور.. وبرسالة إنسانية منحتنا يقينا ويقظة بشروط الحياة للحفاظ على الأمن والسلام العالمي؛ ليكون ذلك بمثابة خارطة طريق لصفحة مشرقة بعيدا عن التظليل والخداع الذي سار العالم على نهج (العولمة) المزيفة بشعارات (الرأسمالية) المخادعة التي اخفت ملامحها البشعة خلف (الاقتصاد) و(زيادة الإرباح) وضحت بقيم الإنسانية وأرواح البشرية من اجل هذا الهدف؛ الذي يدر الأموال في جيوب الطبقة (الرأسمالية) والطبقة (البيروقراطية) وعلى حساب الطبقات العاملة والمسحوقة؛ الذين تم استغلالهم أبشع الاستغلال؛ ليكونوا اليوم أول ضحايا وباء (كورونا) القاتل الذي أنتجته هذه (الرأسمالية) المتوحشة لإغراض المنافسة والسيطرة على الأسواق العالمية الاقتصادية، ولكن اتجهت الأمور بعكس ما تشتهي السفن؛ وكان الهلاك لهذه الغطرسة (الرأسمالية) التي هيمنت على مقدرات العالم منذ إن ظهرت بحداثتها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر؛ وعلينا اليوم إن نستفد من تجارب الحياة لكي لا نخسر المستقبل بمزيد من تشكيلات للنظم أكثر تطرفا من (الرأسمالية) و(العولمة) و(الليبرالية) و(النيوليبرالية) وديمقراطياتها المزيفة .

أحدث المقالات