في مطلع ستينيات القرن الماضي ، يوم قدم الشاعر( شاكر ميم 1931 ــ 1999 ) من مدينة ” السدة ” حاملا أشعاره ومواهبه وحط رحاله على أرض ” الديوانية ” وبين مضارب شعراؤها الكبار ، فانه لم يكن كــ (حامل التمر الى هجر ) ، ذلك ان أشعاره على مافيها من بساطة سرعان ما وجدت طريقها سالكة الى القلوب وانتشرت بين قطاعات واسعة من المثقفين ، بل واظهر نشاطا ملحوظا من خلال اسهامه مع عدد من شعراؤها عام 1960في تأسيس جمعية الشعر الشعبي في المدينة0
بدء مشواره في المدينة خطاطا يوقعّ لوحاته بأسم ( شاكر ميم ) ويومها راحت التساؤلات تثار حول شخصية هذا القادم الجديد والغريب بسمرته الداكنة ، وكانت ( الميم) واحدة من الأسرار التي اكتنفت شخصيته ، الى ان افتضح أمرها على انها مختصر لأسمه الثاني ( شاكر منصور الحسناوي) ، ولكنه سرعان ماترك مهنة الخط وافتتح صالة ” الاندلس ” للتصوير وراح بأشعاره يدعو الى ضرورة توثيق الجمال:
لازم تمر بالاندلس وتنام بالمقصورة من تمر بس تخزر خزر مايوم تاخذ صوره
و لما وجد نفسه انه لم يفلح في جذب الجمال الى صومعته ، اتخذ له دكانا صغيرا لبيع الثلج و جعل منه عالمه الكبير الذي من خلاله راحت قصائده تتسرب وتنتشربين أوساط واسعة من الشباب لما تنطوي عليها من بساطة ومفردة يومية مألوفة متشبثا بأصحاب النخوة للوقوف معه في محنته :
مصيوب صرت آنه ابخطر جتالي بـالدغارة
وينه اليكول آني مرد ويكوم يفرش داره
يفرش الدار ويستعد ويصير عادل بالحكم
طارش اجيت ابدمعتي ترضون طارش ينسكم
ويبدو ان حظه العاثر كان وراء سر تنقلاته بين هذه المهن ، ذلك انه لم يكن موفقا في استثمار فرصه ، وحتى في صيده لم يكن قادرا على الاحتفاظ بطريدته ، فهي سرعان ماتفلت من بين يديه :
ملعون يا أسمر خد كلما نصيدك تنهد
….
ملعون عندك كذله والباري حط لك كحله
لازم نعلمك سهله ونخلي لاعمالك حد
وهو يعترف بخساراته المتلاحقة ولكنه لايمتلك امام ذلك الا ان يعاتب بمحبة :
وازانه الوكت والوكت نوبات يصير وياك نوبه اعليك يفتر
تدري اشكثر مرنّ بيّه حلوات وحك الله شبيهك أبد مامر
جاليش ابرعيتك ذيب والشاة وأنه روحي ثدي ولشوفتك در
وربما السر وراء انتشار قصائد الشاعر ( شاكر ميم) هو ان اغلب موضوعات قصائده تقوم على القصة ، جاعلا من اسلوبه السهل وصوره الواضحة أرضية سهلة لحفظها وتداولها ومنها قصيدته ( نيشان) التي عاتب فيها عمه الذي رفض زواجه من ابنته فعاتبه :
ليش ياعمي ترد نيشاني جيتك ابحدة غضب وازني
….
ليش نيشاني ترده لياسبب موش منكم لوله مجهول النسب
ترضه عود يطيح من حزمة حطب يمته واحد يلتفت للثاني
….
من اشتم مثل تفال السمه فوك راسي اتطيح كل اللايمه
ابن اخوك شلون ترضه اتألمه ماتخاف البسمه الفوكاني
والملفت للنظر في المنجز الشعري لشاكر ميم الذي بدأه في الخمسينيات هوأنه بالرغم من انتمائه المبكر لليسار العراقي وتنظيمه وفصله من دار المعلمين بسبب اشتراكه في وثبة كانون 1948 الا انه يخلو من القصائد السياسية والوطنية . فقد ظل الغزل هو الطابع الذي يسود عالمه الشعري :
طبعك تبدل ماتفيد وتنفع روحي ومهجتي افديتها وماتقنع
…
شنطيك أكثر من مهجتي وروحي وسهر الليالي ودمعتي وجروحي
الخنسه فضّت وآنه مافض نوحي ليلي ونهاري امسمـّع المايسمع
من قصيدته (المشمش ) التي هي ملحمة غزلية طويلة ــ تقارب الـ (541 ) بيت ــ وكانت من ضمن القصائد التي قدمتها له دار الاذاعة العراقية بصوت الشاعرين ( ابو ضاري ) و ( زاهد محمد ) نقتطف :
صِدْ ليه بعيونك صدك .. صد ليه بيهن كلش
يرضاها الله .. بعشرتك أبني انه وانته اتفلش
حبيتك وجنت اعتقد ماتنكل وياي الغش
واتنطرت طرت الفجر كل ظنتي يشكر تغبش
لنك سراب بلا اثر ماتروي بس اتعــّطش
هونك يبو زيج الدلع لاتنتفخ هم اتفش
والشيب يعله ابهامتك وعيونك اتظل ترمش
كلي اشتحصل لوذبل خدك بعد يامشمش ؟
……
صِدْ ليّه بعيونك صدگ لا تخشه گولة گايل
المال مال الله اعتقد لا تطردون السايل
گلي ابسلفكم هم اكو وادم ترد العايل
ايشوفون حالي ابيا سگم صارت وانته الچاتل
واشهود عندي امدامعي وچتفي ابودادك مايل
ان چان مليتوا الگلب من شوفتك ثق ما مِل
يل شوفتك صارت فرض مص الشفايف ينعش
گلي شتحصل لو ذبل خدك بعد يا مشمش
…….
صد ليه بعيونك صدكَ خليني اوج بيهن وج
الي يطوف بوجنتك جن وصل بيت الله وحج
ايوب اصيرن من تمر وبمشيتك تتغنج
لو كَلبي مرمر مايحس ويشوف حسنك يدعج
جرح الكَلب بعدك نزف والواشي شجه وغمج
مو حكَي لو كَالو دمن عالشرب وخيول اسرج
سهران كل ليله اعتقد ودموعي عالخد ترش
كَلي شتحصل لو ذبل خدك بعد يامشمش
