ما ينقصنا في العراق اننا نجانب الحقيقة ونتجاهلها اذا كانت مرتبطة بكيان مقدس في البلاد كالمرجعية الدينية ، اذ ازدادت في الفترة الماضية قضية (زعل) المرجعية على الحكومة ومحاولة ترسيخ مفهوم واحد بان المرجعية الدينية لا تدعم الحكومة وان رموز (البيت الشيعي السياسي) استغلوا المرجعية وصعدوا على اكتافها.
الحقائق التاريخية لا يمكن ان تزيلها مجموعة من المقالات التي يكتبها البعض ، لان التاريخ لا يمكن ان يعترف بالاراء بل بالمواقف ، كالتي حدثت في انتخابات القائمة المغلقة النيابية وكيف سكتت المرجعية عن وجود صور رموزها جنب الى جنب صور المرشحيين الشيعة ، ولم تعترض المرجعية الا بعد ازدياد حدة الانتقادات على هذه الظاهرة ، اذ ان سكوتها في ابان الحملة الانتخابية يعد قبولا منها ودعم لهؤلاء المرشحين الذين ما زالوا موجودين في المشهد السياسي وفي دفة الحكم في البلاد .
وفي الحقيقة ان دعم المرجعية لجهة معينة ليس عيبا انما فضلا منها على الناس لانها تدلهم على الاصلح لو افترضنا انهم الاصلح ، لكن الذي يحدث للاسف الشيد ان المرجعية الدينية حفظها الله ايضا تتأثر بمواقف المشهد السياسي وتغير موقفها متى رأت ان هذا الموقف يمس تصرف منها كانت ترى انه تصرف معقول وجيد ومقبول ومقتنعة به .
لكن المشكلة في العراق هي ان الذي يخطأ لا يقول انا اخطأت وعادة ما يرمي خطأه على منافسه ، والمشكلة الاكبر من هذه المشكلة ، ان الامور سارت وترسخت بان هناك جهات هي التي تخطأ دوما وجهات اخرى هي معصومة عن الخطأ ، وحتى لو اخطأت فان خطأها يرمى بصورة اوتماتيكية بسلة الخطائين .
ثم ان اي موقف داعم من قبل المرجعية لجهة معينة ، لا يزيل مفهوم وقوفها بمسافة واحدة من قبل الجميع ، فالمرجعية اذا كانت ترى ان الحكومة الحالية مليئة بالاخطاء ، فكان يجب عليها ان تأخذ دورها في البلاد بصورة حازمة وتكون هي (جيش السيسي) الذي اسقط حكم الاخوان في مصر ، لا ان تقتصر تصريحاتها على الانتقاد فقط ، فالمعارضون للحكومة ينتقدون ، والموالون لها متمسكون في موقفهم ومدافعون عنها ، وهذا هو العمل السياسي الديمقراطي في كل انحاء العالم .
ما المانع ان ترشح المرجعية مجموعة من الاشخاص ترى بانهم مخلصين ويمكن ان يبنوا عراقا مستقرا ، ويستثمروا خيراته على اكمل وجه ؟ وان تستغل الانتخابات النيابية المقبلة وان توجه انظار الناس عليهم وتستغل سعة تأييدها وولاء الشارع لها .
فاذا كان الغير لا يمكن ان يكونوا مسؤولين او قادرين على تحمل المسؤولية فلتتحمل المرجعية هذه المسؤولية وتقوم هي باختيار حكام العراق ، وهذا الامر لا يمكن ان يتناقض مع الديمقراطية ولا يمكن ان يسيء لاي مكون ، لاسيما ان قادة باقي المكونات يحملون في قلوبهم تقدسيا كبيرا لها ويحرصون على عدم زعلاها .
بل بالعكس انا اعتقد ان اطراف الحكومة ورموزها الذين يتعرضون اليوم للانتقادات ، هم كانوا اكبر الداعمين للمرجعية وحفظوا مكانتها وتخلوا لاجل عيونها عن مرجعيات اخرى من حقها حسب المفهوم الشيعي فقهيا ان تعلن اجتهادها وتصديها ، وهذا الدعم ما زال قائما للمرجعية حفظها الله بدليل ان اي مرجعية مرفوضة من قبل المرجعية الرئيسية مهمشة في اوساط الحكومة وهذا التهميش ممتد حتى للاعلام .