لا تخضع الترجمة العربية للتخطيط المسبق ولا توجد مراكز علمية للاشراف عليها او حتى للتنسيق بشأنها, فكل مترجم حر بشكل يكاد ان يكون مطلقا , فهو الذي يختار المادة وهو الذي يقرر ترجمتها, رغم ان هناك بعض الاحيان مؤسسات تقوم باختيار المواد وتكليف المترجمين بالقيام بترجمتها , الا ان هذه الظواهر لا زالت في بداياتها ليس الا, ولا زالت تخضع لمؤثرات مختلفة وغير علمية احيانا, ولا اريد التوسع في هذه الموضوع الحيوي والكبير في رأي, والذي يتطلب دراسات معمقة وجدية من قبل الجهات الثقافية العربية بلا ادنى شك , والذي يرتبط طبعا بمسيرة التطور والتقدم في ثقافة كل امة,ولكني اريد التوقف هنا عند نتائج هذه الظاهرة وانعكاساتها في مجال ترجمة عناوين نتاجات الادب الروسي ليس الا, واظن ان هذا التوقف عند العناوين مهم جدا , اذ انه مؤشر واضح و دقيق وملموسلمسيرة حركة الترجمة من اللغة الروسية الى اللغة العربية , والتي ساهم فيها الكثيرون من مثقفي البلدان العربية , والتي يمكن القول بشانها , انها اصبحت ظاهرة متميزة ومعترف بها في مجمل الثقافة العربية الحديثة عموما.
بعض عناوين تلك النتاجات واضحة تماما ولا تتحمل الاجتهادات المختلفة والمتباينة, مثلا , قصص غوغول – (الانف) او ( تاراس بولبا), او ( المعطف) او رواية تورغينيف ( الاباء و البنون ) او روايات تولستوي – ( الحرب والسلم) او ( آنا كارينينا) او ( البعث) او روايات دستويفسكي – ( الجريمة والعقاب ) او ( الاخوة كارامازوف) او ( الابله) او مسرحية تشيخوف – ( بستان الكرز) او رواية غوركي – ( الام )….ألخ, وبعض العناوين تخضع بالطبع لاجتهادات ذاتية وفنية خاصة , مثل عنوان رواية ليرمنتوف , التي ترجمها الدكتور سامي الدروبي – ( بطل من هذا الزمان ), بينما ترجمتها الحرفية – ( بطل زماننا/ او/ عصرنا), واذكر ان المرحومة الدكتورة حياة شرارة كتبت مقالة حول ذلك واعترضت على تلك الترجمة واعتبرتها غير دقيقة وفضلت ترجمة ( بطل زماننا ) , بينما ترجمها زميلي السوري ( درسنا سوية في كلية الاداب بجامعة موسكو) الدكتور فؤاد مرعي كما يأتي – ( بطل هذا الزمان ) اي انه احتفظ ببنية ترجمة الدروبي ولكنه حذف حرف الجر – (من ), واصبحت الترجمة فعلا تتناسب مع نص ليرمنتوف اكثر,ولكن عندما تتناول الترجمة نتاجات اخرى غير متفق عليها تبدا الاجتهادات والتباينات واضحة تماما,فقصة بوشكين ترجموها باربعة عناوين وهي – ( ابنة ألآمر), (أبنة ألضابط ), (أبنة ألكابتن) ( بنت القبطان) , وقصة تشيخوف بتسعة عناوين وهي – ( السيدة ذات الكلب الصغير ),( السيدة والكلب الصغير),(السيدة مع الكلب الصغير ),( السيدة صاحبة الكلب الصغير), (سيدة مع كلب), ( السيدة والكلب), ( السيدة صاحبة الكلب), ( المرأة والكلب), (السيدة مع الكلب), وقصة تشيخوف الاخرى بثلاثة عناوين وهي – ( ردهة رقم 6),(عنبر رقم 6), ( سرير رقم 6) , وقصة تشيخوف الثالثة بخمسة عناوين وهي – (اللعوب ) , (النطاطة ), ( الجرادة ) , ( القفازة) , ( الطائشة)ومسرحية غريبويديف الشعرية بسبعة عناوين وهي – ( المصيبة من العقل ) , ( مصيبة الذكاء ) , ( محنة العقل ) , ( ويل من الفطنة ) , ( الشقاء من العقل ) , ( البؤس من العقل ) , اما اقتراحنا بترجمتها ( ذو العقل يشقى) فلا زال غير مستقر نهائيا , رغم تقبله عموما في اوساط المترجمين والقراء العرب , ويمكن الاستمرار بهذه الامثلة طبعا, ولكن المهم هنا هو تحليل هذه الظاهرة ومحاولة الحد منها في الاقل, ولا نقول التخلص منها , اذ ان ذلك يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا.
ان من اهم اسباب هذه الظاهرة هو ان ترجمة الادب الروسي الى اللغة العربية لازالت في مراحلها الاولية, اذ ان مسيرة الاحداث التاريخية في العالم العربي وروسيا قد أدٌت الى تباعد الطرفين عن بعضهما البعض بعد الحرب العالمية الاولى ( 1914 – 1918 ), اذ توقفت عملية الترجمة من الروسية الى العربية , والتي ابتدأت في نهاية القرن التاسع عشروبداية القرن العشرين بين صفوف خريجي المدارس الروسية الارثذوكسية في فلسطين بعد انتصار ثورة اكتوبر 17 في روسيا واعلان دولة الاتحاد السوفيتي , التي الغت تلك المدارس الدينية اصلا, وجرى تقسيم العالم العربي بين دول سايكس بيكو, وسارت الاحداث نحو عزل الاتحاد السوفيتي عن العالم العربي باكمله, ولم تنفع محاولات الاتحاد السوفيتي خلق قوى سياسية عربية تؤيده في عشرينيات (وحتى في ثلاثينيات )القرن العشرين , ثم جاءت الحرب العالمية الثانية وهمومها, اما في الجانب العربي فقد جرت محاولات جدية لتواصل مسيرة ترجمة الادب الروسي عن طريق لغات وسيطة , وبالاساس عن الفرنسية والانكليزية , وادت هذه المحاولات الى نتائج لا بأس بها في بعض الدول العربية, مثل لبنان ومصر وسوريا والعراق , ولم يكن هناك تنسيق او تعاون بين الاطراف التي قامت بعمليات الترجمة هذه , و نتيجة لمجمل كل ذلك حدثت هذه الاختلافات في الترجمة حتى في العناوين, وعندما استقرت الامور نسبيا في الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وبداية التخلص من الستالينية وما اتفق على تسميته ب ( ذوبان الجليد ), ابتدأ الاتحاد السوفيتي بدعم حركة الترجمة من الروسية الى العربية مستخدما طاقاته الكبيرة والهائلة في هذا المجال , وقد ساهم العرب الذين كانوا في الاتحاد السوفيتي آنذاك بعملية الترجمة هذه , , وكان بينهم اناس غير مؤهلين بتاتا لذلك , وبدون مواهب ترجمية , وقد ساعدت العوامل السياسية والحزبية والفساد الاداري على ذلك مع الاسف, وهكذا ظهرت كميات هائلة من الكتب والمجلات والصحف المترجمة من الروسية الى العربية بمستوى ردئ لا زالت مضرب الامثال , واذكر باننا كنا نشتري بعض تلك الصحف ( وكان سعرها زهيد جدا ) عندما كنا طلبة هناك في ستينيات القرن الماضي ونقرأ بعض صفحاتها للسخرية من اساليبها البائسة ليس الا , ولا زلت اتذكر قهقهتنا المدوية ونحن نقرأ ترجمة – ( يا صعاليك العالم اتحدوا) , وقد استخدمت عند تدريسي لمادة الترجمة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد كثيرا من تلك الترجمات باعتبارها نماذج سيئة للترجمة الحرفية , واذكر كيف تعجب الطلبة عندما اخبرتهم ان ترجمة رواية شولوخوف ( الارض البكر حرثناها) جاءت في تلك الترجمات هكذا – ( الاراضي المستصلحة ), ولا زالت تروى حكاية كانت سائدة بين اوساط المترجمين العراقيين آنذاك تتحدث عن احد هؤلاء المترجمين الذي ترجم جملة من الروسية الى العربية كما يأتي – ( قاطرة تجرها وزة) , وعندما سألوه كيف يمكن ان يحدث ذلك أجاب مبررا ترجمته – ( كل شئ ممكن في الاتحاد السوفيتي ) , الا ان هذه الجوانب السلبية لا يمكن ابدا ان تقلل من الدور الايجابي عموما لتلك المحاولات, خصوصا بالنسبة لدار نشر ( بروغريس ) ( التقدم ) وشقيقتها ( رادوغا ) ( قوس قزح), اللذان قدما للقارئ العربي عشرات الكتب الادبية الروسية المترجمة من قبل مترجمين عرب كبار امثال غائب طعمه فرمان وابو بكر يوسف وخيري الضامن وعبد الله حبه والكيالي وبرهان الخطيب وموفق الدليمي و و و و…وكم هو مؤسف اختفاء هذا الدور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وعدم استطاعة روسيا الاتحادية من القيام بذلك الدور لحد الان.
هل يمكن لنا ان نعمل شيئا- ما في هذا المجال؟ هل يمكن ان نجتمع في ندوة ونتحدث عن ترجمة الادب الروسي الى العربية وهمومها؟ هل يمكن ان نتخذ بعض التوصيات بهذا الشأن وننفذها ؟ هل يمكن ان نؤسس موقع الكتروني يتواصل مع المهتمين بالموضوع؟ هل نتوجه الى اتحادات الادباء والكتٌاب العربوالروس هنا وهناك والى جمعيات المترجمين ؟ هل يمكن لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية ان يؤدي دورا في هذا المجال الحيوي؟ …وهل…وهل… وهل…