23 ديسمبر، 2024 10:39 م

حمى التشجيع يبلغ ذروته في العراق فيزهق ارواحاً ويفرق احبّة

حمى التشجيع يبلغ ذروته في العراق فيزهق ارواحاً ويفرق احبّة

تحقيق
* المبالغة في التشجيع تقود مراهقين الى الهلاك ومشاهير يحاولون كسب شعبية عن طريق الاندية الاوروبية
عندما نتطرق إلى موضوع الرياضة فأننا نتحدث عن نشاط وحيوية وتناغم جسدي مع المحيط أي ما يعنى صفةً ايجابيةً يكتسبها الفرد بالحركات الرياضية والأنشطة وبالتالي فهي حركات لتحفيز الذهن والجسد وتنشيط الدورة الدموية وإفقاد الوزن الزائد الخ.. وبما إننا ذكرنا الرياضة فهذا يعنى ان كرة القدم واحدة من هذه الرياضات لكنها الاكثر شعبية بين الناس وبالرغم من انها تتألف من عدد من اللاعبين الا أنها تمثل بلدانا وشعوبا وثقافات ولا بأس بأن يكون لها جمهور ومتابعين لكن هذه الساحرة المستديرة افقدت الناس صوابهم مؤخراً حتى بدأت الامور تخرج عن السيطرة ليس  في العراق فحسب بل ان ما حدث في استاد بورسعيد في مصر اثناء مباراة فريقي الاهلى والمصري وسقوط اكثر من سبعين قتيلا خير دليل على ما نتطرق اليه فهي سابقة خطيرة تهدد الجمهور الكروي بمختلف جنسياته . التشجيع وتحوله الى مرض نفسي يهدد المجتمع امر يستحق الدراسة والتشخيص والعلاج والخطير في الامر ان هناك جهات مستفيدة من هذا الهوس وهي الشركات الاعلامية المسوقة لبطولات ودوريات محلية او عالمية للغرض المادي الدعائي التي تستفيد منه تلك القنوات وبدأت تطلق اكثر من قناة في كل عام حتى باتت لا تعد ولا تحصى وبدأ المتلقي يفقد التركيز فيما يرى وفقدت  الاسر التوازن في متابعة ومشاهدة ما قد يتم عرضه في حين ان بطاقات فتح القنوات المشفرة وصلت اسعاراً خيالية مقارنة مع اسعارها المفترضة في حين اهناك اسر تشتت بفعل التأثير السلبي لكرة القدم وأبناء يتمردون على ذويهم وفشلوا في دراسته بل منهم من ترك الدراسة ليتبع اوهامه في الساحة الخضراء التي لا أهمية لها الا خلال التسعين دقيقة. هوس الكرة دفع اكثر من شخص الى ارتكاب اكثر من حماقة بفعل الانسجام الغير طبيعي مع اللعبة وجعلها بمثابة نقطة لانطلاق حياة واهية وهي لا تقل خطراً عن الإدمان على الكحول او المخدرات او الادمان على الانترنت وهي  المشكلة الاكثر شيوعا اليوم . وما يثير الدهشة اكثر انه تصل الى درجة الموت بسبب التشجيع فهذا ما لا يصدق كما حدث مع المشجع العراقي الذي فارق الحياة بعد هدف التعادل مع كوريا في بطولة كأس العالم للشباب والتي اقيمت في تركيا قبل ايام وفي النهاية فاز المنتخب في تلك المباراة بفارق ركلات الترجيح على الرغم من وفاة مشجعنا المتأثر بالهدف !

يبيع بالمجان أو يغلق محله ويتشاجر

( أبو محمد) رجل تجاوز الخمسين من عمره يعمل بقالاً في احد الاسواق يعاني هوس كرة القدم وهذا ما يدركه أصدقاؤه ومن يحيط به حيث انه يقوم بمتابعة الدوري الاسباني والانكليزي والألماني والمحلي الخ.. وفي بعض الاحيان يفقد توازنه الذهني ليبدأ بالصراخ على منافسيه من مشجعي الاندية الاخرى من ابناء الحي او رفاقه في السوق وقد تصل شغفه لكرة القدم الا توزيع الحلوى وتوزيع بضاعته وتفريقها مجانا على المارة وتكبه خسائر مادية عند فوز منتخب يشجعه في حين انه يغلق محله دون ان يكترث لبضاعته التي قد تتلف نتيجة تركها في المحل عند الخسارة ويؤكد عدد من رفاقه «  ان النادي الذي يشجعه (ابو محمد) يخسر فأن ردة فعله لو تكون عابرة اذ انه يقوم بضرب زوجته ويعاملها بقسوة ويوبخ ابنائه في المنزل و يتشاجر مع جيرانه في السوق وهذا ما يدعونا الى التطرق لهذا الموضوع الخطير.

قتلَ صديقه لتشجيعه نادياً منافسا وضمن سلسلة الأفعال الغريبة التي تحدث بفعل الساحرة المستديرة لابد لنا ان نتطرق الى حادثة المدائن والتي جاءت بعد لقاءي الناديين الاسبانيين ريال مدريد وبرشلونة اذ ان اجتماع عدد من الشباب داخل صالة مقهى لغرض التشجيع انتهى بمأساة احدهم فقد تحول التشجيع لمذبحة بين الصديقين بعد فوز احد الأندية على الآخر لتبدأ المناوشات اللفظية وتليها طعنات من مشجع احد الاندية للأخر الذي يشجع نادي المنافس حتى فارق الحياة بعد تلقيه طعنات في مناطق مختلفة من جسده وهذا ما اثار امتعاض المتابعين والمهتمين بالشأن الرياضي فيما انتقدت الصحف الاسبانية التي  تهتم بهذا الشأن والتي تعتبر المسؤولة الوحيدة عن التغطية والإعلامية للناديين لكونهما اسبانيين وليسا عراقيين ليبلغ الهوس بالعراقيين حتى القتل كما حدث قبل فترة وجيزة في كربلاء والنزاع بين قبيلتين اثر اقتتال نشب بين مشجعين داخل مقهى اسفر عن اصابة العشرات بسبب فوز احد الاندية الاسبانية على غريمه الاسباني الاخر حتى انتهت الازمة بين الشكوى والفصل العشائري .

 انفصلا بسبب الدوري الاسباني عندما يبالغ المرء في حبه وتعلقه بأشياء وان كانت ترفيهية فإنها قد تحطم حياته الاجتماعية لا محالة فـ (فيصل) ذو الثلاثين عاماً ليس مراهقاً أو مريضاً نفسياً لينفصل عن خطيبته الطالبة الجامعية لكن شغف كرة القدم وهوسها دفعه إلى ذلك . فبعد ارتباط عاطفي استمر سنتين والارتباط الرسمي بخطوبة أنهيت هذه العلاقة وتشتت القلوب كل على حدة لسبب تافه لدى الأغلبية لكنه مقنع لدى صاحب الشأن ألا وهو الدوري الاسباني ويقول (فيصل) « سبب الانفصال مقنع وأنى مقتنع تماماً بإنهاء ارتباطي بخطيبتي السابقة فأن كانت أفكارنا متناقضة في كرة القدم وهذه البدائية  فكيف لنا إن نستمر ونواصل حياتنا بنجاح إذا كانت البدائية غير متوافقة وأنا على يقين بأن كرة القدم ليست مجرد لعبة بل أنها فكر وكيان وحياة مستقلة لها أسبابها ونتائجها وأسباب استمراريتها وهي تعني المثابرة والاستمرار بالعمل الجهيد للسعي والنجاح وأما عن الدوري الاسباني فانا اعترف أنى مهووس بها ولأنها تشجع نادي ( برشلونة ) وأنا أشجع (ريال مدريد ) فهذا يعنى أننا غير متوافقين وخصمان لذلك من الصعب إن نرتبط ونكون معاً في حين أننا نشجع ناديين متنافسين على الدوام « وبهذا خسر (فيصل) شريكة حياته التي أحبها رافضاً الارتباط بها لأنها تشجع  برشلونة فقط وهذا ما يقلق لكونه هوساً خارجاً عن السيطرة لكونه يناقش ويجادل ويحاول إقناع المقابل بوجهة نظرة غير مقنعة.

تجارة مربحة ومحاولات كسب للشعبية ان ما تطرقنا له وذكرناه سلفاً لم يحدث صدفةً اذ ان الشركات المسوقة لهذه المباريات وبيع وشراء البث من قبل فضائيات عملاقة اضحى ظاهراً للعيان وما بيع البطاقات المشفرة والأجهزة المتطورة الباهظة الثمن ما هي الا أدوات لامتصاص الأموال فيما بتم اشغال الذهن العام واكتساب طاقة الشباب وشغلهم بهذه الأنواع من الألعاب وأصابتهم بهوس متعمد دون الاكتراث للنتائج التي تحطم أساسيات المجتمع ومقومات نجاحه وتآلفه إضافة إلى ذلك فان الشركات الصناعية تلعب لعبتها إزاء هذا الهوس مستغله انجراف الأطفال وحتى النساء لهذا التيار السلبي الذي لا يتناسب مع  الظروف التي يعيشها المجتمع العراقي وترى إن اغلب مشجعي هذه الأندية هم ممن يعانون السمنة أو الضعف الشديد وبذلك هم لا يمارسون الرياضة ولا يقربوها بل يفرغون طاقاتهم من خلال الشاشة والهوس بما تعرضه من رياضات وعلى رأسها كرة القدم التي أخذت منعطفاً اخر بعيداً على أنها رياضة تبعث النشاط والحيوية وتشيع روح التسامح والتعاون حتى أضحت مضربا للأمثال فيقال تمتع بالروح الرياضية. والهوس دفع الكثير من الشركات المصنعة للألبسة والمواد الغذائية وحتى المستلزمات المدرسية حتى أخدنا نشاهد كل ما يخص كرة القدم وخصوصاً الناديين الاسبانيين الأكثر  شهرةً على مستوى العالم فيما استغل بعض أصحاب المقاهي والمتاجر أسماء هذه الأندية وأبطالها من محترفين لجذب الزبائن والاسترزاق , ولم تقتصر محاولات لفت الانتباه وكسب الجمهور على الباعة وأصحاب المتاجر فحسب بل وصلت حمى كرة القدم إلى الإعلاميين والنجوم وخصوصاً ( الإعلاميات المبتدئات ) حيث كثيراً ما نشاهد على شاشات التلفزة وفي أكثر من برنامج هناك افراداً يناقشون ويتنافسون فيما بينهم كمشجعين لأندية اسبانية و( ليست عراقية ) محاولين كسب جمهور النادي الذي يعتقدون بأنه يتمتع بشعبية كبيرة في حين ذهب عدد من المطربين بالغناء للأندية  الاسبانية ويصفونها ويمجدونها بمختلف الاهازيح الشعبية على الرغم من عدم فهم الأسبان للـ( كَولات ) الشعبية العراقية وهنا نتساءل هل إن الشعب الاسباني يغنى للكرة العراقية كما نفعل نحن ؟ هل الكرة العراقية تتمتع بشعبية في العراق كما يتمتع بها الأسبان ؟ والمثير في الأمر إن الصحف الاسبانية أول من شجبت حادثة مقتل المشجع العراقي بسبب الدوري الاسباني واصفة الحادثة بالجنون معرجة على ثقافة الشعب المتأثر بالعنف والقتل ممتعضة من الاضطرابات النفسية التي الدوري المستمر الذي تبني عليه آمالها بالربح والشهرة لاسيما وأنها تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على  كرة القدم في وارداتها المالية . وهكذا يبقى الدوري العراقي منتظراً دعم أبنائه ومشجعيه العراقيين الاصلاء ممن يدركون أهمية الاعتراف بالذات والانتماء لهذا البلد والاحتفاظ بالهوية الوطنية لاسيما مع نجاحاتها المتتالية وكان آخرها تتويج المنتخب العسكري (الجوية ) بلقب كأس العالم للأندية العسكرية وهذا ما يعد نصراً وفخراً لكل عراقي ينتمي لهذا البلد .